تغيّرت وظيفة الإعلام العراقي بالكامل، بعد التاسع من يونيو 2014، مع سيطرة مسلحين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، على مدينة الموصل، وأجزاء كبيرة من محافظات سنيّة شمال وغرب العراق. وانقسمت الفعاليات الصحافية المحلية، بشأن التدهور الأمني المتسارع في البلاد، بين قنوات وصحف تبنت جهود مكافحة داعش، وبين وسائل أخرى تصف المسلحين السنة ب"الثوار" ضد الحكومة العراقية في بغداد بشكل كشف رضوخ الإلام العراقي للمشاعر الطائفية التي تتحكم بالشارع. ومنذ انهيار التواجد الأمني الرسمي في مناطق متفرقة من البلاد، ازدادت حاجة الجمهور العراقي لمعرفة حقيقة ما يجري، لكن وسائل إعلام عراقية فشلت في تحقيق تغطية حقيقية للأحداث. وبدلاً من ذلك جرى تعويض هذا النقص بعرض مواد إعلامية مخصصة للتعبئة شملت الأغاني الحماسية وعرض مقاطع من الأرشيف لمعارك قديمة للقوات العراقية. وفي مثل هذه الأجواء بات من الطبيعي أن يشاهد العراقيون برامج إخبارية، على مدى ساعة كاملة تتضمن عرض الكثير من "أغاني المعركة"، فيما يتلقى مقدم البرنامج اتصالات هاتفية من "عراقيين تطوعوا لقتال داعش" في العراق. في المقابل، فإن التغطية "الموالية للحكومة"، دفعت الكثيرين إلى متابعة قنوات إعلامية أخرى بحثاً عن المعلومات لكن من قال إنهم سيجدون ضالتهم. أكثر من عشر قنوات عراقية وضعت فتوى "الدفاع الكفائي" التي أصدرها المرجع الشيعي علي السيستاني كقاعدة أساسية لصناعة التقارير الصحافية، بل إن الفتوى كانت "عنصر ارتكاز" في المادة الخبرية. صحافيون عراقيون في مناطق الوسط والجنوب قدموا طلبات للتطوع في المعارك ضد داعش، بينما كان البعض يظهر على الشاشة وهو يقدِّم نشرة الأخبارمرتدياً الزي العسكري. في المقابل نشطت صحف ووكالات أنباء ومحطات تلفزيونية، بعد سقوط الموصل، لتصدير وجهة النظر التي تقول بأن المسلحين ثوار ضد "الحكومة"، وإن الموصل "جرى تحريرها، ولم تسقط". وإلى حدٍ ما تفوَّق هذا الفريق في بث مقاطع فيديو عن المناطق الساخنة ظهرت فيها اليات ومركبات الجيش العراقي تحت سيطرة مراهقين مسلحين، كان محررو الأخبار يصفونهم ب"أبناء الثورة العراقية"، كما ظهر عبر أثيرها شخصيات غير معروفة تحت عنوان قادة وزعماء فصائل سنية انخرطت في تلك الثورة. وقال أمير خضر، المتحدث باسم وزارة الاتصالات العراقية إن "80 في المائة من المعركة الحالية التي يخوضها العراق تعتمد على الجانب الإعلامي". وأضاف "إجراءات حجب مواقع التواصل الاجتماعي ضرورية ومهمة للحد من تأثيراتها السلبية على الأمن القومي لا سيما وإن الكثير من دول العالم تقوم بحجب تلك الخدمات بمجرد حدوث المظاهرات والكوارث الطبيعية وغيرها". لكن في الحقيقة، وبحسب عشرات المستخدمين في بغداد، توقفت مواقع "فيس بوك"، و"تويتر"، "يوتيوب"، على مدار الساعة فيما توقفت خدمة الانترنيت عن بعض مناطق بغداد، وفي العموم فإنها ضعيفة للغاية في بعضها الآخر. ويعتمد عدد كبير من الصحافيين العراقيين على تلك المواقع لتغريد الأخبار العاجلة والمعلومات التي ينقلها ناشطون من المناطق المضطربة أمنياً، فيما يتداول مناهضون للحكومة مقاطع فيديو لخسائر الجيش العراقي، وكذلك يفعل مؤيدون للجيش حين ينشرون مقاطع مماثلة لعمليات عسكرية ضد ما يعتبرونه "داعش". وتوظف داعش المواقع الاجتماعية على الأنترنت للترويج لأفكارها ونشر تطورات عملياتها العسكرية، فضلاً عن تجنيد كوادر جدد للانضمام لصفوفها ونجحت في استقطاب مقاتلين حتى من الغرب انضموا للقتال إلى جانبها في سورياوالعراق. ويشكو صحافيون مستقلون من أن القوات العراقية لا تسمح لهم بمرافقتها أو أنها لا تستطيع تقديم ضمانات بشأن حمايتهم، لكن محطات أجنبية كانت تبث آفلاماً من مراسليها في العراق، حيث يتجولون مع وحدات عسكرية كردية تابعة للبيشمركه في ديالى وكركوك كما في محطة "بي بي سي" و"سي أن أن".