زحام في لجان مدرسة جمال عبد الناصر الابتدائية المشتركة ببولاق الدكرور، ومصوتون ب"نعم" متحفزون لأي شخص يقول لا، ليبدأوا الشجار معه، الكل آثر السلامة، واحتفظ برأيه لنفسه، وبين هذا وذاك وقف عدد كبير من المصوتين تائهين بين الدفاتر والكشوف، يبحثون عن لجانهم وأرقامهم دون جدوى. محمود إبراهيم سليمان، واحد من هؤلاء، جلس لا يعلم إلى أي اللجان يتوجه، الكشوف كثيرة، ولا تحمل اسمه، وهو مصاب بكسور في يديه وقدميه جعلت حركته صعبة، "كل مرة بجيب اسمي من الكشوف بس المرة دي مش لاقيه، لكن معلش، هاستنى، لو بموت هافضل آجي وانتخب، دا واجب ماينفعش أفوته". الرجل ذو ال 83 عاما، تعجب من صعوبة عملية التصويت هذه المرة، حيث كان يتوقع أن تكون الأمور أسهل وأسرع كما كانت في المرات السابقة، "جيت هنا مرتين قبل كدا، وكانت الدنيا سهلة، لكن المرة دي مش لاقي اسمي ومش عارف أعمل إيه، وتعبان أوي نفسي أخلص وأروح". عدم وجود اسم الرجل في الكشوف لم يدفعه لليأس، حيث انطلقت بناته للبحث عن وسيلة لإيجاد لجنته، فيما جلس هو بانتظار الفرج، كلما سأله أحد عن رأيه في الاستفتاء قال: "ربنا يسهل، لسة مقررتش، لما ألاقي اسمي في الكشوف هابقى أقرر". إجابة الرجل الغريبة جعلت من حوله يدركون أنه لا يود التصريح برأيه، "دا واجب لازم الواحد يقضيه، لكنه في الوقت نفسه سر، ماينفعش أقول لحد هاقول إيه، محتفظ برأيي لنفسي، مش لازم أقول كل حاجة، أنا موظف قديم، وفاهم اللي فيها"، قالها الرجل بنبرة ذات مغزى، ثم قال: "أهو كله خير في النهاية، مصر دي بتاعتنا، كدا بتاعتنا وكدا بتاعتنا". الرجل الذي عمل لسنوات طويلة موظفا في وزارة الصحة تعود على فكرة التصويت، ولم يفوت انتخابات في حياته إلا وشارك بها، كما كان من القلائل الذين امتلكوا بطاقات تصويت صالحة في النظام السابق، يقول: "كل الانتخابات من يوم ربنا ما خلقها بروحها، لكن دي أول مرة أصوت على دستور جديد، أكذب لو أقول قريته، لكن حاولت أفهم من التليفزيون إيه اللي بيحصل، لو قولت فاهم أبقى كداب، الدستور عمالين يزودوا عليه حاجات وينقصوا منه حاجات، حاجة تتوه".