الإعلان المرئي وصناعة المحتوى.. ورشة عمل بجامعة بنها الأهلية    قبل انتهاء مدة البرلمان بشهرين.. مرفت عبد النعيم تؤدي اليمين الدستورية خلفًا للنائبة رقية الهلالي    جدول امتحانات الصف السادس الابتدائي في القليوبية 2025    النواب يستجيب للأزهر بشأن إصدار لائحة قانون تنظيم إصدار الفتوى    إزالة 27 حالة تعد بالبناء على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالبحيرة    محافظ الشرقية يتابع تنفيذ مشروعات الإبراهيمية الخدمية والتنموية    نائب محافظ قنا يتفقد المركز التكنولوجي ويشدد على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين    أوكرانيا تعلن عن استعدادها للتفاوض مباشرة مع روسيا    وزير الخارجية الإسرائيلي: حرب غزة مستمرة للأبد إذا بقيت المساعدات بأيدي حماس    وزير الخارجية: مصر تدعم الموقف الإفريقي الموحد بشأن إصلاح مجلس الأمن    قرار جديد في ملف صفقات الأهلي المونديالية    على طريقة مرموش.. تفاصيل عرض احتراف مصطفى شوبير    مصرع مُسنة إثر سقوطها من الطابق الثالث في قنا    الأرصاد الجوية : درجة الحرارة " فى الظل " وصلت 40 درجة مئوية الساعة الواحدة ظهرا على القاهرة الكبرى    نشط مخك وتجنب 14 خطأ.. روشتة تربوية للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة 2025    بينهم سيدة.. القبض على عصابة الزواج المزيفة بالقاهرة    أكتب كي لا أقتل    انطلاق النسخة الثالثة من ملتقى «التمكين بالفن» بالمتحف المصري الكبير الجمعة المقبلة    وزير الثقافة يتابع حالة الأديب صنع الله إبراهيم    صحة الدقهلية: إجراء 4800 عملية خلال شهر وإدخال خدمات جراحية جديدة ب8 مستشفيات    سيتى كلوب تضع اللمسات النهائية لإقامة مباراة مصر وغانا بأمم أفريقيا للشباب باستاد السويس    ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق بنسبة 14.2% على أساس سنوي خلال إبريل الماضي.. و4.1% على أساس شهري    البورصة تعلن عن انتهاء الخلل التقني بنظام تداول حقوق الاكتتاب    الخارجية الهندية: معاهدة تقاسم مياه نهر السند لا تزال معلقة    مرشح حزب سلطة الشعب بكوريا الجنوبية يسجل ترشحه للانتخابات الرئاسية    محافظ بنى سويف يكرّم الشاب عبد الله محمد لطفى لإنقاذه مواطنًا من الغرق    انهيار بئر بأحد مزارع المنيا على شخص جارى استخراجه    الجريدة الرسمية تنشر قرار نزع ملكيه أراضى بقنا لتطوير 5 مزلقانات    سنابل الذهب.. توريد 108 آلاف طن قمح محلى إلى شون وصوامع البحيرة    رئيسة بالميراس: مستعدون لمواجهة ميسي في كأس العالم للأندية.. ولن نذهب إلى النزهة بأمريكا    القاهرة الإخبارية: الاحتلال الإسرائيلى يواصل قصف الأحياء السكنية فى غزة    تكريم مازن الغرباوي بمهرجان المعهد العالي للفنون المسرحية    لا يهم فهم الآخرين.. المهم أن تعرف نفسك    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي أم يجوزُ لي تأجيلُه؟ .. الأزهر للفتوى يجيب    ممدوح عباس يعلن.. وصول توني بيوليس للقاهرة لدارسة إمكانية التعاون مع الزمالك    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    مدير تأمين صحى الفيوم يتفقد العيادات الخارجية ويوصى بتسهيل إجراءات المرضى    ضبط 575 سلعة منتهية الصلاحية خلال حملة تموينية ببورسعيد -صور    «حماة الوطن» بسوهاج يفتتح 9 وحدات حزبية جديدة بقرى ومراكز المحافظة    رئيس الوزراء يشارك في احتفالية "تكافل وكرامة" ويكرم عددا من شركاء النجاح.. صور    محافظ الدقهلية يتفقد مركز دكرنس ويحيل رئيس الوحدة المحلية بدموه للتحقيق    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    النيابة تصرح بدفن جثة طالب أنهى حياته شنقا بسبب سوء معاملة أسرته في أبو النمرس    1500 فلسطيني فقدوا البصر و4000 مهددون بفقدانه جراء حرب غزة    لرغبتها في استمراره في أوربا .. زوجة كوتيسا تعرقل صفقة انضمامه للزمالك    أمين الفتوى يحذر من الحلف بالطلاق: اتقوا الله في النساء    «جوتيريش» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    تامر عاشور يلتقي جمهوره في حفل غنائي بدبي 16 مايو    كندا وجرينلاند ضمن قائمة أهدافه.. سر ولع ترامب بتغيير خريطة العالم    النسوية الإسلامية (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا): مكانة الأسرة.. فى الإسلام والمجتمع! "125"    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    «التضامن» تقر تعديل وتوفيق أوضاع جمعيتين بمحافظة القاهرة    هل للعصر سنة؟.. داعية يفاجئ الجميع    ماذا قال دونالد ترامب عن إعادة ضبط العلاقات مع الصين؟    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    قمصان: زيزو سيكون إضافة كبيرة للأهلي.. الساعي قصر وهذه حقيقة خلاف كولر وأفشة    بالنسبة لهم أكثر من مجرد أكلة.. 5 أبراج تتمتع بمهارات طبخ ممتازة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيلوثيريا
نشر في المصري اليوم يوم 30 - 10 - 2012

أجلس مع نفسي أُسَطِّر هذه الكلمات وأنا أفكر في مرحلة جديدة من عمري، تبدأ سنواتها بالرقم 3 بدلاً من الرقم 2. شعرت بالهلع على مدار الأسابيع السابقة لهذا التحول، وازداد هلعي كلما اقترب ذلك اليوم الفاصل في أواخر شهر أكتوبر. ثم أتى ذلك اليوم ومر، ولا أزال موجودًا، ما زالت ملامحي هي ذاتها ملامحي منذ أسبوع مضى، كل ما تغير هو إدراكي لبعض الأشياء. فجأة، مرت كل أعوام عمري حتى يومي هذا أمام عيني، ووجدت نفسي أدرك في لحظة واحدة كل ما أدركته على مدار تلك الأعوام كلها.
لم أصبح رائد فضاء، بل وأنهت أمريكا رحلاتها إلى القمر، وبدلاً من أن أصير رجل شرطة صرت أكتب مقالات عن تطهير الداخلية. لم أتزوج الممثلة الأمريكية وينونا رايدر كما كنت أريد منذ سنوات، بل وتم إلقاء القبض عليها بتهمة سرقة المحلات، وسعدت بأنني لم أسع وراء تلك الزيجة. أحببت مرة أو مرتين، وربما ثلاث مرات، وشعرت عندما فقدت من أحببت أن العالم قد انتهى حرفيًّا، وتألمت جسديًّا كما تألمت روحيًّا، واختبرت مشاعر لست متأكدًا أنني كنت سأرغب في أن أختبرها عن عمد، ولكنني الآن أكثر اكتمالاً كإنسان كوني قد مررت بها، ثم أحببت ثانية وفقدت ثانية، وكان الألم أقل. والآن، فالحب بالنسبة لي هو شيء أقل براءة وربما أقل عفوية في الكثير من الأشياء، ولكنه صار شيئًا أسمى وأعمق، وهذه مبادلة أتقبلها، كما وجدت أن أحلى الحب هو الحب الذي يكون أنت وحبيبتك فيه أقرب الأصدقاء أيضًا، فتشتاق لمحادثتها كما تشتاق لأن ترى وجهها.
خذلني الكثيرون ممن وثقت بهم، واكتشفت أن الثقة العمياء ليس لها مكان في الحياة، وخسرت أصدقاء وكسبت أصدقاء، وأدركت أن لا أحد يريدك أن تكون أفضل منه في أي شيء. وتعلمت أن كل البشر هم بشر، وأننا علينا أن نتقبلهم كما هم دون أن نتوقع منهم أن يكونوا ملائكة، فعدت إلى محبتي حتى لمن خذلوني. وتعلمت أيضًا أنه لا يوجد بشر عظماء وخارقين كما كنا نراهم يومًا عن بعد أو عندما كنا أطفالاً.
اكتشفت أن أفضل من قابلت في حياتي هم لا شيء كما يصورهم البعض أو كما تصورتهم أنا، ولكن القلائل منهم الذين يقتربون بالفعل من العظمة هم هؤلاء الذين يعرفون أنهم ليسوا سوى بشر، وأنهم مهما تقدم بهم العمر فإنهم لديهم ما يتعلمونه ويفهمونه، من الصغار قبل الكبار، فقد يتقدم بك العمر ولا تزداد حكمة، بل وربما قد تقل حكمتك وتزداد - إن زدت - عندًا وغرورًا. وتعلمت في هذا الإطار أن الغرور هو أخطر ما يقتل البشر، وأن أسوأ أنواع الغرور هو ما يعمي صاحبه عن وجوده، فيتصور أنه فعلاً إنسان عظيم ولا يخطئ، وأن الكل لا يفهمه أو يفهم ما يجري.
تعلمت أن الإنسان عليه أن يفكر جيدًا قبل أن يتخذ قراره إلا أن الكثير من التفكير قد يشل البشر أيضًا، وأنه أحيانًا علينا أن نقفز في البحر ثم نحاول في قدر من الذعر أن نكتشف كيفية العوم. وتعلمت أن هناك من البشر من يحترف رؤية السيئ في كل شيء وتوقع فشله، ولذته السادية في الحياة هي في إحباط ذاته ومن حوله، فلا يعلون ولا ينجحون مثلما هو فقد الأمل في العلو والنجاح. وكان أفضل ما فعلت في حياتي هو التخلص من هؤلاء بعد أن يئست من تغييرهم، مهما كان حبي لهم ومهما كان قربي لهم. وتعلمت، في المقابل، أن هناك بشرًا مذهلين، إن سألتهم إذا كان يمكن تحطيم جبل ضخم بملعقة فيجيبون أن كل شيء ممكن إن أحسنا التفكير وأصررنا على ما نريد، بل ويبدأون فورًا في التفكير في العمل ذاته بدافع من الفضول ومن التحدي للذات. وبعضهم بالفعل يجد شقًّا في الجبل، وفور أن يضرب ذلك الشق بملعقته الضئيلة فإذا بالشق يمتد في الجبل كله فينهار، فكل شيء ممكن لمن يؤمن ويفكر ولا ييأس. وكان أعظم ما تعلمت هو أن أحيط نفسي بمن أريد أن أكون مثلهم، أو من أريد أن أتعلم منهم، وكان أعظم ما تعلمت هو أن أفكر فيما أريد وما أريد أن أكون، وليس فيما لا أريد وما لا أريد أن أكون.
وتعلمت شيئًا أو اثنين عن العمل. فأحيانا علينا أن نحب ما نعمل، ولكن أكثرنا حظًّا هو من يحب ما يعمل. وعلينا أن نكون جيدين فيما نعمل، وألا تشغلنا المنافسة الفارغة عن هدف العمل ذاته، وأن نرى أي قيمة فيما نفعل، فتصبرنا تلك القيمة على سخافات الأيام. كما تعلمت أن العِلم هو حليفك الوحيد الذي لا يمكن أن يتخلى عنك، وأن الموهبة دون العلم لا تصل بك إلى ما تحتاج الوصول إليه، وأن «شعورك الداخلي» بالقوة وثقتك في مشروعك بالرغم من تشكيك الآخرين فيه علميًّا هو أحيانًا ضرب من ضروب جنون العظمة، وليس بالضرورة دليلاً على إصرارك.
كما تعلمت أن الموت أنواع، وأن بعض البشر يختار أن يموت بينما قلبه لا يزال ينبض وعينه ترى وجسده يتحرك ولسانه ينطق. هؤلاء يسيرون بيننا ويبدون أحياء، وهم - على أفضل تقدير - في غيبوبة. بعضهم يمكنه أن يستيقظ إن قرر أن يكسر خوفه من الحياة، وإن أراد أن يدرك أن الخوف من الفشل - أو من الاعتراف بالحقيقة ثم تقبلها والتغير على أساسها تباعًا، كليهما - أسوأ من الفشل ذاته. إلا أنني أدركت أيضًا أن البعض يحتاج صاعقة من الخارج لتفيقهم، وأحيانًا هذه الصاعقة لابد أن تكون أنت، كما أنني تعلمت أن البكاء ليس عيبًا، إلا أن تعود البكاء عيب.
عشت طفولتي معتقدًا أن مصر هي مركز الكون بسبب «موقعها الجغرافي المتميز ومناخها الحار جاف صيفًا ودافئ ممطر شتاء» كما قاموا بتحفيظنا بالمدارس، واعتقدت أن حسني مبارك هو أعظم رؤساء العالم كما كان يكتبون في الأهرام وتقول القناة الأولى، واعتقدت أنه لا يمكن أن يكون هناك بشر جيدون بعيدًا عمن كانت عقيدتهم كعقيدتي. ثم سافرت، ونطق لساني اثنتي عشرة لغة، وسمعت أذناي مائة وعشرين. ورأيت أوروبا وأمريكا والهند والصين ودول العرب، فرأيت من يسب رئيس دولته في الإعلام في أعظم الدول تقدمًا، ورأيت أن المجتمع يرى أن هذا ثمن مقبول للحرية، وأن من يترشح ضد ذلك الرئيس ويقول بفشله أمام العالم كله لا يجد نفسه قابعًا في زنزانة بعد الانتخابات. رأيت أحزابًا وتيارات تتنافس من أجل الفوز بثقة وأصوات شعوبها عن طريق التنافس على خدمتهم ودون تقسيم لأفراد الشعب إلى أعداء وحلفاء، ورأيت - مصدومًا - أن بعض الدول لا ترى أن الرئيس مبارك هو أعظم رؤساء العالم كما كانوا يقولون في الأهرام وتقول القناة الأولى، بل إن بعضهم لا يعرف حتى من هو حسني مبارك، وأن الكثير من الأنظمة تحاول أن تقنع شعوبها بأنها مركز الكون وأن حكومتها وزعيمها هما الأهم في العالم. ثم رأيت الشعب ذاته - وأنا منضم إليه - يثور ليُسقِط مبارك ونظامه، فإذا بذات الأهرام وذات القناة الأولى تحتفلان بسقوط ذات الطاغية الذي كانتا ترددان اسمه منذ أيام!
كما عرفت أن الحدود من صنع البشر، وأنك فردًا من البشرية قبل أن تكون فرنسيًا أو صينيًا أو أمريكيًا، وأن الوطنية العمياء هي فكرة من الماضي، وأن القدر هو السبب أنك وُلدت كما وُلدت.
كما قابلت هندوسًا وبوذيين ومسيحيين ويهودًا ولا دينيين ومن لا يزالون يبحثون وغيرهم، وقابلت ذوي البشرة البيضاء والسمراء والصفراء والحمراء والبنية وبين البينين وما يصعب تصنيفها، ووجدتهم كلهم بشرًا مثلي، منهم من هو أفضل مني ومنهم من لا أريد أن أكون مثله، وصرنا أصدقاء وصرت كإنسان أكثر ثراء، وأدركت أن البشر شيء واحد، وأن التعايش ممكن، وأننا لابد أن نلفظ دعاة الكراهية بيننا، وأننا سنحقق بالقلم والكلمة أكثر وأسرع بالكثير مما سنحققه بالأسلحة والجعجعة، وأننا علينا أن نسمو فوق قادتنا وجماعاتنا وأحزابنا وحكوماتنا ومصالحهم. وبالإضافة، فقد صرت أكره كل محاولات تصنيف البشر إلى أيديولوجيات ومجموعات محددة ومعلبة مسبقًا، فذاك ليبرالي وذاك يساري وذاك إخواني وذاك أناركو-سينديكالي، وكأنه لا يوجد من يمكنه أن يؤمن بخليط من تلك الأفكار، أو من يمكنه أن يبتكر فكرة جديدة، مع إدراكي أن بعض البشر ليسوا مولعين بالضرورة، في بادئ الأمر، بالأفكار الجديدة أيًّا كانت. كما تعلمت أننا كلنا تقريبًا، على اختلافنا، قد أدركنا القاعدة الذهبية للإنسانية: أن تفعل لغيرك ما تريده لذاتك، أيًّا كان، وألا تفعل في غيرك ما لا تريده لذاتك، أيًّا كان، وأن ما تفعله سوف يُرد إليك أضعافًا مضاعفة، المر والحلو منه.
تعلمت أنه لن يمكنك مساعدة غيرك دون أن تساعد نفسك أولاً، إلا أنني أدركت أن أعظم شرف يمكن أن يحدث لك هو أن تأتي لك فرصة حقيقية لأن تساعد ولأن تُسعد إنسانًا آخر.
أدركت أنه ليس من حق أحد البشر أن يتحكم في بشر مثله إلا فيما لا يؤذي غيره، وأننا أقوى بكثير من الظروف بأكثر مما تصورت. أدركت أنه ليس من حق أحد أن يُِسكِت أحدًا أو أن يتحكم فيما يقرأ أو يعرف، فهو بشر مثله مثل غيره وليس أفضل من غيره لكي يتحكم فيه إن كانت الأدوار معكوسة. كما أدركت أن الحرية ليست فقط هي الحرية من قيود السلطة والقوانين المجحفة، ولكنها أيضًا الحرية من قيود توقعات الغير لك، والتوقعات غير المنطقية للذات، وألا تخلط بين ما تريده أنت وما يريده من حولك والقريبون منك لك، وبين ما يعتقد المجتمع أنه هو الصواب الأصوب لك وللكل، وأن تختار أنت بذاتك ما تريده أنت لذاتك، حتى ولو كان كل ما سابق ذاته. كما تأكدت أنه إن قام المرء بالسكوت يومًا عن ظلم وقع لغيره لأنه لا يعنيه مباشرة أو لأن ذلك الظلم قد يفيده أو يريحه بصورة ما، فسيأتي اليوم الذي يقع فيه الظلم ذاته أو أسوأ منه على ذات المرء، ولن يتحدث أو يأتي أحد دفاعًا عنه، وسوف يحس المرء بمرارة الشعور باستحقاقه لما يحدث له.
وأدركت أن أغلب من يتحدثون بغضب وصوت عالٍ عن أفكارهم دون داعٍ هم خائفون ومهزوزون. ووجدت أغلب البشر شديدي الثقة بشكل مستفز في أيديولوجياتهم وأفكارهم السياسية والاقتصادية والفلسفية، وكأن كل من حولهم غبي مخدوع أو ساذج أو سيئ، وأنهم هم وحدهم من أدركوا كل شيء، وأدركت أنه لا يوجد إنسان واحد يجيد تحييد تحيزاته الإنسانية قبيل قيامه باتخاذ قرار أو تبني موقف، فكل إنسان لديه ما سيريحه بحياته ولن يختار بسهولة الحقيقة إن أبعدته عما يرتاح إليه، وسيقوم تلقائيًّا بالبحث عن الحقيقة في أي شيء بالشكل الذي يوصله إلى ما يريد مسبقًا الوصول إليه. وعرفت أن مقولة «لا أعرف، ولست متأكدًا، وربما لن يمكنني التأكد تمامًا» هي موقف مقبول جدًا، فأنا لن أعرف كل شيء، ولن أفهم كل شيء، وإن حاولت أيهما فلن أجد الوقت لفعل أي شيء. كما أدركت أنني عليَّ أن أراجع ذاتي إن وجدت نفسي دائمًا متفقًا مع من حولي ومشابهًا لهم، أو إن وجدت نفسي دائمًا أختلف معهم ولا أشابههم. وتأكدت أنني مهما كنت مقتنعًا ومنبهرًا برجل علم أو فكر، فيجب أن أفكر في كل ما يقول، وأن أقتنع بكلامه عن حق إن استحق ذلك، وأن أفكر أكثر وأعمق في الأقوال كلما زاد تعلقي بذلك المعلم. واكتشفت أنه من الأفضل أن أفكر قبل أن أنطق، بدلاً من أن أفكر في ندم بعد أن أنطق، فالكلمة تظل إلى الأبد، كما أن الله قد خلقنا بفم واحد وأذنين اثنين، لكي ننصت ضِعف ما نقول.
تعلمت ألا أحسد إنسانًا، وأن أكون على دراية مستمرة بما أنعم الله عليَّ به، وأن أتذكر كلما ساءت الظروف أن هناك من ظروفه هي أكثر سوءًا مني. تعلمت أن أغلى ما لدي هي صحتي وإرادتي وعزيمتي وعلمي، وأنه يوجد شيء واحد فقط أغلى منها: أهلك وأسرتك وأصدقاؤك الحقيقيون ومن يحبك. أما العلم، فكل منا عليه أن يبحث عن العلم بكل صوره، وأن يقرأ ويلتهم الكتب والأشعار والموسيقى والعلوم، وأن يعرف شيئًا ما عن كل شيء وأن يعرف كل شيء عن شيء ما. وأما العزيمة تجاه شيء ما فلا يتفوق عليها سوى العزيمة لشيء أهم. وأما الصحة، فهي ليست فقط واجبًا لك من أجل ذاتك، بل هي أيضًا من أجل من تحب ومن يهمك ومن يحتاج إليك؛ وأما الصديق والأهل والحبيب، فلتدافع بشراسة عن أصدقائك الحقيقيين وعن بقائهم في حياتك ولا تنشغل أكثر مما ينبغي عنهم، وكن هناك فورًا إن احتاجوا إليك؛ ولتعمل من أجل إسعاد أسرتك وتشريفهم ورفع رأسهم عاليًا أمام الدنيا، مهما تطلب الأمر، ولتحفظ شرف من تحب ولتعمل من إجل إسعاده في وجوده أو في غير وجوده. هؤلاء هم أعظم وأثمن ما يمكن أن تعثر عليه في حياتك، ولا تدخر جهدًا من أجل إسعادهم، ولا تجعل الرغبة التي هي في غير محلها بالشعور بالكرامة تبني - أحيانًا - جدارًا أحمق عازلاً بينكم، ولا تدع أي إنسان أو أي شيء يقوم بتفريقكم، وإن قال لك شخص ما إن أحد هؤلاء الأقربين قد أساء إليك، فتأكد أولاً، ثم اغفر ما يمكن غفرانه. وإن أسأت إلى أحد منهم، فلا تنم دون مصالحته، فقد لا تجد تلك الفرصة غدًا وسوف تندم طوال عمرك.
علمت أن الحياة دون هدف كالقارب دون وجهة، تعصف بها الرياح كما تشاء. الحلم هو أحلى ما في الحياة، والحياة دون حلم كالهيكل العظمي الذي ليس له ملامح، وأن الحلم غير المبني على الواقع والواقعية سيصير كابوسًا يسقط بك من أعلى، وأن الحلم الذي لا يتحدى الواقع ولو قليلا قد يكون حلمًا غير كاف. وتعلمت أن أسير إلى الأمام إلى هذا الحلم والهدف كل يوم، ولو كان ذلك بخطوة واحدة، بدلاً من أن أهرول يومًا وأن أقف يومًا وأن أتراجع يومًا، وأن الطريق أمتع من الوجهة. وتعلمت أن أتقبل كل ما حدث في حياتي، وما لا يمكنني تغييره اليوم، وأن أغير ما يمكنني تغييره، وأن أعرف الفارق بينهما. كما تعلمت أنني يمكنني أن أتغير إلى الأحسن، مهما تقدم بي العمر، وأن الشباب والشيخوخة هما حالتان في الذهن قبل أن يكونا حالتين في الجسد، وأن أحاول أن أستيقظ كل يوم إنسانًا أفضل من اليوم الذي سبقه، ولو كان ذلك بمقدار بسيط، وأن أفعل ذلك كله مبتسمًا ولو رغمًا عني، فالابتسامة تبقيك وتبقي غيرك أحياء، والابتسامة صدقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.