رغم كونهم موظفين مدنيين لا يتخطى تعليم معظمهم المؤهلات الفنية والقليل منهم يحملون المؤهلات العليا إلا أنهم يؤثرون بشكل غير مباشر فى سير العدالة فيقودون بريئًا إلى حبل المشنقة ظلمًا ويبرئون آخرين مدانين من خلال التلاعب بالأدلة. «أكتوبر» فتحت ملف سكرتيرى النيابة والمحاكم وأمناء السر وأسباب فساد عدد كبير منهم ووضعهم فى الدستور الحالى من خلال سطور التحقيق القادم . «200 جنيه مش كتير علشان طلب تقصير جلسة» بهذه الكلمات كان رد المحامى على إسماعيل عندما طلب منه سكرتير جلسة جنح القناطر مبلغ 200 جنيه لتقديم ميعاد جلسة فى إحدى قضايا المبانى لايقاف قرار بإزالة أحد المبانى، مشيرًا إلى أن هذا المبلغ ليس مصروفات تحصل للدولة وإنما يتم إيداعها فى الخزينة الخاصة لسكرتير الجلسة. وأضاف: هذه الواقعة ليست الأولى ولا الأخيرة التى نتعرض لها أثناء ممارسة عملنا فى المحاكم، فقضايا فساد موظفى المحاكم أصبحت تركة ثقيلة وعن أشهر القضايا التى تشتهر فى محكمة جنح القناطر قيام سكرتير جلسة بتغيير تقارير فى قضايا المبانى لصالح بعض المحامين للقضاء بالبراءة وعندما اكتشف الأمر تم إحالة «السكرتير» إلى التحقيق وكانت عقوبته إدارية لاتتناسب مع حجم جرائمه. وأشار إسماعيل إلى واقعة أخرى، إذ قام موظف آخر وهو يقضى عقوبة الحبس الآن فى جنح مستأنف القليوبية كان يقوم بتغيير أحكام القضاء فى بعض القضايا وتم اكتشاف الأمر عن طريق التفتيش القضائى، وأشار إلى أن بعض أمناء سر بالنيابة الجزئية بالقليوبية يقومون بابتزاز بعض المحامين فى القضايا التى صدر فيها قرار بإخلاء سبيل المتهم، ويوحون للمحامين بأنهم سيقومون باستئناف القرار ما لم يتقاضوا مبالغ مالية. «اطلع بالحلاوة» «لأ متنفعش» «علشانك أنت بس» تلك العبارات هى جزء من الحوار الذى يدور باستمرار بين المحامين وسكرتارية التحقيقات والتجديدات فى نيابات القليوبية، كما قال محمد مرعى المحامى: إننا نعانى من ابتزاز أمناء السر للاطلاع على قرار النيابة أو المحكمة فى التحقيقات والتجديدات إذ لايمكننا معرفة المواعيد أو أى معلومات عن القرار إلا بعد أن يتقاضى الموظف «المعلوم» على الرغم أن الاطلاع على القرار من حقنا القانونى. وأشار مرعى إلى أن الموظف ينصرف سريعًا من غرفة المداولة حتى يقوم بإخفاء القرار عن المحامين لزيادة المبالغ التى يتقاضاها على الرغم أن القرار فى الغالب لن يكون فى صالح المتهم إلا أن الموظف يطلب مبلغا سواء صدر القرار بإخلاء السبيل أو بتجديد الحبس، موضحًا أن «الحلاوة» لدى الجلسة تساوى الاطلاع على القرار أو معرفته فهو لاينظر إلى كونه صدر بالسلب أو الإيجاب فى صالح المتهم ومحاميه أو ضده. وفى نفس السياق عدد المحامى المشهور نبيه الوحش العديد من الأمثلة التى واجهته أثناء ممارسة عمله آخرها حصوله على حكم بالتعويض بمبلغ 450 ألف جنيه فى القضية رقم 390 لسنة 2009 ضد وزير التربية والتعليم وهيئة الأبنية التعليمية لصالح إحدى الأسر الصادرة عن محكمة طنطا دائرة مدنى حكومة إلا أنها مازالت حبيسة الأدراج منذ 4 شهور بسبب تواطؤ المحضرين فى عدم إعلان الهيئة والوزير بالحكم ولم تنته المخالفات عند هذا الحد بل تتجاوز فى كثير من الأحيان لتتعرض لمصائر الأشخاص. وأكد الوحش أن الأجهزة المعاونة هى العمود الفقرى للقضاء والحصول على الحقوق وبدون مساعدتهم تصبح الأحكام مجرد حبر على ورق، إلا أن الجشع والطمع يجعل هذه الأحكام تصدر على خلاف الحقيقة من خلال تلاعب هؤلاء الموظفين فى تغيرها وتؤدى فى النهاية إلى تشريد أسر، خاصة فى الأحكام المدنية وذلك لفساد هذه الأجهزة المعاونة وعلى رأسها المحضرون وأمناء السر. وأشار الوحش إلى أن قيام دولة عادلة يتطلب أجهزة معاونة عادلة إلا أن غياب الرقابة الصارمة وغياب الضمير كان سبب فساد هذه الأجهزة، مرجعًا فساد هذه الأجهزة لتعيين بعض الدبلومات الفنية الذين ليس لديهم فكرة عن القانون ليعملوا فى الأجهزة المعاونة ما يمثل خطرًا كبيرًا على منظومة القضاء، كما يعد تدنى الدخول واحدًا من أسباب فساد تلك الأجهزة، إذ يفتح الباب على مصراعيه أمام الرشاوى. وكشف الوحش أن كثرة القضايا المنظورة أمام المحاكم تجعل بعض القضاة يتركون التوقيع على الأحكام لأمناء السر إضافة إلى وجود العديد من الأحكام على نماذج مطبوعة فيقوم سكرتير الجلسة بكتابتها نظرًا لكثرة القضايا فهناك العديد من الأحكام التى تصدر بالغرامة فيتم تغييرها لتصل إلى الحبس. مطالبًا بضروة صدور «الأمر الجنائى» من جانب النيابة العامة فى القضايا التى لاتحتاج إلى أن تنظر أمام المحاكم ويتم صدور أمر من النيابة لتنفيذ الأمر مثل التصالح فى الشيكات وقضايا الضرب وغيرهما، مشدداً على ضرورة الرقابة الصارمة على هؤلاء الموظفين وإصدار التشريعات التى تغلظ العقوبة ضد من يرتكب أى أخطاء أو جرائم. من جانبه قال وكيل نقابة المحامين وعضو لجنة الخمسين لكتابة الدستور مجدى سخى إن مهنة معاونى القضاء تم إلغاؤها فى الدستور الجديد بحسب نص المادة 199 من الدستور التى تنص على أن الخبراء القضائيين وخبراء الطب الشرعى والشهر العقارى مستقلون فى أداء عملهم ويتمتعون بالضمان على النحو الذى ينظمه القانون بحيث أصبح هؤلاء السابق ذكرهم مستقلين فى أداء عملهم وغير تابعين لوزارة العدل ما يمكنهم من أداء عملهم فى استقلالية تامة دون ضغوط من أفراد أو هيئات. أما بالنسبة لأمناء السر والمحضرون فهم موظفون إداريون تابعون لوزارة العدل والسلطة القضائية فى رقابتهم وتسيير أعمالهم. وأضاف سخى أن رئيس المحكمة الابتدائية فى كل محافظة هو المدير التنفيذى لكل القيودات والأقلام المختلفة، مشيرًا إلى أن الفساد الذى يضرب بجذوره فى المحاكم والنيابات يحتاج إلى قوانين وقرارات تحقق الانضباط والشفافية فى تيسير الاطلاع على القضايا والدعاوى التى تنظر أمام المحاكم، مطالبًا المتقاضين بعدم الانصياع فى دفع مبالغ مالية لإنجاز أعمالهم وتسهيل حصول الموظفين على الرشوة. وأعرب سخى عن أمله فى إصدار القوانين والتشريعات التى تحفظ للمحامى حقوقه القضائية فى الحصول على مطالبه فى أوراق الدعوى وانجاز الدور الذى يقوم به فى المراحل القضائية المختلفة بداية من رفع الدعوى فى الحصول على الحكم وتنفيذه. وقال المستشار فايد النجار رئيس محكمة جنوبالقاهرة الأسبق إن الخبراء وأمناء السر والمحضرين لهم دور مؤثر فى سير العملية القضائية، بينما يكون للقاضى دور فى ضبط العملية الإدارية من خلال سلطته الرئاسية المباشرة على هؤلاء، إذ يمكن رقابتهم ومعاقبتهم ومكافآتهم ومجازاتهم فى إطار القانون، مشيرًا إلى أن القاضى يملك طبقًا للقانون إحالة الموظف إلى المحكمة التأديبية كما يملك أيضًا توقيع الجزاء الإدارى دون محاكمة . وأوضح النجار أن هؤلاء الموظفين يتبعون المحاكم والنيابة العامة، فرئيس المحكمة الابتدائية هو الملزم قانونًا برقابة و تيسير أعمال الموظفين، أما بالنسبة للنيابة العامة فرئيس النيابة أو وكيل النيابة له سلطة مباشرة سواء القضائية أو الجنائية على الموظفين وبالتالى فهم يتبعون رئاسيًا النائب العام. وأضاف: الأزمة الحقيقية تقع بسبب إهمال القضاة الرقابة الصارمة على السكرتارية والموظفين فهم لا يمارسون الرقابة المباشرة والتحقيق فى الأخطاء والجرائم التى يرتكبها الموظفون إلا فى حالة وجود شكوى رسمية سواء من المحامين أو المواطنين مثل تزوير عقد أو إتلاف مستندات أو غيرها من التلاعب فى أوراق الدعوى التى تكون بحوزة هؤلاء الموظفين وبالتالى يستطيعون إتلافها،، واستعرض النجار واقعة حدثت معه أثناء توليه منصب رئيس المحكمة فقد تقدم إليه أحد المحامين من محافظة الاسكندرية بشكوى مفادها أن سكرتير الجلسة التابع لدائرته تغيب عن الحضور فى أحد الأيام ويحتفظ بمفاتيح مكتبه والذى يوجد به أوراق الدعوى التى كان يريد تصويرها للاطلاع على الدعوى ويعود بها مرة أخرى إلى الإسكندرية فتوجهت إلى غرفة الموظف وقمت بكسر درج المكتب وإخراج الدعوى ليقوم المحامى بتصويرها. وعن عدم تفرغ القضاء لمرقابة الموظفين نظرًا لانشغالهم بنظر الدعاوى القضائية أوضح النجار أن أمناء السر يخضعون للرقابة المباشرة من قبل القضاة الذين يتبعونهم، أما الخبراء فيخضعون إلى رقابة الخبراء الأقدم ثم إلى رقابة وزارة العدل أما بالنسبة للمحضرين فقال النجار إن كل قسم شرطة فى الجمهورية له محكمة جزئية يتبع لها مثل محكمة عين شمس والدرب الأحمر وقصر النيل وغيرها وبالتالى فالمحضرون يتبعون المحكمة الجزئية فى مراقبة عملهم وتسيير أعمالهم ومن خلال ذلك يستطيع كل رئيس محكمة جزئية ووكيل نيابة مراقبة عملهم. مشيرًا إلى أن التفتيش المفاجئ والرقابة على الدفاتر الإدارية داخل العمل لا يحدث إلا فى وجود شكوى. وفى هذا السياق أخبرنا النجار عن تجربة ناجحة قام بتطبيقها وزير العدل السابق فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى عندما قام بإلغاء منصب كبير المحضرين وعين بدلًا منه قاضيًا تحت مسمى مدير إدارة التنفيذين ليتفرغ هذا القاضى للعمل الإدارى فى مراقبة الموظفين التابعين للمحاكم، مشيرًا إلى أن هذه التجربة أحدثت إنجازًا كبيرًا، إلا أنه ليس بالقدر المنشود. وعن العقوبة التى قد يتعرض هؤلاء الموظفون الذين يتلاعبون فى أعمالهم قال: تكون العقوبة حسب الخطأ الذى يكتنفه الموظف وتبدأ العقوبات من اللوم ثم الإنذار والخصم من المرتب ثم الوقف عن العمل وفى حالة ارتكاب جريمة يحال إلى المحكمة التأديبية وأخيرًا إلى محكمة الجنايات فى حال ارتكاب جريمة جنائية. وعن كيفية القضاء على الفساد داخل المنظومة القضائية المنوط بها تحقيق الحق والعدل.. طالب النجار بضرورة إعادة هيكلة النظام الإدارى المعمول به فى 5 محاكم من خلال القضاء على الروتين والاستعانة بالكمبيوتر والميكنة فى تسهيل استخراج الأوراق وانجاز الأعمال المنوطة بكل الأشخاص القائمين على العملية القضائية. كما طالب بضرورة إجراء إصلاحات على القوانين التى تنظم عمل القضاء والمنشورات الدورية، مشددًا على ضرورة الحزم والحسم وسياسة العصا والجزرة حتى يتم القضاء نهائيًا على البيروقراطية والروتين، وبالتالى لا يستطيع الموظف أن يمارس الضغط على المواطنين. من جانبه قال المستشار صلاح عبدالعزيز نائب رئيس هيئة قضايا الدولة إن العاملين بالمحاكم على مختلف درجاته ومناصبهم يجرى التفتيش عليهم من قبل إدارة التفتيش القضائى بوزارة العدل وكذلك الأمر بالنسبة للقضاة أما بالنسبة للعاملين بالنيابات فيجرى التفتيش عليهم من قبل إدارة التفتيش بالنيابات بدار القضاء العالى التابعة لمكتب النائب العام. وأشار عبد العزيز إلى أن هناك المئات من القضايا التى تملأ أدراج المجالس التأديبية والإدارية والجنائية التى تدين هؤلاء العاملين وصدرت أحكام عديدة بمعاقبة هؤلاء الموظفين وإدانتهم بالتورط فى ارتكاب أعمال إجرامية أو أخطاء إدارية وتم محاسبتهم بالعقوبة التى تتناسب مع جزاء العمل المرتكب.