واجب الوقت الآن توحيد القوى الثورية والسياسية بكل تنوعاتها وأشكالها لمواجهة المحاولات المستميتة لإعادة النظام السابق، فبعد أن شعر أنصار ورموز الحزب البائد بالتراجع والاندثار عادت إليهم الروح مرة أخرى بترشح أحد رموزهم لانتخابات الرئاسة، فأخذوا يعيدون صفوفهم مرة أخرى، ورصدوا الأموال الطائلة لدعم مرشحهم للحفاظ على مصالحهم ومكتسباتهم. إن مصر الآن تمر بتحديات جسام تهدد مكتسبات الثورة المصرية بل ومستقبل أجيالها لعشرات السنين؛ توجب علينا أن نتوقف لمراجعة أنفسنا جميعاً لتصحيح المسار وتوحيد الصف والانتصار لإرادة الشعب المصرى. إن محاولة البعض إعادة إنتاج النظام السابق هى محاولة يائسة لمن يشعر أنه يدخل معركته الخاسرة الأخيرة، فيدفع بكل ما يملك ليحافظ على ما نهبه أو استولى عليه أو تربّح منه، وهو يعلم أن الشعب بعمومه يرفضه تماماً، ولكنه يقاوم ويبذل ليحافظ على وجوده ووجود الجوّ الفاسد الموبوء الذى تربّى فيه وترعرع؛ ولم يمارس غيره، ففى مثل هذه الأجواء يجد نفسه ويحقق مكاسبه. وفات على هؤلاء أن الشعب المصرى أوعى وأذكى من أن يُخدع أو يُشترى بعرض زائل، فقد عرف الشعب المصرى طريقه للحرية وذاق حلاوتها واستردّ كرامته بعد عهود من الذل والهوان على يد النظام البائد. إن القضية الآن ليست قضية فصيل أو حزب أو جماعة أو نتيجة انتخابات، ولكنها قضية وطن ومستقبل وأمل ثورة؛ فلن نستطيع مواجهة تلك التهديدات الحثيثة والمتواصلة إلا بوحدتنا وتماسكنا وترابطنا، وليكن اعتصامنا بحبل الله ووحدتنا هو شعار المرحلة لنعبر بمصرنا نحو المستقبل المنشود (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران: 103). إن المرحلة الحالية التى نعيشها لا تحتاج إلى الترف الفكرى والسجالات العقيمة ولا إلى اجترار الماضى واستحضار أخطاء كل فصيل للتشفِّى والانتصار للرؤى الشخصية، ولكنها تحتاج للدراسة واستخراج العبر والدروس المستفادة والانطلاق نحو المستقبل بأطروحات عملية توحد ولا تفرق، تبنى ولا تهدم، تشحذ الهمم ولا تثبط، تعلى الصالح العام لا المصالح الشخصية والحزبية الضيقة.. (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال). إن مساحة التوافق بين كل القوى والتيارات السياسية والفكرية كبيرة جداً، ولا ينبغى فى هذه اللحظات الفارقة من تاريخ مصرنا أن نترك المتفق عليه ونبحث عن المختلف فيه ونعظِّمه ونعطِّل به المسيرة.. نحن أمام مخاطر حقيقية لسرقة ثورتنا وإضاعة مكتسباتنا وتهديد حقيقى لمستقبل أبنائنا؛ فإن لم نتوحد الآن فمتى نتوحد، وإن لم نتكاتف الآن فمتى تكون الوحدة؟! إن الثورة المصرية مهددة والذى يتهددها عدو للجميع ولا بد أن نتكاتف ضده فهو يريد سرقة كل خيرات مصر، بل وحرق البلد بمن فيها، فهل نفيق وندرك الخطر؟! فالفشل قرين التنازع، والتنازع يصنع الإخفاق، وتكاتف القوى الثورية واتحادها يقطع الطريق على أتباع النظام الفاسد الذى يترنَّح من استرداد قوته مرةً أخرى أو محاولة الإجهاز على البقية الباقية فى الثورة. فالعلاقة الطبيعية بين من يحملون مسئولية نهضة مصر هى المشاركة الجادَّة فى بناء صرح جديد من التفاهم والتشاور والوفاق والتعاون، لا يعرف الشقاق أو الافتراق أو التخاصم، ومن ثمَّ فهو بعيد عن الفشل والوهن والاستكانة والضعف فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية والرياضية والفنية. تأبى العصىىُّ إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا فلنتحمَّل جميعاً أفراداً ومؤسساتٍ، هيئات وأحزاباً، مسلمين ومسيحيين، شباباً وشيوخاً، مسئوليتنا التاريخية لبناء مصرنا ونهضتها والحفاظ على مكتسبات ثورتنا بالوحدة ولمِّ الشمل، فالتاريخ لن يرحم المقصِّرين منَّا، وعدالة السماء بالمرصاد للقتلة والمفسدين، وإن هربوا من عدالة الأرض (ولا تَحْسَبَنَّ اللَه غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) * مدير المركز الحضارى للدراسات المستقبلية