"ليس حقيقيا أن الناس تتوقف عن السعي وراء أحلامها لأنها شاخت في السن، بل هي شاخت في السن لأنها توقفت عن السعي وراء أحلامها".. بتلك الكلمات البسيطة المليئة بالياس والأمل، في الوقت ذاته، نعي الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الراحل منذ ساعات باسم صبري، الروائي الكولومبي الشهير منذ أيام جابرييل جارسيا ماركيز، وكأنه ينعي نفسه، ويضع تتر النهاية لسنوات عمره المعدودة، حينما يلحق به في نفس الشهر الذي صعدت فيه روح الأديب العالمي إلي السماء، ليسدل الستار عن أحلامه التي كانت تناطح السماء ولا تعرف المستحيل، ولكن يبقي صبره وحلمه الذي لم يفقد الأمل لحظة واحدة في التغيير والوصول بمصر، إلي مصاف الدول العظمي التي تسودها قيم الحرية والديمقراطية . كان حلم باسم صبري بالتغيير وبناء مدينة ال"ايلوثيريا" في مصر، هو أحلى ما في حياته، وشعاع النور الذي يستمد به الأمل والتفاؤل والطاقة الهائلة التي تدفعه نحو مواصلة الحياة، وكما كتب دوما أن الحياة دون حلم كالهيكل العظمي الذي ليس له ملامح، والحلم غير المبني على الواقع والواقعية، سيصير كابوسًا يسقط بصاحبه من أعلى عليين إلي أسفل سافلين، وأن الحلم الذي لا يتحدى الواقع ولو قليلا قد يكون حلمًا غير كاف . هكذا رحل صبري اليوم دون مقدمات عن عمر يناهز ال 31 ربيعا في حادث مأساوي، بعد عطاء كبير عن عمر صغير، ومساهمات أكثر في مجال حقوق الانسان، والجمعيات الخيرية، والمشاركة في العديد من المبادرات التنموية الفاعلة، وتفرغه لفترة طويله للعمل، ناشطا بحزب الدستور الليبرالي بقيادة رئيسه الشرفي الدكتور محمد البرادعي. باسم صبري، من عائلة مصرية عريقة، فهو نجل الكاتب والمنتج السينمائى فاروق صبرى، صاحب شركة الأخوة المتحدين للسينما، وشقيق المنتج السينمائى وليد صبرى، وقد شارك بالعديد من المقالات في الصحف والمجلات المصرية والعالمية وحضر عدد من المؤتمرات التي تدعم ثورات الربيع العربي . "إذا كان الجميع قد فقدوا عقلهم، فكيف يعرف المرء انه هو كذلك لم يفقده".. كانت تلك أخر تدويناته أول أمس، علي موقع التواصل الإجتماعي "تويتر"، ليمنح الجميع بعد رحيله طاقة من الأمل في الوصول إلي ما يريدونه بالإصرار وتحدي الظروف حتي لا يفقد عقله مثل غيره من ملايين البشر الذين رضوا بسياسة الأمر الواقع، وتنازلوا عن مبادئهم، وعاشوا بمبدأ "اللي نعرفه أحسن م اللي ما نعرفوش"، للخلاص في مواجهة الديكتاتورية والاستبداد ورموز الفساد والقمع . وقد نشرت صحيفة الجارديان البريطانية اليوم الأربعاء، تقريرا لمراسها في القاهرة باتريك كنجسلي عن حادث وفاة الكاتب الصحفي والناشط السياسي باسم صبري، ووصفته بأنه واحد من أصوات ثورة 25 يناير . كثيرا ما طرح خلاصة أفكاره في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعه في الداخل والخارج، وعبر مدونته "مواطن عربي" من أجل تمهيد الطريق إلى الحفاظ على ما تبقى من 25 يناير والروح الأساسية المدنية والرافضة للإستبداد التي خرجت في 30 يونيو، مطالبً ألا نكرر ما أسقط من سبقوا، الأمان والدفاع عن الأمن بشراسة وحسم وحزم يمكن أن يقترنان بدولة الحريات والحقوق والديمقراطية والشفافية، وأقوى دول العالم وأكثرهها إستقرارًا هي التي صنعت تلك المعادلة المنطقية في التغيير . كان باسم من أبرز الأصوات المصرية التي تنادي بالتعايش مع الأخر وتفعيل ثقافة الإختلاف بين أبناء الوطن الواحد، فكتب إحدي التدوينات عبر صفحته الشخصية علي موقع التواصل الإجتماعي"فيس بوك"، قائلا: "دول مش مصريين. دول مش شبهنا، شايف بيلبسوا إيه؟ شايف بيتكلموا إزاي؟ شايف قنواتهم؟ شايف ستاتهم؟ دول طلعولنا منين؟ إمتى بقى الناس دي تتلم أو تختفي من البلد ونستريح بقى، وتكون مصر زي ما إحنا نفسنا نشوفها؟ كان يكره كل محاولات تصنيف البشر إلى أيديولوجيات أو مجموعات محددة ومعلبة مسبقًا، فذاك ليبرالي وذاك يساري وذاك إخواني وذاك أناركو-سينديكالي، وكأنه لا يوجد من يمكنه أن يؤمن بخليط من تلك الأفكار، أو من يمكنه أن يبتكر فكرة جديدة، كما أكد في مقالته الشهيرة في جريدة المصري اليوم "إيلوثيريا"، في ذكري ميلاده الثلاثين، وهي كلمة إغريقية تعني "حرية" مقتبسة من أشهر مسرحيات الكاتب الأيرلندي الشهير صموئيل بيكيت، مع إدراكه الشديد أن بعض البشر ليسوا مولعين بالضرورة، في بادئ الأمر، بالأفكار الجديدة أيًّا كانت. كما ذكر صبري في مقالته البديعة التي لخص من خلال سطورها القليلة، أبرز محطات حياته وأقصي طموحاته التي عاش من أجلها ومات اليوم قبل استكمالها، أننا كلنا تقريبًا، على اختلافنا، قد أدركنا القاعدة الذهبية للإنسانية: أن تفعل لغيرك ما تريده لذاتك، أيًّا كان، وألا تفعل في غيرك ما لا تريده لذاتك، أيًّا كان، وأن ما تفعله سوف يُرد إليك أضعافًا مضاعفة، المر والحلو منه .