رغم احتواء الدستور المصري الجديد، على مواد تحقق للمحامين قدرًا كبيرًا من الاستقلال والحصانة، وتكفل لهم حق الدفاع، إلا أن أزماتهم تظل كما هي، ويأتي على رأسها حبس المحامين الذي تكرر على مدار السنوات الماضية، والذي تجلى في واقعة حبس محامي طنطا عام 2010، وعادت أصداؤه تخيم بقوة على المحامين في ظل واقعة محامي مطاي المهددين بالحبس، على خلفية اتهام رئيس محكمة جنايات المنيا، المستشار أحمد عبد السلام جنيدي، بالاعتداء عليه بالقول والإشارة، ومحاولة احتلال قاعة المحكمة بالقوة ومنع العمل بها. مواد الدستور وقانون المحاماة وفقًا لقانون المحاماة فإن "كل من اعتدى على محامي خلال أو بسبب تأدية وظيفته فكأنه اعتدى على محكمة"، ورغم وجود هذا النص إلا إنه مُعطَّل ولا يتم تطبيقه، وفقا لتأكيدات عشرات المحامين. وفيما يتعلق بالدستور، فإن المادة 198 من الدستور تنص على أن "المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية فى تحقيق العدالة، وسيادة القانون، وكفالة حق الدفاع، ويمارسها المحامي مستقلا، وكذلك محامو الهيئات وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، ويتمتع المحامون جميعا أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم بالضمانات والحماية التي تقررت لهم في القانون مع سريانها عليهم أمام جهات التحقيق والاستدلال، ويحظر في غير حالات التلبس القبض على المحامي أو احتجازه أثناء مباشرته حق الدفاع، وذلك كله على النحو الذي يحدده القانون"، بما يستوجب إعمال النص المُعطَّل من قانون المحاماة ليوافق الدستور. المادة 198 من الدستور تكفل حماية المحامي نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب سامح عاشور قال إنه وفقا لنص المادة 198 من الدستور فإن "المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية فى تحقيق العدالة وسيادة القانون وكفالة حق الدفاع"، مضيفا أن هذه الفقرة تؤكد أن مبدأ مشاركة المحاماة للسلطة القضائية فى كافة مناحيها ومهامها أصبحت مقررة، وتم ترقيتها بمبدأ دستورى بعد أن كانت مقررة بنص قانونى فقط وارد فى قانون المحاماة، مما يجعل من هذا المبدأ أساسا لتشريعات مستقبلية حول هذه الشراكة بشكل أكثر اتساعا عما كان من قبل. وأضاف عاشور: "النص جاء عاما مجردا ليساوى ما بين محامي القطاع الخاص ومحامي الإدارات القانونية لتنسحب الحماية الواردة فى المادة عليهم جميعا، ولتكون ترجمة هذا الاستقلال لمحامى الإدارات القانونية له أساس دستورى يتضح فى سن نصوص قانونية تؤكده، سواء كان هذا الاستقلال ماليا أو فنيا أو إداريا، حيث أن المقصد من لفظ الاستقلال الوارد بشكل عام بالمادة ألا يكون هناك أى سلطان من أى نوع على محامى القطاع الخاص، وكذلك لا يكون هناك سلطان لجهة الإدارة من أى نوع من محاميى الإدارات القانونية. وتابع عاشور: "النص الدستوري تضمن أن (المحامون يتمتعون جميعا أثناء تأديتهم حق الدفاع أمام المحاكم بالضمانات والحماية التى تقررت لهم فى القانون)، وهو ما جاء ليحقق حماية للمحامى، فقد قررت هذه الفقرة "الحماية الخاصة للمحامى" الواردة فى المواد التى استحدثناها عام 2008 بقانون المحاماة وهى المواد 49، 50، 54، والتى تمنع القبض على المحامى أو احتجازه خلال ممارسته حق الدفاع أمام المحاكم حتى لو متلبسا بجريمة، فلا يجوز اتخاذ أى إجراء جنائى فى مواجهته. وأردف: "لأن الاستثناء الوارد بمواد قانون المحاماة كان يخشى عليه من العبث بالطعن بعدم الدستورية نظرًا لأنه يمنع القبض على المحامى حتى لو متلبسًا بجريمة كان يهمنا أن نحصن هذه الحماية الخاصة عن طريق ورودها كمبدأ دستورى، وتحصينًا له من الطعن، فأصبح الاستثناء الوارد بمواد قانون المحاماة أصل دستورى لا يجوز الطعن عليه، وجاءت بصيغة الماضى حتى تنسحب على تلك التشريعات." محامون: الحصانة غير مُفعَّلة محمد عثمان، نقيب محامي شمال القاهرة، قال إن حصانة المحامي أثناء تأدية عمله مطلب عام لجموع المحامين، وهى ليست ميزة بقدر ما هي ضمانة لحق الدفاع، باعتبار أن حق الدفاع يعلو حق الوجاهة الاجتماعية، مضيفا أن الحصانة تأتي تأكيدا لتحصين لحق الدفاع ذاته، وبالتالي هي ضمانة للمتقاضي والمتهم والمواطن بشكل عام. وأشار عثمان إلى أن هناك حصانة موجودة بالفعل في قانون المحاماة لا تجيز القبض على المحامي أو اهانته، وليس الهدف منها الشخص وإنما ضمان حرية المحامي أثناء تأدية عمله، موضحا أن المادة التي تضمن حصانة القاضي خلال تأدية عمله في قانون المحاماة مُعطَّلة، ولابد من إعمالها. وشدد نقيب محاميي شمال القاهرة على أن قانون المحاماة حريص على كرامة المحامي، وحماية مهنته في الدفاع عن الحقوق والحريات، مؤكدا على ضرورة أن تحترم السلطة التنفيذية مهنة المحاماة، وأن تكون مخالفة هذه القوانين المحصنة دستوريًا جريمة يعاقب عليها من يتعداها. بينما قال عضو لجنة الدفاع عن الحريات بالنقابة العامة للمحامين أشرف طلبة إن هناك العديد من الوقائع التي تم حبس المحامين خلالها على مدار السنوات الماضية، أغلبها غير معلوم ولم يتم تسليط الضوء عليه، مضيفًا أن أكبر واقعتين هما حبس محامي طنطا في 2010، والحبس المنتظر لمحاميي مطاي. في حين أكد المحامي والناشط النقابي أسعد هيكل أن بشكل عام العلاقة بين المحاماة والقضاء ليست على النحو المأمول منها على مدار عشرات السنوات الماضية، وتحولت العلاقة التي كانت في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضي علاقة تعاون وتكامل، تحولت خلال الأعوام الستين الماضية إلى علاقة ندية وتشاحن وعدم تعاون بين الطرفين، على الرغم من أن الجهتين يشكلان ما اصطُلِح على تسميته بجناحي العدالة، وهو ما يرجع في المقام الأول إلى عدم قيام الجهات المعنية بهذه العلاقة بواجباتها ومسئولياتها، وهي وزارة العدل ومساعدي وزير العدل ونقباء المحامين ومجالس نقابات المحامين المتعاقبة على مر السنين. وأضاف أسعد أن أحد أسباب تردي هذه العلاقة ضيق أبنية المحاكم وكثرة عدد القضايا، وعدم قدرة الموظفين الإداريين بالمحاكم على تلبية أو أداء الإجراءات الإدارية المعاونة في القضاء، نظرا لما أصاب هذا المرفق الهام من محسوبية ووساطة في التعيينات الإدارية على وجه الخصوص على مدار العقود السابقة، وهو ما انعكس على كفاءة أدائه في العمل. وأكد أنه في المقابل أيضًا لم تهتم نقابة المحامين بتثقيف المحامي وتوعيته بحقوقه وواجباته والتزاماته، كما لم تهتم بحمايته خلال أداء وظيفته، مشيرا إلى أن مرفق العدالة بشأن عام تأثر بحالة الفساد والتردي التي حدثت في مصر على مدار العقود الطويلة الماضية، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا على أداء المحامين والقضاة ويظهر في صورة أزمات مستمرة. مطالب المحامين للحد من الأحكام القضائية ضدهم في ظل الاعتداءات والأزمات التي يتعرض لها المحامون، والتي تنتهي في بعض الأوقات بتعرضهم للحبس أو السجن، فقد رفع عدد من المحامين مطلب بتشكيل لجنة تحكيم من أعضاء مجلس نقابة المحامين وأعضاء مجلس القضاء الأعلى، لحل أزمات المحامين مع أطراف القضاء المختلفة قبل تضخمها ووصولها لساحات القضاء. كما شدد المحامون على ضرورة العمل على تغيير ثقافة المحامين وكذلك أعضاء النيابة والقضاة في التعامل مع بعضهم البعض، بعقد ورش عمل ومؤتمرات ولقاءات عامة تحت مظلة القانون لبحث ترسيخ العدالة والعمل من أجل خدمة منظومة العدالة، وخلق حالة من التلاقي الفكري بين تلك الجهات.