نجد أنفسنا مضطرين لنعت مصر ب«التائهة»، وفقاً لهذا السيناريو، الذى يفترض أن أمور الدولة آلت بالفعل لهذا الحال، الذى لا نحبه ولا نرضاه لوطن قام بثورة عظيمة، ما زالت تبهر ضمير العالم، وهذا السيناريو بالطبع يفترض تعطل مشروع الدولة المتطرفة، وكذا مشروع الدولة الديمقراطية. مكونات السلطة فى هذا السيناريو السلطة وفقاً لهذا السيناريو قوامها الرئيسى هو جماعة الإخوان وبعض السلفيين (كحزب النور بعد انشقاقاته)، وحلفاؤهم من القوى الهامشية، كأحزاب الوسط والحضارة وغد الثورة، مع بعض عناصر النظام السابق، والتيار المسيطر فيها هو جماعة الإخوان، التى تعمل بمدركات التنظيم السرى، وليس بمتطلبات العمل السياسى وإدارة الدولة، مع إدارة حوار على البعد مع القوى المعارضة، هو أقرب إلى حملات العلاقات العامة منه إلى إدارة عملية تفاوض جادة بهدف إخراج البلاد من مأزقها الراهن. مسارات الحركة المرتبكة داخلياً الارتباك هو سيد الموقف فى مسارات تلك السلطة التى يشوب أداءها ضبابية الرؤية والعشوائية فى اتخاذ القرارات، وغياب قواعد الإدارة السياسية الحصيفة، سواء فى المسار التنفيذى أو التشريعى أو القضائى واستمرار صراعه مع السلطة الحاكمة، فالحوار بين السلطة والقوى السياسية يراوح مكانه دون أى نتيجة يمكن البناء عليها، والأجواء مكايدة سياسية دائمة من كل الأطراف، والقوى الاقتصادية تتململ بفعل غياب بيئة تشجعها على العمل والربح، وقوى المجتمع المدنى والنقابات تخرج فى هبات متقطعة لا تصنع مساراً مؤثراً. فكل القوى تبقى فى صراعها مع الحكم دون حسم المعركة لطرف على حساب آخر، فى ظل تركيبة برلمان غير حاسمة، ومؤسسة قضائية منخرطة فى الصراع مع السلطة، وإعلام خارج سيطرة السلطة يسهم فى تأجيج الارتباك ولو بشكل ثانوى، وقوى المعارضة لا تدرك حجم قدراتها وقدرات الطرف الآخر، وهى تعرف ما لا تريده، دون أن تطرح بالضرورة ما ترى أنها تريده للوطن. الأداء الاقتصادى فى هذا السيناريو يراوح مكانه، فى ظل تمزق النظام بين التزاماته تجاه المؤسسات المالية الدولية، والتزاماته تجاه الشرائح الأكبر من المواطنين واحتياجاتها الاجتماعية، فضلاً عن عدم وضوح إطار متماسك للسياسات الاقتصادية، يعبر عن خطة أو منهج يمكن تقييمه، أو التعرف على تحيزاته. وفى ظل تأرجح وتردد فى القرارات بين الإصدار والتراجع عنها، يحدث فقدان كامل للمصداقية، وأجواء من اليأس والإحباط العام. أمن سيناء فى ظل الملاحق الأمنية لكامب ديفيد، وضعف الوجود العسكرى المصرى، يمثل تهديداً حقيقياً للأمن القومى المصرى، فقد يغرى المجموعات الجهادية على التحرش بإسرائيل، وقد تحدث مناوشات محدودة ومستمرة، وقد تصل الأمور لاختراق إسرائيلى للأراضى المصرية، بدعوى مطاردة القوى الجهادية. هذه الدولة المرتبكة، أداؤها الداخلى ينعكس بالطبع على مسارات الحركة إقليمياً وعربياً ودولياً. مسارات الحركة المرتبكة دولياً وإقليمياً على مستوى العلاقات الإقليمية يبقى مستوى العلاقة مع إسرائيل فى حدوده الدنيا دون أى تطوير، سواء فى اتجاه تحسن أو سوء العلاقات، وكذلك ستبقى العلاقات مع إيران بنفس المستوى الحالى دون تقدم. أما الدول الخليجية، وتحديداً السعودية، فستسعى لابتزاز الدولة المصرية المرتبكة تحت وطأة الضعف، بفعل تراجع قدراتها وما تواجهه من صعوبات اقتصادية حادة، ومن ثم فى ظل رخاوة الدولة ستخضع للابتزاز السعودى، وقد تجد نفسها مضطرة للقيام بأدوار تنتقص من إمكاناتها كدولة مركزية كبيرة فى المنطقة، بما يقودها إلى التبعية للقرار السعودى. وفى ظل هذه الظروف ستظل الدولة ذاهلة عن القيام بأى تحرك فى ملف مياه النيل والعمق الأفريقى. وستتعاظم فى ظل هذه الأوضاع الهيمنة الأمريكية على القرار المصرى، ما ينتج شكلاً من الشعور بعار الإهانة الوطنية، والتردى البالغ لملامح الدولة، واستمرار هذا الارتباك على هذا النحو يمهد الطريق أيضاً -ربما- لخروج مجموعات شبابية غير منظمة فى كيانات سياسية للشارع من جديد، وقد ينضم لها الشعب بفعل الإحباط من أداء السلطة، واستمرار الأزمة الاقتصادية الخانقة للفقراء ومحدودى الدخل، خاصة مع تآكل القدرة على إنتاج الخبز والاحتياجات الأساسية، قد يسرع من «يوم الخبز»، أى اليوم الذى يخرج فيه الناس فلا يجدون خبزاً فى المخابز، ولا وقوداً، ما يشل الحياة فى البلاد. ومن ثم نجد أنفسنا -من جديد- أمام الجيش الذى يمسك بمقاليد الأمور فى البلاد، وبتعاون كامل مع أجهزة الدولة السفلية (المخابرات العامة والحربية والأمن الوطنى ووزارة الداخلية)، وسط ترحيب شعبى هائل هذه المرة، وغالباً سيكون هذا العمل مصحوباً بحملة اعتقالات لقيادات الإخوان المسلمين والجماعات السلفية، التى أربكت المشهد السياسى فى البلاد، وأدت لحالة من التخبط والخطر على كيان الدولة المصرية ذاته، وقد تستعين هذه السلطة الجديدة بقيادات المؤسسة القضائية والكوادر التكنوقراطية لإدارة الدولة، بعيداً عن الظهور المباشر للمؤسسة العسكرية، حتى لا تتكرر تجربة المجلس العسكرى الفاشل بقيادة طنطاوى وعنان. الأخبار المتعلقة: ديفيد شينكر: اقتصاد مصر لن يتحسن بقرارات الإخوان المواطن شريف خيرى: الإخوان كانوا فى السجون أيام الحرب لذلك لا يُقدِّرون قيمة الأرض.. وأولاد أبوإسماعيل «بلطجية»