جميل. أنت ستقاطع الانتخابات البرلمانية القادمة وأنا أفهم وجهة نظرك، وأرى منطقك قويا ومهما. أنت مقتنع بأن هذه السلطة فاشلة تخلف وعودها، وستزور الانتخابات، وبأن أحد سبل إسقاطها هو إحراجها بالانسحاب من مسرحية يعرف الجميع مشهد النهاية فيها قبل أن تبدأ أصلاً. أنت ترى أنك لن يكون لك صوت داخل مجلس ستأتى أغلبيته إسلامية شئت أم أبيت فى مشهد عبثى وتوقيت كارثى وظروف صعبة، وستكون أنت الضحية، ووجودك قد يضفى شرعية ومصداقية على هذا المجلس الذى جاء بعد دستور على طريقة كتابته وتمريره العديد من علامات الاستفهام المشينة فى حق بلد قامت بثورة وتريد أن تبنى على نضافة، وكل ذلك منطق محترم جداً. أنت لن تجلس مع ناس خانوا العهد وأيديهم فيها دماء من أيام «الاتحادية»، ولا تثق فى رئيسهم وما إذا كان قراره من رأسه أم من مكتب الإرشاد ولذلك ستقاطع. والله أنت جميل ورجل عندك مبدأ.. دعنا إذن نفكر فى تبعات مقاطعتك. ستتم الانتخابات ويكتسح الإسلاميون، وتنزل أنت والمقاطعون والمعارضون صفاً واحداً للاعتراض عليها أساساً، ثم على نتائجها أياً كانت، ثم على الجلسة الأولى للبرلمان فى سيناريو مكرر لا أعرف لماذا لا يوجد ابتكار ورغبة فى تغييره، والنتيجة ستصبح كما هى: هم فى البرلمان يشرّعون وأنت على أمل إسقاطهم تتحدث عن ذكرياتك الرومانسية وقياسك الخاطئ بأن مقاطعة انتخابات 2010 هى التى أحرجت الحكومة وجعلت نظام مبارك يزور ودفعت بالثورة للاشتعال مع أنك تعلم يقيناً من داخلك أن المقاطعة آنذاك كانت (ولا حاجة) وأن أغلب من قاطع كان الأحزاب الكرتونية الهشة الديكورية التى كانت تهرول لصفوت الشريف من أول صفارة. طب بذمتك ودينك لو كانت الانتخابات فى 2010 تمت بنزاهة هل كان سيتغير الوضع؟.. بلاش دى.. لو أقيمت الانتخابات القادمة بمنتهى الشفافية والحرية والنزاهة وبعد أن تحقق لك رغباتك فى تغيير الحكومة وإقامة حكومة وحدة وطنية وما إلى آخر كل هذه المطالب والضمانات.. بذمتك ودينك يا شيخ هل ستنجح وتكتسح وأنت تعرف أن القاعدة العريضة من الناس ليست معك؟ الصناديق لا تعرف سوى الأصوات، وأنت بلا أصوات تقريباً، وبدلاً من أن تكسب الناس وتتكتل وتصبح كياناً كبيراً قوياً، ومعارضاً وحيداً عملاقاً فى مواجهة الإخوان وحلفائهم، ها أنت تدعو لمقاطعة ستخرج بعدها بنفس النتائج، وتصرخ نفس الصراخ، وتتهم نفس الاتهامات، وتخرج فى نفس التظاهرات، وتسقط نفس الدماء، وندخل فى نفس الدائرة المفرغة. طيب.. قبل أن تشتمنى وتتهمنى بأننى «إخوانى متخفٍّ»، أو خلية نائمة من خلايا الإخوان، دعنى أقل لك ما أريده وأتمناه منك باختصار: هل ستقاطع؟ جميل.. قاطع للنهاية وليس بطريقة الجمعية التأسيسية التى حضرت معظم جلساتها، وليس على طريقة الاستفتاء الذى ظللت مرتبكاً ولا تعرف هل ستدخله أم لا.. قاطع وأنت كيان واحد كبير يقف صفاً واحداً. انجح ولو مرة واحدة ثم قاطع كما تشاء.. لن تقاطع؟.. جميل أيضاً.. لكن أرجوك، وحد صفوفك، ضم إليك ملايين الغاضبين واجعل أصواتهم لك فى الصندوق وخض معاركك للنهاية ولا تجعل خصمك يتحدث عن ديمقراطية ستكون فى صفك لو أنك كففت عن فشلك فى حشد الناس حولك. من الآخر: «ك ف عن ف ش ل ك».