بعد عامين على تنحى حسنى مبارك، الرئيس السابق، مجبراً بضغوط ثورية وعسكرية وأمريكية، وبعد عامين على السقوط المروّع لدولة البوليس، استعادت الشرطة المصرية المتأخونة، عافيتها، وتجاوزت فترة النقاهة، وتسلمت راية الحكم المشترك فى الجمهورية الثانية التى تحمل اسم «جمهورية مصر الإخوانية البوليسية المركزية الشرعية الفوضية»، مكررة أمجاد جماهيرية العقيد الليبى القتيل، وطائفية السودان الشقيق، التى انتهت بالانقسام الكبير. فى بداية حكم العقيد محمد مرسى، كان اللواء خيرت الشاطر يعتقد أن الضمانة الأساسية لاستمرار حكم التنظيم الإخوانى العنكبوتى، هى القدرة على تحريك الميليشيات المسلحة فى مواجهة الشارع الثورى، وبمرور الوقت ثبت بالدليل القاطع أن الحل الميليشاتى سيؤدى إلى حرب أهلية دموية، تجعل حكم العقيد مرسى أشبه بحكم الصومالى حسن شيخ محمود، الذى صعدت به أمريكا من زعيم لحركة إسلامية متشددة إلى رئيس دولة يحظى بالرضا، ويحارب المتشددين الذين كان واحداً منهم، فكانت النتيجة حرباً أهلية مستمرة زادت الصومال فقراً على فقر. ولم يجد العقيد خيرت الشاطر مفراً من اتخاذ قرار مؤقت بتجميد الأذرع المسلحة لتنظيم الإخوان «جهاديون وسلفيون وحازمون»، والعودة إلى التقاليد الأصيلة للديكتاتوريات الأصيلة، وهى «الشرطة» بوصفها الذراع القانونية الجديدة لتنظيم الإخوان، بعد أن استفادت قوات «الداخلية» من الهزيمة فى «نكسة 28 يناير»، وأعادت الشرطة تنظيم عتادها تدريجياً مستفيدة من خبرات تنظيم الإخوان التاريخية فى ألعاب الكر والفر والضرب والبيضة والحجر والاغتيال طبعاً. وهكذا، تسلمت وزارة الداخلية، مقعدها الأثير، حامية للسلطة، سواء أكان الرئيس هو مبارك أو العقيد مرسى أو اللواء خيرت الشاطر. واختفت فجأة ميليشيات التنظيم الإخوانى ذات الأقنعة المتعددة، ووقفت الشرطة فى الصفوف الأولى، بصلابة تحسد عليها، تصد هجوماً على مديرية هنا، وتمنع اقتحاماً هناك، وتقمع مظاهرة هنا، وتسحل مظاهرة هناك، وتصوب وتقتل وتصنع بحيرات دم متفرقة بقناصتها التاريخيين الذين يرتدى بعضهم ملابس مدنية. الشرطة هى المشهد الرئيسى الحاكم، فيما العقيد مرسى مشغول بالسفريات وابتكار نظريات جديدة فى لغة «الفرانكو آراب»، وفيما اللواء خيرت الشاطر يدير اللعبة من مكاتبه، وفيما رجال التنظيم صامتون يتغلغلون فى أوصال الدولة، تساعدهم فى ذلك صحف قومية دستورها يعتمد على ثقافة النهش والعض والإرهاب والنباح، ويساعدهم فى ذلك إعلاميون متحولون من طائفة «الحرباء»، وسياسيون متحولون مصنوعون من جلد الحرباء نفسها. والرهان الأساسى لدى الجميع على «ملل الزخم الثورى» الذى كان واضحاً فى الفترة الأخيرة. وفى خلفية المشهد المظلم، تقف أمريكا وإسرائيل، تحركان الخيوط: احتجاجات سُنية فى العراق لتطويق بشار الأسد وسد الخرم الذى تذهب منه الأسلحة إلى نظام دمشق.. زيارات متتالية لشخصيات عسكرية إلى مصر.. اغتيالات فى تونس.. توصيات بمصالحات مع رجال نظام مبارك.. تصريحات رسمية تدعم حكم العقيد مرسى.. تكليفات لقطر بضخ أموال «رهنية» لمساندة العقيد المصرى. وهكذا، يغضب الثوار ويتظاهرون حول قصر الاتحادية، بينما القرار هناك فى دهاليز «سى آى إيه»، ومغارات تل أبيب.