الدرس الخالد الذى يتعلمه أى عضو يخطو خطواته الأولى داخل جماعة «الإخوان» أن المسلمين يتعرضون لمؤامرة عالمية كبرى، تتشابك أضلاعها فى صورة مربع يجمع الصليبية الحاقدة واليهودية الحانقة والشيوعية المارقة والعلمانية الموتورة. ولك أن تتخيل مدى النشوة التى يمكن أن يشعر بها إنسان بسيط خرج من شقوق الحوارى والأزقة فى مصر، وهو يسمع هذا الكلام. إنه يدخل فى حالة تشبه حالة السطل تتراقص فيها خيالات العزة والشعور بالمكانة، ليحلق بعيداً عن أوضاعه المعيشية، فينظر ضاحكاً إلى ملابسه الرثة، ويرقص على «زقزقة» عصافير بطنه الخاوية، فلا يعبأ بنور ينقطع، ولا بنار تندلع. إن كل مآسى العضو الجائع العارى، الخائض فى الأوحال، الغارق فى الظلام، المحروم من المياه، تتصاغر وهو يتخيل هؤلاء المتآمرين الذين يجلسون هناك فى البيت الأبيض وداخل الفاتيكان وفى أروقة الشيوعيين وعلى موائد العلمانيين، وأياديهم ترتعش وعيونهم ترتجف خوفاً منه، لينسجوا فخاخ التآمر «جماعة» حتى يتمكنوا من القضاء عليه!.. كيف يمكن لذلك العائش فى الغيبوبة أن يحس بأى أزمة فى حياته، وهو يشعر أن العالم كله ضده، وأن كل الدنيا «بتكرهه» وترسم الخطط والمؤمرات حتى تقدر عليه. ذلك هو الدرس الخالد الذى يتعلمه أى إخوانى منذ نعومة أظافره داخل الجماعة، ليبقى معه العمر كله، حيث ينصح دائماً بالقول: أمام كل موقف تفشل فيه تحدّث عن المؤامرة حتى يرضعك الناس عطفهم، كذلك فعل الرئيس «مرسى» حين خرج علينا فى خطاب الاتحادية الشهير متحدثاً عن المؤامرات التى تحاك ضده فى الظلام داخل الشقوق والحوارى المزنوقة، وكذلك يردد كل قيادات وأبناء الجماعة، لا أستثنى منهم أحداً. فالسر فى إخفاق الإخوان فى حكم مصر يرتبط فى الأساس بوجود مؤامرة ضدهم يتولى كبر التخطيط لها دول عربية وأجنبية، ويقوم بتنفيذها أخطبوط محلى متعدد الأذرع، يمتد فيه ذراع البرادعى العلمانى، مع صباحى الناصرى، مع كمال خليل الشيوعى، مع ساويرس المسيحى.. وهكذا. وتريد الجماعة من الشعب عندما يروى له الرئيس أو إخوانه حدوتة «المؤامرة» أن يتفاعل مع الموضوع كما يفعل العضو الإخوانى، فيرضى بأن يعيش محروماً من السولار، ويتكيف مع ارتفاع الأسعار، ويتعايش مع نتائج انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار، ولا ينزعج لأن حلمه فى تحقيق عدالة اجتماعية قد طار. فكل هذا يهون طالما ظلت الجماعة فى الحكم، ومحمد مرسى فى القصر، والدقون فى مواقع الوزراء، وعلى مقاعد الشورى والنواب، لأن ذلك يعنى أن مؤامرة الداخل ضد الإسلام الذى تمثله الإخوان قد فشلت، بعد أن حلت الجماعة مؤامرة الخارج، حين ركعت للعلمانية الأمريكية، والمسيحية الأوروبية، واليهودية الإسرائيلية، ولم يتبق أمامها سوى من يخرجون من شقوق المحروسة، ليضعوها فى أكبر «مزنق»!