جامعة حلوان تنظم حفل استقبال الطلاب الوافدين الجدد.. وتكريم المتفوقين والخريجين    أكاديمية الشرطة تستقبل عدد من طلبة وطالبات المرحلة الثانوية    سعر الخضروات مساء اليوم الجمعة الموافق 28 نوفمبر 2025    أهالي بلدة بيت جن السورية يتخوفون من اجتياح إسرائيلي جديد    بالفيديو..اللحظات الاولى للتوغل الإسرائيلي بريف دمشق    تلبية لدعوة الشرع.. مئات آلاف السوريين في الساحات لرفض التقسيم ودعم الوحدة    نتيجة تاريخية.. المصري يعود من زامبيا بالفوز على زيسكو    ضبط متهم استولى على أموال المواطنين بطرق احتيالية في المنيا    إصابة 4 أشخاص في تصادم سيارة ملاكي وتوكتوك بكفر الدوار    مصرع راعية أغنام غرقا أثناء محاولتها إنقاذ ابنتها في البحيرة    تامر محسن: رغم اختلافي مع يوسف شاهين إلا أنه أعظم من حرّك ممثل    جامعة حلوان تشهد حملة مكثفة للتبرع بالدم استمرت أسبوعًا كاملاً    الصحة: فحص أكثر من 20 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    انعقاد 8 لجان وزارية وعليا بين مصر والجزائر والأردن ولبنان وتونس وسويسرا والعراق وأذربيجان والمجر    ما حكم إخراج الزكاة بناء على التقويم الميلادى وبيان كيفية ذلك؟ دار الإفتاء تجيب    بعثة بيراميدز تساند المصري أمام زيسكو يونايتد    يورجن كلوب المنقذ .. ماذا حقق الساحر الألماني مع ليفربول ؟    السيطرة على حريق باستديو مصر بالمريوطية    خلال لقاء ودي بالنمسا.. البابا تواضروس يدعو رئيس أساقفة فيينا للكنيسة الكاثوليكية لزيارة مصر    بمشاركة 23 فنانًا مصريا.. افتتاح معرض "لوحة في كل بيت" بأتيليه جدة الأحد    طقس غد.. مفاجأة بدرجات الحرارة ومناطق تصل صفر وشبورة خطيرة والصغرى بالقاهرة 16    ضبط 3618 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    ارتفاع سعر الجمبري واستقرار لباقي أنواع الأسماك في أسواق دمياط    الاتصالات: إطلاق برنامج ITIDA-DXC Dandelion لتدريب ذوى الاضطرابات العصبية للعمل بقطاع تكنولوجيا المعلومات    تجهيزات خاصة وأجواء فاخرة لحفل زفاف الفنانة أروى جودة    وزير الخارجية يلتقى رئيسة مؤسسة «آنا ليند» للحوار بين الثقافات    كامل الوزير يتفق مع شركات بريطانية على إنشاء عدة مصانع جديدة وضخ استثمارات بمصر    المصري يتحرك نحو ملعب مواجهة زيسكو الزامبي في الكونفدرالية    حريق ديكور تصوير مسلسل باستوديو مصر في المريوطية    لتغيبهما عن العمل.. إحالة طبيبين للشؤون القانونية بقنا    عاطف الشيتاني: مبادرة فحص المقبلين على الزواج ضرورة لحماية الأجيال القادمة    محافظ سوهاج: إزالة 7255 حالة تعدى على أملاك الدولة والأراضي الزراعية    مفوّضة الاتحاد الأوروبى من رفح: يجب ممارسة أقصى ضغط لإدخال المساعدات لغزة    في الجمعة المباركة.. تعرف على الأدعية المستحبة وساعات الاستجابة    محافظة الجيزة تعلن غلق كلى ل شارع الهرم لمدة 3 أشهر لهذا السبب    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا إلى 84 شخصًا    شادية.. أيقونة السينما المصرية الخالدة التي أسرت القلوب صوتاً وتمثيلاً    تحقيق عاجل بعد انتشار فيديو استغاثة معلمة داخل فصل بمدرسة عبد السلام المحجوب    «السبكي» يلتقي وزير صحة جنوب أفريقيا لبحث تعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    خشوع وسكينة.. أجواء روحانية تملأ المساجد في صباح الجمعة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الأردني تطورات الأوضاع في غزة    استعدادات مكثفة في مساجد المنيا لاستقبال المصلين لصلاة الجمعة اليوم 28نوفمبر 2025 فى المنيا    رئيس فنزويلا يتحدى ترامب ب زي عسكري وسيف.. اعرف ماذا قال؟    وزارة العمل: 1450 فرصة عمل برواتب تبدأ من 10 آلاف جنيه بمشروع الضبعة النووية    رئيس كوريا الجنوبية يعزي في ضحايا حريق المجمع السكني في هونج كونج    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 28- 11- 2025 والقنوات الناقلة    سعر كرتونه البيض الأبيض والأحمر اليوم الجمعه 28نوفمبر 2025 فى المنيا    صديقة الإعلامية هبة الزياد: الراحلة كانت مثقفة وحافظة لكتاب الله    صلاة الجنازة على 4 من أبناء الفيوم ضحايا حادث مروري بالسعودية قبل نقلهم إلى مصر    محافظة أسوان تطلق فيديوهات توعوية لجهود مناهضة "العنف ضد المرأة والطفل"    45 دقيقة تأخير على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 28 نوفمبر 2025    محمد الدماطي يحتفي بذكرى التتويج التاريخي للأهلي بالنجمة التاسعة ويؤكد: لن تتكرر فرحة "القاضية ممكن"    رمضان صبحي بين اتهامات المنشطات والتزوير.. وبيراميدز يعلن دعمه للاعب    عبير نعمة تختم حفل مهرجان «صدى الأهرامات» ب«اسلمي يا مصر»    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة للأقارب.. اعرف قالت إيه    إعلام فلسطيني: الاحتلال يشن غارات جوية على مدينة رفح جنوب قطاع غزة    سيناريست "كارثة طبيعية" يثير الوعي بمشكلة المسلسل في تعليق    أبوريدة: بيراميدز ليس له ذنب في غياب لاعبيه عن كأس العرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيلوثيريا
نشر في المصري اليوم يوم 30 - 10 - 2012

أجلس مع نفسي أُسَطِّر هذه الكلمات وأنا أفكر في مرحلة جديدة من عمري، تبدأ سنواتها بالرقم 3 بدلاً من الرقم 2. شعرت بالهلع على مدار الأسابيع السابقة لهذا التحول، وازداد هلعي كلما اقترب ذلك اليوم الفاصل في أواخر شهر أكتوبر. ثم أتى ذلك اليوم ومر، ولا أزال موجودًا، ما زالت ملامحي هي ذاتها ملامحي منذ أسبوع مضى، كل ما تغير هو إدراكي لبعض الأشياء. فجأة، مرت كل أعوام عمري حتى يومي هذا أمام عيني، ووجدت نفسي أدرك في لحظة واحدة كل ما أدركته على مدار تلك الأعوام كلها.
لم أصبح رائد فضاء، بل وأنهت أمريكا رحلاتها إلى القمر، وبدلاً من أن أصير رجل شرطة صرت أكتب مقالات عن تطهير الداخلية. لم أتزوج الممثلة الأمريكية وينونا رايدر كما كنت أريد منذ سنوات، بل وتم إلقاء القبض عليها بتهمة سرقة المحلات، وسعدت بأنني لم أسع وراء تلك الزيجة. أحببت مرة أو مرتين، وربما ثلاث مرات، وشعرت عندما فقدت من أحببت أن العالم قد انتهى حرفيًّا، وتألمت جسديًّا كما تألمت روحيًّا، واختبرت مشاعر لست متأكدًا أنني كنت سأرغب في أن أختبرها عن عمد، ولكنني الآن أكثر اكتمالاً كإنسان كوني قد مررت بها، ثم أحببت ثانية وفقدت ثانية، وكان الألم أقل. والآن، فالحب بالنسبة لي هو شيء أقل براءة وربما أقل عفوية في الكثير من الأشياء، ولكنه صار شيئًا أسمى وأعمق، وهذه مبادلة أتقبلها، كما وجدت أن أحلى الحب هو الحب الذي يكون أنت وحبيبتك فيه أقرب الأصدقاء أيضًا، فتشتاق لمحادثتها كما تشتاق لأن ترى وجهها.
خذلني الكثيرون ممن وثقت بهم، واكتشفت أن الثقة العمياء ليس لها مكان في الحياة، وخسرت أصدقاء وكسبت أصدقاء، وأدركت أن لا أحد يريدك أن تكون أفضل منه في أي شيء. وتعلمت أن كل البشر هم بشر، وأننا علينا أن نتقبلهم كما هم دون أن نتوقع منهم أن يكونوا ملائكة، فعدت إلى محبتي حتى لمن خذلوني. وتعلمت أيضًا أنه لا يوجد بشر عظماء وخارقين كما كنا نراهم يومًا عن بعد أو عندما كنا أطفالاً.
اكتشفت أن أفضل من قابلت في حياتي هم لا شيء كما يصورهم البعض أو كما تصورتهم أنا، ولكن القلائل منهم الذين يقتربون بالفعل من العظمة هم هؤلاء الذين يعرفون أنهم ليسوا سوى بشر، وأنهم مهما تقدم بهم العمر فإنهم لديهم ما يتعلمونه ويفهمونه، من الصغار قبل الكبار، فقد يتقدم بك العمر ولا تزداد حكمة، بل وربما قد تقل حكمتك وتزداد - إن زدت - عندًا وغرورًا. وتعلمت في هذا الإطار أن الغرور هو أخطر ما يقتل البشر، وأن أسوأ أنواع الغرور هو ما يعمي صاحبه عن وجوده، فيتصور أنه فعلاً إنسان عظيم ولا يخطئ، وأن الكل لا يفهمه أو يفهم ما يجري.
تعلمت أن الإنسان عليه أن يفكر جيدًا قبل أن يتخذ قراره إلا أن الكثير من التفكير قد يشل البشر أيضًا، وأنه أحيانًا علينا أن نقفز في البحر ثم نحاول في قدر من الذعر أن نكتشف كيفية العوم. وتعلمت أن هناك من البشر من يحترف رؤية السيئ في كل شيء وتوقع فشله، ولذته السادية في الحياة هي في إحباط ذاته ومن حوله، فلا يعلون ولا ينجحون مثلما هو فقد الأمل في العلو والنجاح. وكان أفضل ما فعلت في حياتي هو التخلص من هؤلاء بعد أن يئست من تغييرهم، مهما كان حبي لهم ومهما كان قربي لهم. وتعلمت، في المقابل، أن هناك بشرًا مذهلين، إن سألتهم إذا كان يمكن تحطيم جبل ضخم بملعقة فيجيبون أن كل شيء ممكن إن أحسنا التفكير وأصررنا على ما نريد، بل ويبدأون فورًا في التفكير في العمل ذاته بدافع من الفضول ومن التحدي للذات. وبعضهم بالفعل يجد شقًّا في الجبل، وفور أن يضرب ذلك الشق بملعقته الضئيلة فإذا بالشق يمتد في الجبل كله فينهار، فكل شيء ممكن لمن يؤمن ويفكر ولا ييأس. وكان أعظم ما تعلمت هو أن أحيط نفسي بمن أريد أن أكون مثلهم، أو من أريد أن أتعلم منهم، وكان أعظم ما تعلمت هو أن أفكر فيما أريد وما أريد أن أكون، وليس فيما لا أريد وما لا أريد أن أكون.
وتعلمت شيئًا أو اثنين عن العمل. فأحيانا علينا أن نحب ما نعمل، ولكن أكثرنا حظًّا هو من يحب ما يعمل. وعلينا أن نكون جيدين فيما نعمل، وألا تشغلنا المنافسة الفارغة عن هدف العمل ذاته، وأن نرى أي قيمة فيما نفعل، فتصبرنا تلك القيمة على سخافات الأيام. كما تعلمت أن العِلم هو حليفك الوحيد الذي لا يمكن أن يتخلى عنك، وأن الموهبة دون العلم لا تصل بك إلى ما تحتاج الوصول إليه، وأن «شعورك الداخلي» بالقوة وثقتك في مشروعك بالرغم من تشكيك الآخرين فيه علميًّا هو أحيانًا ضرب من ضروب جنون العظمة، وليس بالضرورة دليلاً على إصرارك.
كما تعلمت أن الموت أنواع، وأن بعض البشر يختار أن يموت بينما قلبه لا يزال ينبض وعينه ترى وجسده يتحرك ولسانه ينطق. هؤلاء يسيرون بيننا ويبدون أحياء، وهم - على أفضل تقدير - في غيبوبة. بعضهم يمكنه أن يستيقظ إن قرر أن يكسر خوفه من الحياة، وإن أراد أن يدرك أن الخوف من الفشل - أو من الاعتراف بالحقيقة ثم تقبلها والتغير على أساسها تباعًا، كليهما - أسوأ من الفشل ذاته. إلا أنني أدركت أيضًا أن البعض يحتاج صاعقة من الخارج لتفيقهم، وأحيانًا هذه الصاعقة لابد أن تكون أنت، كما أنني تعلمت أن البكاء ليس عيبًا، إلا أن تعود البكاء عيب.
عشت طفولتي معتقدًا أن مصر هي مركز الكون بسبب «موقعها الجغرافي المتميز ومناخها الحار جاف صيفًا ودافئ ممطر شتاء» كما قاموا بتحفيظنا بالمدارس، واعتقدت أن حسني مبارك هو أعظم رؤساء العالم كما كان يكتبون في الأهرام وتقول القناة الأولى، واعتقدت أنه لا يمكن أن يكون هناك بشر جيدون بعيدًا عمن كانت عقيدتهم كعقيدتي. ثم سافرت، ونطق لساني اثنتي عشرة لغة، وسمعت أذناي مائة وعشرين. ورأيت أوروبا وأمريكا والهند والصين ودول العرب، فرأيت من يسب رئيس دولته في الإعلام في أعظم الدول تقدمًا، ورأيت أن المجتمع يرى أن هذا ثمن مقبول للحرية، وأن من يترشح ضد ذلك الرئيس ويقول بفشله أمام العالم كله لا يجد نفسه قابعًا في زنزانة بعد الانتخابات. رأيت أحزابًا وتيارات تتنافس من أجل الفوز بثقة وأصوات شعوبها عن طريق التنافس على خدمتهم ودون تقسيم لأفراد الشعب إلى أعداء وحلفاء، ورأيت - مصدومًا - أن بعض الدول لا ترى أن الرئيس مبارك هو أعظم رؤساء العالم كما كانوا يقولون في الأهرام وتقول القناة الأولى، بل إن بعضهم لا يعرف حتى من هو حسني مبارك، وأن الكثير من الأنظمة تحاول أن تقنع شعوبها بأنها مركز الكون وأن حكومتها وزعيمها هما الأهم في العالم. ثم رأيت الشعب ذاته - وأنا منضم إليه - يثور ليُسقِط مبارك ونظامه، فإذا بذات الأهرام وذات القناة الأولى تحتفلان بسقوط ذات الطاغية الذي كانتا ترددان اسمه منذ أيام!
كما عرفت أن الحدود من صنع البشر، وأنك فردًا من البشرية قبل أن تكون فرنسيًا أو صينيًا أو أمريكيًا، وأن الوطنية العمياء هي فكرة من الماضي، وأن القدر هو السبب أنك وُلدت كما وُلدت.
كما قابلت هندوسًا وبوذيين ومسيحيين ويهودًا ولا دينيين ومن لا يزالون يبحثون وغيرهم، وقابلت ذوي البشرة البيضاء والسمراء والصفراء والحمراء والبنية وبين البينين وما يصعب تصنيفها، ووجدتهم كلهم بشرًا مثلي، منهم من هو أفضل مني ومنهم من لا أريد أن أكون مثله، وصرنا أصدقاء وصرت كإنسان أكثر ثراء، وأدركت أن البشر شيء واحد، وأن التعايش ممكن، وأننا لابد أن نلفظ دعاة الكراهية بيننا، وأننا سنحقق بالقلم والكلمة أكثر وأسرع بالكثير مما سنحققه بالأسلحة والجعجعة، وأننا علينا أن نسمو فوق قادتنا وجماعاتنا وأحزابنا وحكوماتنا ومصالحهم. وبالإضافة، فقد صرت أكره كل محاولات تصنيف البشر إلى أيديولوجيات ومجموعات محددة ومعلبة مسبقًا، فذاك ليبرالي وذاك يساري وذاك إخواني وذاك أناركو-سينديكالي، وكأنه لا يوجد من يمكنه أن يؤمن بخليط من تلك الأفكار، أو من يمكنه أن يبتكر فكرة جديدة، مع إدراكي أن بعض البشر ليسوا مولعين بالضرورة، في بادئ الأمر، بالأفكار الجديدة أيًّا كانت. كما تعلمت أننا كلنا تقريبًا، على اختلافنا، قد أدركنا القاعدة الذهبية للإنسانية: أن تفعل لغيرك ما تريده لذاتك، أيًّا كان، وألا تفعل في غيرك ما لا تريده لذاتك، أيًّا كان، وأن ما تفعله سوف يُرد إليك أضعافًا مضاعفة، المر والحلو منه.
تعلمت أنه لن يمكنك مساعدة غيرك دون أن تساعد نفسك أولاً، إلا أنني أدركت أن أعظم شرف يمكن أن يحدث لك هو أن تأتي لك فرصة حقيقية لأن تساعد ولأن تُسعد إنسانًا آخر.
أدركت أنه ليس من حق أحد البشر أن يتحكم في بشر مثله إلا فيما لا يؤذي غيره، وأننا أقوى بكثير من الظروف بأكثر مما تصورت. أدركت أنه ليس من حق أحد أن يُِسكِت أحدًا أو أن يتحكم فيما يقرأ أو يعرف، فهو بشر مثله مثل غيره وليس أفضل من غيره لكي يتحكم فيه إن كانت الأدوار معكوسة. كما أدركت أن الحرية ليست فقط هي الحرية من قيود السلطة والقوانين المجحفة، ولكنها أيضًا الحرية من قيود توقعات الغير لك، والتوقعات غير المنطقية للذات، وألا تخلط بين ما تريده أنت وما يريده من حولك والقريبون منك لك، وبين ما يعتقد المجتمع أنه هو الصواب الأصوب لك وللكل، وأن تختار أنت بذاتك ما تريده أنت لذاتك، حتى ولو كان كل ما سابق ذاته. كما تأكدت أنه إن قام المرء بالسكوت يومًا عن ظلم وقع لغيره لأنه لا يعنيه مباشرة أو لأن ذلك الظلم قد يفيده أو يريحه بصورة ما، فسيأتي اليوم الذي يقع فيه الظلم ذاته أو أسوأ منه على ذات المرء، ولن يتحدث أو يأتي أحد دفاعًا عنه، وسوف يحس المرء بمرارة الشعور باستحقاقه لما يحدث له.
وأدركت أن أغلب من يتحدثون بغضب وصوت عالٍ عن أفكارهم دون داعٍ هم خائفون ومهزوزون. ووجدت أغلب البشر شديدي الثقة بشكل مستفز في أيديولوجياتهم وأفكارهم السياسية والاقتصادية والفلسفية، وكأن كل من حولهم غبي مخدوع أو ساذج أو سيئ، وأنهم هم وحدهم من أدركوا كل شيء، وأدركت أنه لا يوجد إنسان واحد يجيد تحييد تحيزاته الإنسانية قبيل قيامه باتخاذ قرار أو تبني موقف، فكل إنسان لديه ما سيريحه بحياته ولن يختار بسهولة الحقيقة إن أبعدته عما يرتاح إليه، وسيقوم تلقائيًّا بالبحث عن الحقيقة في أي شيء بالشكل الذي يوصله إلى ما يريد مسبقًا الوصول إليه. وعرفت أن مقولة «لا أعرف، ولست متأكدًا، وربما لن يمكنني التأكد تمامًا» هي موقف مقبول جدًا، فأنا لن أعرف كل شيء، ولن أفهم كل شيء، وإن حاولت أيهما فلن أجد الوقت لفعل أي شيء. كما أدركت أنني عليَّ أن أراجع ذاتي إن وجدت نفسي دائمًا متفقًا مع من حولي ومشابهًا لهم، أو إن وجدت نفسي دائمًا أختلف معهم ولا أشابههم. وتأكدت أنني مهما كنت مقتنعًا ومنبهرًا برجل علم أو فكر، فيجب أن أفكر في كل ما يقول، وأن أقتنع بكلامه عن حق إن استحق ذلك، وأن أفكر أكثر وأعمق في الأقوال كلما زاد تعلقي بذلك المعلم. واكتشفت أنه من الأفضل أن أفكر قبل أن أنطق، بدلاً من أن أفكر في ندم بعد أن أنطق، فالكلمة تظل إلى الأبد، كما أن الله قد خلقنا بفم واحد وأذنين اثنين، لكي ننصت ضِعف ما نقول.
تعلمت ألا أحسد إنسانًا، وأن أكون على دراية مستمرة بما أنعم الله عليَّ به، وأن أتذكر كلما ساءت الظروف أن هناك من ظروفه هي أكثر سوءًا مني. تعلمت أن أغلى ما لدي هي صحتي وإرادتي وعزيمتي وعلمي، وأنه يوجد شيء واحد فقط أغلى منها: أهلك وأسرتك وأصدقاؤك الحقيقيون ومن يحبك. أما العلم، فكل منا عليه أن يبحث عن العلم بكل صوره، وأن يقرأ ويلتهم الكتب والأشعار والموسيقى والعلوم، وأن يعرف شيئًا ما عن كل شيء وأن يعرف كل شيء عن شيء ما. وأما العزيمة تجاه شيء ما فلا يتفوق عليها سوى العزيمة لشيء أهم. وأما الصحة، فهي ليست فقط واجبًا لك من أجل ذاتك، بل هي أيضًا من أجل من تحب ومن يهمك ومن يحتاج إليك؛ وأما الصديق والأهل والحبيب، فلتدافع بشراسة عن أصدقائك الحقيقيين وعن بقائهم في حياتك ولا تنشغل أكثر مما ينبغي عنهم، وكن هناك فورًا إن احتاجوا إليك؛ ولتعمل من أجل إسعاد أسرتك وتشريفهم ورفع رأسهم عاليًا أمام الدنيا، مهما تطلب الأمر، ولتحفظ شرف من تحب ولتعمل من إجل إسعاده في وجوده أو في غير وجوده. هؤلاء هم أعظم وأثمن ما يمكن أن تعثر عليه في حياتك، ولا تدخر جهدًا من أجل إسعادهم، ولا تجعل الرغبة التي هي في غير محلها بالشعور بالكرامة تبني - أحيانًا - جدارًا أحمق عازلاً بينكم، ولا تدع أي إنسان أو أي شيء يقوم بتفريقكم، وإن قال لك شخص ما إن أحد هؤلاء الأقربين قد أساء إليك، فتأكد أولاً، ثم اغفر ما يمكن غفرانه. وإن أسأت إلى أحد منهم، فلا تنم دون مصالحته، فقد لا تجد تلك الفرصة غدًا وسوف تندم طوال عمرك.
علمت أن الحياة دون هدف كالقارب دون وجهة، تعصف بها الرياح كما تشاء. الحلم هو أحلى ما في الحياة، والحياة دون حلم كالهيكل العظمي الذي ليس له ملامح، وأن الحلم غير المبني على الواقع والواقعية سيصير كابوسًا يسقط بك من أعلى، وأن الحلم الذي لا يتحدى الواقع ولو قليلا قد يكون حلمًا غير كاف. وتعلمت أن أسير إلى الأمام إلى هذا الحلم والهدف كل يوم، ولو كان ذلك بخطوة واحدة، بدلاً من أن أهرول يومًا وأن أقف يومًا وأن أتراجع يومًا، وأن الطريق أمتع من الوجهة. وتعلمت أن أتقبل كل ما حدث في حياتي، وما لا يمكنني تغييره اليوم، وأن أغير ما يمكنني تغييره، وأن أعرف الفارق بينهما. كما تعلمت أنني يمكنني أن أتغير إلى الأحسن، مهما تقدم بي العمر، وأن الشباب والشيخوخة هما حالتان في الذهن قبل أن يكونا حالتين في الجسد، وأن أحاول أن أستيقظ كل يوم إنسانًا أفضل من اليوم الذي سبقه، ولو كان ذلك بمقدار بسيط، وأن أفعل ذلك كله مبتسمًا ولو رغمًا عني، فالابتسامة تبقيك وتبقي غيرك أحياء، والابتسامة صدقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.