صراحة وبعيداً عن أى توجهات سياسية كم أشفق على أصحاب المناصب الوزارية الحاليين! ودواعى إشفاقى عليهم أنهم أتوا إلى مناصبهم وتولوا أمور وزاراتهم وخزائن تلك الوزارات شبه خاوية.. بل وبعض تلك الوزارات مدينة ديوناً تراكمية من عهود سابقة.. بينما ميزانية الدولة المتواضعة لا تقوى على دعم خزائن تلك الوزارات لتمكين هؤلاء الوزراء من تحقيق إنجازات ينشدونها. ولنضرب مثلاً بوزارة الإعلام والوزير صلاح عبدالمقصود.. فقد تسلم الرجل الوزارة منذ شهور قليلة.. وفى بداية عهده لمس منه المحيطون به حماساً شديداً لتطوير منظومة الإعلام المصرى.. ولكن الرجل وفيما أعتقد بل أثق قد حاصرته مشاكل جمة متفاقمة جعلته حتى الآن يقف مكتوف الأيدى.. فمثلاً كما أعرف ويعرف الجميع أن ميزانية وزارة الإعلام التى تتلقاها سنوياً من وزارة المالية نحو ثلاثة مليارات جنيه.. من المفترض أن تفى هذه المليارات الثلاثة برواتب العاملين بوزارة الإعلام بدءاً من الوزير وحتى عامل الأسانسير، وحوافزهم ومكافآتهم.. والباقى يتم توجيهه إلى تحقيق أهداف الوزارة من إنتاج إعلامى وثقافى ودرامى، بعضه يدر أرباحاً والآخر يدر أهدافاً تثقيفية.. وحسب معلوماتى المؤكدة أن مبنى الإذاعة والتليفزيون تحت وطأة عامل المحسوبية على مر عصوره، قد تراكمت وتفاقمت بداخله العمالة حتى أصبح الموظفون بداخله يقتربون من الخمسين ألف موظف «ما بين فنيين وموظفين وعمال وسعاة».. وبعد نجاح ثورة 25 يناير هاج موظفو ماسبيرو وماجوا فى مظاهرات واعتصامات وإضرابات من أجل الحصول على مكتسبات مادية.. ولبى المشرف من قبل المجلس العسكرى على وزارة الإعلام اللواء «طارق المهدى» طلباتهم.. ثم بعده جاء أكثر من وزير للإعلام، وكان كل منهم يأتى لتلاحقه فى أول أيامه اعتصامات أهل ماسبيرو الفئوية لرفع رواتبهم وحوافزهم أكثر.. وكان كل وزير فى سبيل إنهاء تلك الاعتصامات يرضخ لمطالب موظفى ماسبيرو.. حتى تضاعفت ميزانية الرواتب داخل وزارة الإعلام.. فقد كانت، كما أنا متأكد، ميزانية الرواتب والحوافز والمكافآت فى أواخر عهد أنس الفقى نحو مائة مليون جنيه شهرياً، تضاعفت حتى أصبحت الآن تزيد على المئتين وثمانين مليون جنيه شهرياً.. وبحسبة بسيطة فإن وزارة الإعلام مطالبة باقتراض نصف مليار جنيه من البنوك لكى تغطى فقط الفارق بين ما تحصل عليه من وزارة المالية «الثلاثة مليارات» وما تتكلفه من ميزانية رواتب ومكافآت وحوافز «أصبحت حقوقاً مكتسبة لموظفى ماسبيرو»، التى تبلغ نحو 3٫5 مليار جنيه سنوياً.. أما رسالة الوزارة التثقيفية والإعلامية ومؤسساتها الإنتاجية فلا ميزانية متبقية لها.. ولك أن تتصور عزيزى القارئ أن مساعد مخرج كان كل راتبه بحوافزه بمكافآته قبل الثورة لا يتخطى حاجز الألفى جنيه أصبح الآن بفعل الاعتصامات الفئوية وكرم اللواء طارق المهدى الحاتمى يتخطى العشرة آلاف.. بل وبعض عمال الأسانسير تتخطى رواتبهم حاجز الأربعة آلاف جنيه.. فمن أين إذن تدور عجلة الإنتاج فى مؤسسات وقطاعات وشركات وزارة الإعلام وموظفوها تلتهم رواتبهم مائة وثلاثين فى المائة من ميزانية الحكومة المرصودة لوزارة الإعلام.. علماً بأن وزارة الإعلام بكل قطاعاتها ومؤسساتها وشركاتها لا تحتمل أكثر من ثلاثة آلاف موظف وفنى أكفاء.. هم بالتأكيد قادرون على تشغيلها التشغيل المهنى والاقتصادى الأمثل، وليس قرابة خمسين ألفاً تضج بهم أروقة ماسبيرو، وتسعة أعشارهم عمالة زائدة.. لذلك أشفق للغاية على وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود وعلى أى وزير إعلام يأتى من بعده.. وبالتأكيد بالنسبة لهذه المعضلة «غير أقساط ديون البنوك والديون المتراكمة على قطاعات وزارة الإعلام» لن تجدى أى حلول تقليدية.. إن الحل بالتأكيد يحتاج لابتكار يتم من خلال تفعيله الاستفادة من كل هذه العمالة الزائدة والمكلفة، وتسيير عجلة الإنتاج فى قطاعات الوزارة التى أراها شبه متوقفة.. وهذا الابتكار لا بد أن يكون غير تقليدى.. لأن الأزمة متفاقمة وكل لحظة تتفاقم أكثر.. لذلك أدعو وزير الإعلام صلاح عبدالمقصود لاجتماعات مكثفة مع الرموز والخبراء الإعلاميين لبحث هذه المعضلة.. فقد يتفتق ذهن أحدهم عن ابتكار غير تقليدى ينقذ وزارة الإعلام من عثرتها المادية التى ستؤدى بالطبع إلى عثرة مهنية وإعلامية.. وانحسار مدوٍّ لدور الإعلام المصرى الرائد. والله من وراء القصد