أحب الحلول الشعبية، وأعنى بها تلك الحلول التى يكون الشعب بطلها الأوحد، وهى عادة ما تكون شديدة البساطة وبالغة الأثر فى نفس الوقت.. الحلول الشعبية -كالثورات- تحقق المعجزات، ولا تخضع للمقاييس الطبيعية كحدود الزمان والمكان والبعد الثالث الذى لا يقل خطورة عن الطرف الثالث، ويسمى بالإمكانيات. بالحلول الشعبية قضى الصينيون على الطيور التى دأبت على التهام محاصيلهم؛ خرج الجميع يصفقون ويصفرون ويقرعون الطبول وأغطية الأوانى المعدنية والصناديق الخشبية وكل ما توفر لهم من وسائل إحداث الضجيج، فى ساعات محدودة انتهت المشكلة! بالحلول الشعبية اختار الهولنديون التنقل بالدراجات لمواجهة تزايد الأعداد فى مدن قديمة ذات طرقات ضيقة، وحفاظاً على البيئة التى يدركون أهميتها لهم ولأبنائهم.. يفعلون ذلك دون تمييز بين غنى وفقير.. كبير وصغير.. عاطل ووزير.. أما اليابانيون فقد بادروا بالعمل لساعات إضافية لمواجهة الأزمات الاقتصادية.. فعلوا ذلك دون مقابل فى أماكن العمل وفى المنازل. فى مصر ابتكر الشعب ما سموه بمائدة الرحمن لتوفير وجبة ساخنة لمن شاء، دون قيد أو شرط فى شهر الرحمة والإحسان. كتبت كثيراً عن قدرة الشعب -عند توحد إرادته- على أن يقضى تماماً على الرشوة بكافة أشكالها، كما أكدت مراراً أننا قادرون على حل مشكلات المحتاج الحقيقى والقضاء على التسول فى أسبوع واحد لو قررنا جميعاً التوقف تماماً عن الصدقات العشوائية التى تمارس على الطريق العام، واستبدلنا بها حلولاً عادلة وعاجلة وواقعية. حل شعبى آخر اختمر فى عقلى، وبث الأمل فى قلبى.. حل يفتح الطريق لتحقيق مستقبل أفضل من خلال بناء الإنسان.. فكرة بسيطة للغاية تحول الكثيرين إلى معلمين لمدة ساعتين.. ساعتان فى أول اليوم أو منتصفه أو آخره يختارهما المتطوع بنفسه ليقضيهما فى أقرب مدرسة لمنزله أو موقع عمله.. المتطوعون من الأطباء والمهندسين والقانونيين والاقتصاديين والإداريين والفنانين والعلماء والإعلاميين والرياضيين والزراعيين وخبراء الصناعة والتجارة والجغرافيا والتاريخ وكافة العلوم الإنسانية، ليحفزوا عقول الصغار ويوسعوا مداركهم فى منهج يطلق عليه «العقول الحرة».. الطبيب ينشر الوعى الصحى ويؤكد مخاطر التدخين والمخدرات.. المهندس يوضح أهمية العقل الهندسى الذى يجيد ترتيب الأشياء وتحديد العلاقات بينها بدقة.. عالم الفيزياء يبسط لهم العلوم وأصول النظريات التى تصل إليهم ألغازاً مبهمة.. قد تتطوع ربة منزل أو طباخ محترف لتعليم الصغار فنون الطهى.. مع محبى اللغة يصبح النحو أيسر ويتحول إلى لعبة مسلية. يستفيد الأطفال كثيراً عندما يستمعون إلى حكاية الفنان أو الرياضى، ويكتشفون أن معظم قصص النجاح تمر بالكثير من المعاناة والتعثر. رجل القانون يرسى علاقة التلميذ بدولة القانون. بقى أن يتطوع أولياء الأمور لمراقبة هذه العملية التى تحبب التلاميذ فى المدرسة وفى العلم بوجه عام دون الوقوع فى أى استغلال سياسى أو أيديولوجى لمن نريد أن نحافظ على نقائهم حتى يشتد عودهم وتنضج عقولهم ويدخلوا مرحلة الشباب مؤهلين تماماً لتحديد اختياراتهم الوطنية بمنتهى الحرية. البداية تكون بتقليل المناهج وفتح باب التسجيل للمتطوعين للبدء التجريبى لمدة شهرين بعد إجازة نصف العام الدراسى مباشرة. أملى أن يأتى اليوم الذى ينافس فيه الطفل المصرى الطفل الأوروبى فى عدد الكتب التى يقرأها سنويًّا من خارج المنهج المدرسى.