*مجلس الدولة يصر على جواز حبس المحامى أثناء الجلسة ويشعل أزمة بين جناحى العدالة *المحامون: جواز حبسنا يعطل جناحى العدالة *القضاة: القاضى من حقه اتخاذ إجراءات لضمان العدالة الناجزة «يجوز القبض على المحامى أثناء مباشرته حق الدفاع بالجلسة إذا ارتكب جريمة يعاقب عليها جنائيًا»، هذه العبارة التى يصر عليها قسم التشريع بمجلس الدولة فى تعديلات قانون المحاماة، أعادت الصراع القديم بين جناحى العدالة «المحامين والقضاة» إلى الساحة مرة أخرى بعد هدنة استمرت بضعة شهور. فتنة المحامين والقضاة بدأت عندما أبدى المستشار مجدى العجاتى رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة بعض الملاحظات على قانون المحاماة والذى أرسلته وزارة العدل إلى مجلس الدولة، فيه وعليه أوصى بمعاقبة المحامى جنائيًا إذا ما ارتكب جريمة داخل القاعة وهو ما يراه المحامون إهدارًا لحقوق الإنسان فى المقام الأول وسحب مزيد من صلاحيات المحامى بشكل يؤثر على مهام عمله، وبناء على تلك التوصيات أو الملاحظات. ولم تكن تلك المرة الأولى التى تشهد صدامًا بين جناحى العدالة «القضاة والمحامين»، ولكن فى عام 2010 بمدينة طنطا محافظة الغربية اندلعت أقوى وربما أشرس مواجهة بين القضاة والمحامين، انتهت بتبادل الاتهامات والانتقادات بين الطرفين. أزمة طنطا بدأت الأزمة حينما حاول المحامى إيهاب ساعى الدين دخول مكتب وكيل النائب العام باسم أبوالروس بالقوة وذلك بعد أن ظل واقفًا أمامه لساعات وهو ما استدعى وكيل النيابة إلى صفع المحامى على وجهه، فتدخل زميل المحامى وهو مصطفى فتوح ووجه صفعة إلى وكيل النيابة فتم تحويل الأمر إلى محكمة الجنايات وتمت معاقبة المحاميين بالسجن لمدة خمس سنوات، وفى ذلك التوقيت دعت النقابة العامة للمحامين إلى إضراب واستجابت كل الدوائر بالفعل مطالبين بالإفراج عن زملائهم، وهنا خرجت الأمور عن السيطرة بعد أن أدلى المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة وقتها بتصريحات عنيفة بعض الشىء تجاه مهنة المحاماة وألمح إلى أنها عبء على مصر ولن تنجو الدولة إلا بالتخلص منهم فى إشارة إلى المحامين. أزمة قسم التبين تعود تفاصيل الواقعة إلى أزمة بين المستشار محمد شيرين فهمى رئيس محكمة جنايات القاهرة وبين أحد المحامين بسبب ارتداء ذلك المحامى الروب الأسود وبه وشاح يحمل اللونين الأحمر والأخضر أثناء نظر قضية قسم التبين وهو ما دفع القاضى إلى أن يحتد على المحامى قائلًا: «إن هذا الوشاح يشبه وشاح النيابة ولا يجوز ارتداؤه» وحذرة من ارتدائه مرة أخرى وكادت تخرج الأمور عن السيطرة. أزمة الإسماعيلية نهاية 2009 نشبت أزمة بين المحامين وقضاة محكمة الإسماعيلية على خلفية صدور قرار من النيابة العامة بحبس زميلهم المحامى أحمد الجزار 15 يومًا على ذمة التحقيقات لاتهامه بتزوير عقد، حيث منعت قوات الشرطة المحامين من دخول مجمع المحاكم، وعليه أضرب المئات من المحامين داخل مجمع المحاكم وامتنعوا عن دخول الجلسات ونسب إليهم تهمة تحطيم الأبواب المؤدية إلى مكتب رئيس محكمة الإسماعيلية الابتدائية. أزمة القوصية دخل عدد من المحامين بالقوصية بمحافظة أسيوط فى إضراب عن العمل داخل النيابة الجزئية وذلك على خلفية تطاول القاضى حسين رشدى على المحامين وسب البعض منهم، وأدلى أحد المحامين بشهادته حول تعمد القاضى سب وقذف المحامين، وأصدروا بيانًا بأن إضرابهم مستمر لحين نقل القاضى أو التعامل معهم بشكل أفضل. أزمة المنيا كما شهدت محكمة جنايات المنيا واقعة مماثلة بين عشرين محاميًا ورئيس محكمة الجنايات المستشار أحمد عبدالسلام جنيدى، والسبب هو تغول هيئة المحكمة ورئيسها على حق الدفاع واستخدام صلاحيات مقررة فى القانون لضبط الجلسات فى اتهام المحامين وترويعهم واقصائهم عن التمسك بطلبات الدفاع الجوهرية من قبل موكليهم. أزمة سوهاج فى مارس 2009 نظم أكثر من 2000 محام وقفة احتجاجية بمجمع محاكم سوهاج، استمرت لنحو 3 ساعات بعد أن ألقى القبض على زميلهم واحتجازه والتجديد له فى الجنحة رقم 12505 لسنة 2008 جنح سوهاج، حيث تعود تفاصيل الواقعة إلى مشاجرة بين عائلة المحامى إسلام نظير وعائلة المستشار محمد ماهر، ونتج عن المشاجرة التحقيق مع المحامى وحبسه فى حين لم يتم التعرض للقاضى وعليه دخل المحامون بسوهاج فى إضراب وامتنعوا عن دخول الجلسات وتضامن معهم محامو الإسكندرية. أزمة كفر الدوار خلال شهر ديسمبر الماضى دخل العشرات من محامى كفر الدوار فى إضراب فضلا عن اعتصام مفتوح داخل غرف المحامين بمحكمة كفر الدوار الجزئية وذلك على خلفية إهانة المستشار عمرو خلاف وتوجيه الشتائم للمحامين خلال انعقاد الجلسات. أزمة الشرقية وفى ديسمبر من نفس العام دخل محامو فاقوس فى إضراب مفتوح نظرًا لقيام أحد القضاة بعدم سماع دفوعهم وإعطائهم حق الدفاع، حيث تعود تفاصيل الواقعة إلى تعمد قاضى الدائرة عدم الاستماع إلى طلباتهم والحكم بالإدانة فى جميع القضايا التى يحضرون فيها مما دفعهم إلى الإضراب. أزمة ميت غمر نهاية أكتوبر من العام الماضى نشبت أزمة بين قضاة محكمة جنح مستأنف ميت غمر وبين بعض المحامين، الأمر الذى أدى إلى تدخل نقيب المحامين سامح عاشور لاحتواء الأزمة قبل أن تتفاقم فى ظل عدم استقرار الأوضاع بين جناحى العدالة، وذلك على خلفية حالة الغضب التى سادت المحامين بسبب الأحكام التى صدرت ضد موكليهم تعنتًا من هيئة المحكمة وفقًا لرواية المحامين مما أدى فى نهاية المطاف إلى اعتصام كلى داخل قاعة المحكمة لحين تغيير القاضى ومساعديه. أزمة الموسكى كما شهدت محكمة الموسكى خلال شهر يناير من العام الجارى موقعة هى الأشهر خلال العام حيث وقعت مشادة بين القاضى والمحامى انتهت إلى إيداع المحامى القفص وإصدار حكم بحبسه لمدة عام مع الشغل وهو الأمر الذى استلزم تدخل نقيب المحامين سامح عاشور وأوفد كلًا من ماجد حنا وسيد عبدالغنى للوقوف بجانب المحامى المحبوس وطلبت المحكمة اعتذارًا مكتوبًا من المحامى ليتم الرجوع عن الإجراء وانتهت بالفعل بعد أن اعتذر المحامى عن الواقعة. أزمة مؤتمر العدالة نهاية مارس من العام الجارى نشبت معركة بين نقابة المحامين ونادى القضاة على خلفية الأحقية فى تنظيم مؤتمر العدالة ودعوة رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ليتم تحت رعايتهم، تعود تفاصيل الأزمة إلى رغبة نادى القضاة فى تبنى إقامة مؤتمر العدالة لأنهم الأحق والأجدر بهذا المؤتمر باعتبار أن القضاة هم القائمون على شئون منظومة العدالة وأنهم الأدرى بأوجة القصور فيها ومشاكلها وحلولها، على الجانب الآخر رأت نقابة المحامين أنها الأحق، بدعوى أن هذا عمل وطنى يهم الشعب المصرى كله، كما أن نادى القضاة يمر بظروف انتخابات لا تسمح له بتنظيم مثل هذا المؤتمر الذى يناقش قضايا دولة، وانتهت الأزمة ببدء نادى القضاة فى التحضير للمؤتمر منتصف أبريل الماضى. تواصلت «الصباح» مع طرفى الأزمة القضاة والمحامين للوقوف على حقيقة الصراع وكيفية الخروج من هذه الأزمة، حيث أكد يوسف مبروك المحامى بالقضاء الإدارى ومجلس الدولة ل «الصباح» أن تحصين المحامى داخل قاعة المحكمة أصبح مطلبًا رئيسيًا لكل المحامين من أسوان إلى الإسكندرية ولا تراجع عن هذا المطلب خاصة وأن التحصين نريد أن تتسع دائرته ليشمل تحصين المحامى داخل مكتبه أيضًا. وتابع مبروك: «جواز حبس المحامى أثناء دفاعه عن المتهم يعيق أحد جناحى العدالة وإذا كان هناك تجاوز من المحامى داخل الجلسة لابد من الرجوع إلى النقابة العامة وإخطارها ويتم التحقيق مع المحامى عقب الجلسة خاصة أن القانون بشكله الحالى يؤدى إلى نشوب معركة جديدة بين المحامين والقضاة وعليه كان يجب إرجاء هذا القانون لما بعد البرلمان ونترك السلطة التشريعية هى من تقرر وتكون الكلمة لنواب الشعب. وفى سياق متصل أكد أمير سالم المحامى بالجنايات ل «الصباح»: «مصطلح جريمة جنائية فى القانون المعدل فضفاض ويحتاج إلى توضيح حتى لا يتم استغلاله من قبل أمن القاعة بشكل يؤثر بالسلب على العلاقة بين المحامى والقاضى وتفتح الباب لانتهاك حرية المحامين، وأرى أن الأزمة الحقيقة تكون بين بعض القضاة الذين انتقلوا من سلك الشرطة إلى السلك القضائى حيث يتعاملون بغلظة مع المحامين وهو أمر مرفوض». واستطرد سالم: «الأزمات ستكون مسلسلًا مستمرًا خاصة أن بعض المحامين يشعرون بالظلم بسبب الأوضاع التى هم عليها داخل المحاكم من غرف مداولات غير مناسبة لآدميتهم ووقوفهم على السلالم كالموكلين علاوة على الأوضاع المعيشية لبعضهم وكلها أمور تحتاج إلى إعادة النظر فى المنظومة ودعمهم بدلًا من سن قوانين تجيز حبسهم». وهو نفس الأمر الذى اتفق عليه الدكتور محمود كبيش عميد حقوق القاهرة السابق والمحامى، مضيفًا: «الدولة لا تتحمل مثل هذه الاستفزازات من بعض الفئات التى كان باستطاعتها إرجاء تعديلات القانون إلى ما بعد انعقاد البرلمان، خاصة أن قانون نقابة المحامين ينظم العلاقة بين جناحى العدالة ولكن مع تضييق الإجراءات على الدفاع لجأت النقابة إلى تحصين دفاع المحامين ليتمكن من إتمام المهام المطلوبة منه لإثبات براءة موكله ومع التعديلات الجديدة هناك تخوف من تحويل جرائم الجلسات كالأحاديث الجانبية ورنة الهاتف إلى جرائم جنائية خاصة أن المادة 134 كانت كفيلة بتعريف الجريمة الجنائية التى تقع من المحامى داخل الجلسة والتى تقضى بحبسه احتياطيًا لمدة عام على الأقل إذا كان فى حالة تلبس». على الجانب الآخر كان للقضاة رأى آخر، حيث أكد المستشار محمد حسن نائب رئيس مجلس الدولة ل «الصباح» أن لفظ صراع مفتعل ولا أساس له من الصحة خاصة بين القضاة والمحامين، مضيفًا: «لم يسبق أن ظهرت خلافات بين محام وقاضٍ داخل جلسة، وعليه يجب أن نفرق بين الجريمة الجنائية وجريمة الجلسات، فبالنسبة للأولى تتعلق بالتعدى بالسب والقذف أو الفعل على القاضى داخل الجلسة وعليه يحاكم جنائيًا فيما يعرف بجريمة إهانة القضاء، أما جريمة الجلسات فهى تتعلق بالأحاديث الجانبية ورنة الهاتف وغيرها من الأمور التى تؤدى إلى عرقلة سير الجلسة. فيما علق المستشار عزت عمران عضو المجلس الأعلى للقضاء سابقًا على الأزمة قائلًا: «نقابة المحامين لها الحق فى مطالبتها بتحصين المحامين داخل الجلسات، وكذلك القضاة لهم الحق فى اتخاذ الإجراءات التى تضمن عدالة ناجزة وأحكامًا عادلة، وعليه لابد من جلوس الطرفين للوصول إلى نقطة اتفاق أو انتظار البرلمان المسئول عن التشريعات.