يتلاعبون بالأوراق الرسمية مقابل الرشاوى.. ويتخلصون من «الأحراز ».. لإنهاء القضايا تهانى الجبالى: القضاة مسئولون عن التجاوزات لإهمالهم الرقابة على «المعاونين » أستاذ قانون: يجب تغليظ العقوبة ضد أى موظف يرتكب جرائم رغم حرص النيابة الإدارية على رصد كل من يتاجر بوظيفته خاصة فى أركان السلك القضائى، إلا أن معاون الخدمة فى المحاكم يجسد الفساد فى تمرير المصالح المعتمدة على الرشوة والمحسوبية والوساطة، الأمر يشكو منه العديد من المواطنين والمحامين على حد سواء. معاون الخدمة وظيفة إدارية لمساعده القضاة، حيث يساعد النيابة العامة والهيئة القضائية فى تنظيم الجلسات، والحفاظ على هدوئها، وترتيب الملفات بحسب الحضور والتعامل المباشر بين القاضى والشرطة والمتهمين، إضافة إلى كتابة محضر التحقيق وتنفيذ قرارات وكيل النيابة ورئيس المباحث.
ضحايا المعاون
«تقدمنا بشكاوى ولا حياة لمن تنادى»، هكذا عبر المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة «عبدالمنعم.س»، عن استيائه من معاونى الخدمة من تسريب للأوراق الخاصة بملفات القضية مقابل رشاوى مالية.
ويضيف: تعرض موكلى لعقوبة حبس لمدة 3 سنوات بالقضية رقم 28806 لعام 2016 بعد رشوة موكل المدعى لمعاون الخدمة من أجل الحصول على أوراق ثبوتية تدل على براءة موكلى، وهذا ما اكتشفناه أثناء النطق بالحكم، فنظرًا لكم القضايا الهائل قد يترك القاضى ورق القضية بالكامل لمعاونيه، وهذا يمكنهم فى أغلبية الأوقات فعل ما يحلو لهم سواء تصوير مستندات القضية وبيعها للخصم أو تبديلها بل قد يصل الأمر فى بعض الأحيان إلى سرقة مستند يعتبر بمثابة طوق النجاة الوحيد للمتهم وتحويل مسار القضية.
تسيير أمور
«حفنة نقود نقدمها ونسيّر أحوالنا بدل العطلة»، هكذا يكشف «م.س» محام بالاستئناف العالى ومجلس الدولة عن طريقته فى التعامل مع معاونى الخدمة، ويضيف: أغلب المحامين يعتبرون معاون الخدمة فى بعض الأحيان أداة يستخدمونها لصالحهم فى تحويل مسار القضية لصالح موكلينهم بطريقة غير شرعية. ويشير إلى واقعة كاد موكله أن يحكم عليه فيها ب15 عامًا، ولكن تم تخفيف الحكم إلى ثلاث سنوات بعد تلاعب معاون الخدمة بعدد من الأرقام والحروف الواردة بتقارير القضية دون علم أحد أدت فى نهاية الأمر إلى تخفيف الحكم مقابل 10 آلاف جنيه.
أما «ر.خ» المحامى استطاع تسخير معاون الخدمة للتخلص من حرز القضية لبطلان جميع الاتهامات الموجهة ضد موكله، مقابل 5 آلاف جنيه فقط، ويقول: موكلى «ع.غ» متهم بالتعاطى والإتجار بمخدر الحشيش بعد إلقاء القبض عليه متلبسًا وبحوزته علبة سجائر بداخلها 3 أصابع من الحشيش، وفى غضون بضعة أيام لم يعلم أحد عن الحرز أى شىء وانتهت بغرامة مالية وبراءة المتهم.
ويتابع: معاون الخدمة أهم من القاضى فى العديد من القضايا، بل يعتبر الآمر الناهى فيها باعتباره الشخص الوحيد المسئول بعد القاضى مباشرة عن كل أوراق القضايا والأقرب لتكوين علاقات يتم من خلالها الاحتكاك المباشر بالمحامين، كل هذا يصب فى مصلحة المحامى «الفهلوى»، ويتيح له العديد من الفرص للحصول على أدق تفاصيل قضاياه، بل قد يصل الأمر إلى معرفة ما قد تؤول إليه القضية التى يدافع عنها ومن هنا يبدأ فى استعادة ترتيب أوراقه من جديد. معاون خدمة
«إ.غ» معاون خدمة على المعاش يقول: إن أغلبية موظفى الخدمة يخفون بعض القرارات عن المحامين لمساومتهم على مبالغ مالية من أجل إمداد المحامى بالمعلومات، فأصبح المحامى لا يستطيع طلب أى أوراق أو الاستفسار عنها دون دفع إكراميات «رشاوى» لتسهيل ما يريد مؤكدًا أن المحامين هم من فتحوا المجال أمام الموظفين، لذلك وأنه كثيرًا ما حكم على موظفين تأديبيًا بعد إدانتهم، ولكن غياب الضمير كان المحرك الأساسى فى الرجوع لهذه الأفعال. ويشير إلى واقعة حدثت معه أثناء تواجده بالخدمة بعدما عرض عليه أحد المواطنين مبلغ 20 ألف جنيه لتغيير التقارير الصادرة ضده بالبناء والتعدى على الأراضى الزراعية، لكن ضميره دفعه إلى إبلاغ وكيل النيابة لتفادى أى شكوى كيدية ضده بعدما رفض الرشوة.
«ف.س» معاون خدمة على المعاش اضطرته الظروف إلى الرشوة من أجل إجراء جراحة كبيرة لطفلته الوحيدة فعمله كان مقتصرًا على إرسال طلبات الاستدعاء لمجندين أنهوا الخدمة العسكرية ترغب وحداتهم فى ضمهم فترة تدريبية أخرى، لكنه كان يعود مجددًا بالاستدعاءات مؤيدًا عليها «لا يستدل على مكان إقامته» بعد تحصيله مبالغ مالية من أسرة المجند.
قضايا المعاونين بتاريخ 18 يناير 2016 قررت محكمة جنايات طنطا إخلاء سبيل «م. ط» معاون خدمة بمحكمة كفر الزيات الجزئية بكفالة 20 ألف جنيه فى القضية رقم 14857 إدارى كفر الزيات بعد تزويره حكمًا قضائيًا غير منطوق الحكم فى القضية رقم 31380 لسنة 2013 جنح كفر الزيات من عقوبة الحبس إلى إيقاف العقوبة.
ومن واقع جدول الجنح تبين أن القضية رقم 3835 لعام 2016 جنح أشمون مقيدة ضد «ح.ع. «معاون خدمة بعدما اتهمته النيابة بالشروع فى سرقة عدد من أوراق القضية الخاصة ب«أ.ق.ج» بعد تعاطيه رشوة لتنفيذها لصالح محامى الخصم والتى حكم فيها بعد شكوى من «ق.ع» محامى المتهم بسرقة مستندات القضية، فصدر ضده حكم تأديبى وغرامة 10 آلاف جنيه.
الأمر لم يقتصر على هذا فقط بل وصل إلى اتهام ضابط شرطة ومعاون خدمة بتعاطيهم رشوة بمحكمة الجنايات بالبحيرة حيث أمر المستشار خالد عبدالفتاح رئيس النيابة الكلية لنيابة وسط دمنهور بحبس مقدم شرطة ومعاون خدمة أربعة أيام على ذمة التحقيقات بعدما تمكنت الجهات المختصة من القبض عليهم أثناء تقاضيهما رشوة من أحد المتهمين بعدما تقدم حازم نعيم المحامى ووكيل لصاحب مكتب سفريات تم الإفراج عنه ببلاغ تلقاه مدير مباحث البحيرة اللواء أشرف عبد القادر.
رأى القانون
تؤكد المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية سابقًا، أن معاونى الخدمة موظفون إداريون تابعون لوزارة العدل، باعتبارها المسئولة عن إدارة المحاكم والسلطة القضائية فى رقابتهم وتسيير أعمالهم، لافتة إلى أن الأزمة الحقيقية تبدأ من هنا، وتقع المشاكل بسبب إهمال بعض القضاة فى الرقابة الصارمة عليهم. وتشير إلى أن العقوبة تكون حسب الخطأ الذى يكتنفه الموظف، وتبدأ العقوبة باللوم ثم الإنذار والخصم من المرتب ثم الوقف عن العمل، وفى حالة ارتكاب جريمة يحال إلى المحكمة التأديبية، وأخيرًا إلى محكمة الجنايات فى حال ارتكاب جريمة جنائية، مشيرة إلى أنه لابد من الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الحديثة كالكمبيوتر وغيره من أجهزه الطباعة التى تحد من العنصر البشرى حتى تتراجع مثل هذه الجرائم، إضافة إلى تسهيل استخراج الأوراق المطلوبة وإنجاز الأعمال المنوطة بكل شخص دون حدوث تلاعب بها.
كما تطالب الجهات المختصة بضرورة الحزم الشديد والحسم القاطع ضد المخطئين حتى يتم القضاء على الروتين اليومى للموظفين داخل السلطة القضائية، وبالتالى لا يستطيع أى موظف أن يساوم مواطنًا من أجل الحصول على رشوة.
من جانبه يقول الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام، إن فساد هذه الأجهزة يرجع إلى تعيين بعض الحاصلين على مؤهلات متوسطة والمؤهلات العليا الذين ليست لديهم فكرة عن القانون، وهذا يمثل خطرًا كبيرًا على منظومة القضاء، مشددًا على ضرورة الرقابة الصارمة على هؤلاء الموظفين وإصدار التشريعات التى تغلظ العقوبة ضد أى موظف يرتكب أخطاء أو جرائم.