«الحقوووونا». يصرخ بها جميع أبناء المهنة فى وجه الجميع، ثم يكملون الصرخة برؤوس منكّسة: الصحافة بتموت!. يا إلهى، وكأن الجميع اكتشفوا خطر موت المهنة فجأة، ولم يستقبلوه زائراً ثقيلاً كل صباح على مكاتبهم وبين صفحات جرائدهم.. الصحافة بتموت!. وكأن الجميع أبرياء وضحايا، ولم يغرسوا نصال خناجرهم المسمومة فى قلب الخبر والتحقيق والمقال.. الصحافة بتموت!. وكأن الجميع يواجهون عدواناً ثلاثياً من الدولة والمعلن والقارئ هدفه «تركيع» صاحبة الجلالة، ولم يقوموا - كأبناء لهذه المهنة - بمنح هذا التحالف الثلاثى تفويضاً «على بياض» ليفعل بها ما يشاء وقتما يشاء بالطريقة التى يشاء.. الصحافة بتموت!. الجميع أصبح يتعامل مع الصحافة وكأنها ماتت إكلينيكياً، وكل ما فى الأمر أنهم ينتظرون إعلان الإجراءات الروتينية التالية: نزع أجهزة التنفس الصناعى عن الجسد المستسلم لمصيره البائس، ثم تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير، قبل تلقى العزاء فى السرادق الضخم بالشارع الذى يحمل اسم الفقيدة.. شارع الصحافة (سابقاً). الآن، يدعو الجميع لها بالرحمة والمغفرة، وأن يتجاوز المولى عن كمّ الخطايا التى ارتكبتها - بالتطبيل والتضليل والتهويل - فى حق الوطن والمواطن، قبل أن يبحثوا لهم عن مهنة أخرى يلاحقونها بنفس المصير، طالما استمروا على نفس المسير. أخى فى المهنة.. كان ممكناً الاستمرار فى الكتابة بهذا القدر من الكآبة حتى نهاية المقال. تعجبك الكلمات المستسلمة، وتعقب ب«مصمصة» الشفاه وجملة «والله عندك حق»، ثم تنتظر - معى - مصير «الموت القادم لا محالة». لا.. لن أكتفى بالكآبة فى الكتابة، فليس هذا وقت موت الصحافة.. ما زال فى عمرها بقية حياة. فقط، إذا منحناها طوْق نجاة، وبعضاً من أمل.. سوف تعيش. الاستسلام يا أخى فى المهنة «موت محقق»، والأمل «احتمال نجاة». أسمعك تقول: «أنت تتعامل مع الأزمة بالعواطف، بينما الحقائق مرعبة على الرصيف: توزيع منهار.. صحفيون «على ما تُفرج».. دولة تبطن العداء ولا تظهر المساعدة.. قارئ فقد شهية القراءة والثقة فيما يقرأ، إذا كانت لديه أصلاً القدرة على شراء الصحيفة. عندك حق، يجب ألا تدار الأمور بالعواطف، وتعالَ نبحث - معاً - عن «مخرج»، والبداية - من وجهة نظرى - فى أن يتحول السؤال من «متى يعلنون وفاة الصحافة المصرية؟»، إلى «كيف ننقذ الصحافة المصرية؟». ■ الإنقاذ.. فى أن تعود الصحافة إلى كونها «رسالة» بعد أن أحالتها مجموعات المرتزقة إلى «سبوبة فساد كبيرة»، وأن تعود «الموهبة» - وليس الموهبة فى النفاق - كمعيار أول وأخير عند الالتحاق بهذه المهنة المنكوبة بمعظم أبنائها. ■ الإنقاذ.. فى أن يعود الصحفى إلى كونه صحفياً، ممتلئاً بالطموح والحلم والقدرة على التحقق، وليس مجرد «رقم» على كارنيه نقابة.. أو «رقم» حساب فى بنك يجمع فيه حصيلة الفساد.. أو «رقم» فى قائمة تنتظر ترقية أو منصباً على «ترويسة» جريدته الميتة. ■ الإنقاذ.. فى أن يتخلى مجلس حرب «عبدالخالق ثروت» عن معاركه الوهمية، ويركز فى «معركة الوجود»: كيف يرتقى بمستوى أبناء المهنة ويصقل قدراتهم بالعلم والخبرات.. وكيف يغلق الأبواب المفتوحة على مصراعيها لانضمام كل «من هَبّ ودَبّ»؟. ■ الإنقاذ.. فى أن يكون القرار التحريرى الحاسم ل«المهنية» وليس ل«النفاق»، أياً كان هذا النفاق.. سواء لنظام أو لصاحب مال أو حتى لقارئ يريد أن يقرأ «على مزاجه».. ولا يقرأ الحقيقة. «المهنية» هى طوق النجاة والخروج بسلام من بين «مطرقة» النظام و«سندان» القراء. ■ الإنقاذ.. فى البحث عن «إبداع»، فالروتين أصبح يقتلنا يومياً بنفس الأفكار وطريقة الكتابة والعناوين. نخرج مع كل صباح على القارئ بنفس «الهرتلة» المعتادة دون ابتكار حتى فى هذه «الهرتلة»، ونطالبه بشرائنا.. إنها منتهى «الهرتلة». سنظل نصرخ: «الحقووونا.. الصحافة بتموت». أبداً، لن يسمعنا أو ينقذنا أحد.. سوانا، ف«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ». المهم أن نكف - الآن - عن «الصراخ» ونبدأ - الآن - فى تنفيذ عملية الإنقاذ، لأنها عملية مضنية وصعبة وطويلة الأمد. يا جماعتى الصحفية: لنتحرك من أجل «الحياة».. أو نعلن «الموت».