يجلس محدقا في شاشة صغيرة، يطالع نافذته للعالم الخارجي، تذهب روحه بمقطوعة موسيقية شهيرة، أو صورة وجدت مكانها في قلبه، وب"الإبهام والوسطى"، يعزف على حاسبه، ليصنع "مقطع فيديو" يتسق مع أغنية أحبها أو قصيدة مست وجدانه. "سامح صبري"، صاحب ال(35 عاما)، الذي اختار الإبداع ردا على مصاعب وعراقيل عديدة واجهها في حياته، وعبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، سرد سامح، "حكايته" ل"الوطن". "ضمور في مركز الحركة بالمخ"، هكذا بدأ حياته، "وأنا في السن ده جاتني سخونة جامدة دخلتني في غيبوبة كاملة، وكنت شبه ميت تقريبا، وأهلي اكتشفوا إعاقتي بعد ما عملنا الفحوصات الطبية اللازمة". سامح: بدأت حياتي بضمور في مركز الحركة ب"المخ" أما العجز عن المشي وعدم القدرة على الكلام بشكل سليم، ليسا آخر الآثار السلبية لإعاقة "سامح"، بل كانت أصابع يديه شاهدة على رحلة عنائه المبكرة، "مفيش غير صابعين الإبهام والوسطى، في إيدي اليمين بس اللي بيشتغلوا بشكل طبيعي، لكن كف إيدي مقفولة والضمور مقصر عليها بشكل كبير، أما إيدى الشمال مفتوح بس صوابعي لما بفتحهم بيكونوا بعيد عن بعض على شكل رقم 7". ويقول والده "صبري نجيب"، كلمات سامح الخافتة لم تمنعه من خوض المرحلة الابتدائية، ثم اجتياز "الإعدادية"، بنجاح، غير أن المرحلة الثانوية وضعت كلمة النهاية، الأساتذة والتلاميذ كانوا بيتعاملوا معاه بنظرة دونية وكإنه مش المفروض يكون موجود في المكان ده، ومكانش حد بيساعده في حاجة، وده سبب له تعب نفسي شديد. سامح: بدأت حياتي بضمور في مركز الحركة ب"المخ" "يعاني من شلل أطفال وتخلف عقلي، حيث إنه قادر على النطق بالكلمات العادية وغير قادر على الكتابة، ونحن غير مسؤولين عن نجاحه في الفترة السابقة"، ذلك كان تقرير "التأمين الصحي" عن حالة "سامح" خلال الكشف الدوري الذي خضع له مع السنة الأولى بالمرحلة الثانوية، والذي قسم ظهره حسب قول والده، "ابني قرر إنه ما يكملش تعليمه ويتوقف عند المرحلة ده بسبب التقرير ده، وكإنهم ساعتها كانوا بيتبراوا من نجاحه". ويقول سامح، إن كلمة السر التي قلبت حياته راسا على عقب، جهاز الكمبيوتر الذي اشتراه له والده، حيث كان يتبين كل كبيرة وصغيرة فيه ليتخذه سبيلا لإثبات ذاته، "التعامل معاه مكانش صعب غير في استخدام الماوس، لكن اكتشفت طريقة جديدة تخليني استخدم لوحة المفاتيح في كل حاجة، وهي أني حولت جزء الآلة الحاسبة اللي على اليمين لماوس، عشان أتجنب استخدامه". يتواصل سامح، مع أصدقائه والمقربين منه، عن طريق جهاز أتى له خصيصا من أمريكا عن طريق أحد أقاربه، يضع خلاله ما أراد من كلمات لينطق بها ذلك الجهاز بديلا عن لسانه. الشاب الحالم قرر أن يخلق لنفسه عالما يعبر خلاله عن أفكاره ويخرج فيه طاقاته، ويكون وسيلته للتعبير عن مواهبه، استغل ولعه بمشاهدة الإعلانات التليفزيونية صغيرا، وقرر أن يحذو حذو صناعها، "زمان كنت باتجنن عشان أعرف الإعلانات دي بتتعمل أزاي وكواليسها بتبقا إيه، لحد ما أتقنت الكمبيوتر، وقررت إني أعمل مونتاج لكل الفيديوهات أو مقاطع الصوت اللي أحبها". "سامح صبري"، اسم تحمله قناة مرئية على موقع الفيديوهات الشهير "يوتيوب"، تحوي 43 مقطعا مرئيا أعدهم الشاب المعاق، تنوعت ما بين القصائد والأغاني الاجتماعية، والترانيم المسيحية التي عبرت عن تدينه، "أمنيتي إن حد يكتشفني ويخليني أتعلم فن المونتاج بشكل محترف، وماحدش يستكتر عليا حلم إني أكون مونتير". "انا جوايا بركان"، تلك هي الكلمات التي اختار بها سامح، صاحب ال(35 عاما)، ليعبر عن غضبه الشديد إزاء نظرة المجتمع السلبية لامثاله، وتجاهل الدولة ل"معاش" يعين من في ظروفه على حياتهم، "أنا واللي زي عندنا طاقات كبيرة غير مستثمرة في مصر، ومحتاجين نظرة فعلية من المسؤولين في الدولة مش مجرد كلام وبس، وعاوز أقولهم كمان إنهم زعلوني من مصر أوي لدرجة إني عايز أسيبها".