*مديرة إدارة الجيزة تحرق كتبًا تعادى الإخوان والإرهاب وهى ترفع علم مصر! *سمير رجب تطرف فى «النفاق» فأحرقوا كتبه.. أيضًا! *صدام حسين أحرق المكتبة الوطنية الكويتية.. وأمراء الأندلس أحرقوا كتب ابن رشد والغزالى «فى وقت واحد» تمتد أيد غليظة لتسحب مصر إلى القاع، فى الوقت الذى يتطلع فيه المصريون لمن يخفف آلام عقود من التخلف والفساد والقمع والفقر والجهل الشامل، ولا توجد أياد «أغلظ» من البيروقراطية المصرية العتيدة، هذه الأيادى هى التى تفتح الأدراج طلبًا لرشوة بسيطة من مواطن مطحون لتخليص مطلب قانونى له فى أى إدارة حكومية، وهى التى تدخل أى قرار حكومى فى متاهات القوانين واللوائح فيلقى مصرعه على الفور، وهى التى تقنن المحسوبية كعرف اجتماعى ولتذهب الكفاءات إلى الجحيم، لكن البيروقراطية المصرية تجلت هذا الأسبوع وأبدعت و«فرجت علينا العالم» حين اندفعت فى مجال جديد لم يكن سابقًا من شأن الموظفين وهو.. حرق الكتب! بطلة الواقعة موظفة تدعى بثينة كشك ترقت وظيفيًا حتى أصبحت وكيل وزارة التربية والتعليم فى الجيزة، أى أنها مسئولة مسئولية مباشرة عن آلاف المدارس والمدرسين والطلبة، لم تنشغل بثينة بالحرب على الفساد فى مديرية الجيزة ولا بالمستوى الأخلاقى المتدنى للطلبة والمعلمين، ولا بتطوير الأداء داخل مدارس منفصلة عن العصر تقريبًا، وتحمست بروح الموظف العتيد فى اتجاه تنقية مكتبة إحدى المدارس من الكتب «المتطرفة»، وكان يمكنها ببساطة سحب هذه الكتب من المدرسة والتخلص من الكتب غير المدرجة فى قوائم الوزارة، لكنها قررت فى لحظة أن تنافس فى مساحات الجنون التى أصبحت تملأ البلد لتأتى بفريق من الإدارة وترفع علم مصر وتظل تصرخ وألسنة اللهب تتصاعد وهى تحرق الكتب وتقوم بتصوير المشهد أوديو وفيديو، تعبيرًا عن انتصارها على هذه الكتب التى ستتسبب فى خراب البلاد.. بثينة كشك تفوقت على الشيخ عبدالحميد كشك فيما يطلق عليه «الديماجوجية»، أى التصرف فى قضايا كبرى وفق منطق الدهماء والرعاع ممن لم يقرأوا كتابًا.. لذلك كان من ضمن الكتب المحروقة فى المشهد الهستيرى كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، وهو واحد من أكثر الكتب التى تعاديها التيارات المتطرفة منذ قرابة القرن تقريبًا، كما كان من ضمنها كتاب المؤرخ حسين مؤنس عن الأمة الإسلامية وهو كتاب محترم لمؤرخ ظل سنوات مؤرخًا شبه رسمى لمؤسسات الدولة المصرية، كما كان من بين الكتب أيضًا مؤلفات صحفى حسنى مبارك سمير رجب، وهو كاتب محدود لم يتطرف فى أى شىء فى حياته سوى فى.. النفاق فقط ! بُح صوتنا وأصوات الكثيرين فى هذا البلد من التحذير من خطورة مواجهة التطرف عن طريق الزعيق والصراخ واستدعاء أجواء اللاعلم واللامنطق، فالعلم يقول يا سادة.. إن حرق كتاب يمنحه قيمة ومظلومية ويستدعى من الجماهير البحث عنه وقراءته، ويمنح أضعف الأفكار قيمة لا تستحقها، إن كتاب سيد قطب «معالم فى الطريق» الذى هو بالفعل دستور التطرف والخبل والجنون ظل لسنوات طويلة ممنوعًا من التداول والطباعة فى مصر، وحينما أتى الإخوان إلى الحكم انتشر الكتاب على نطاق واسع وقرأه الكثيرون من المصريين وتبارت بعض دور النشر نفاقًا للإخوان فى طباعة الكتاب بمقدمات جديدة، والمفاجأة أن قراءة الكتاب ومعرفة أفكار جماعة الإخوان كانت من الأسباب التى عجلت بخروج المصريين ضد الإخوان فى 30 يونيو فى ثورة عارمة، الحقيقة أن الحرية هى الحل وطرح الأفكار يكشف هشاشتها، وتعويد الناس على الحرية هو أول حوائط الصد القوية ضد كل الأفكار المتطرفة.. ولو كانت بثينة كشك تعيش معنا فى هذا العصر لعرفت أن كل الكتب موجودة على الإنترنت ويستطيع أى طالب أن يقرأ ما يريد بضغطة واحدة على أزرار الهواتف اللوحية المنتشرة والأفضل أن يقرأ وهو متفتح العقل ويمتلك معرفة ورغبة فى التساؤل بدلًا من أن يقتنع أن الحرق هو الأسلوب الأفضل للتعامل مع الكتب مهما كانت درجة غباء أو تطرف كاتبيها. سجلت بثينة كشك اسمها بحروف من النار فى سجل عمليات إحراق الكتب، فالتاريخ يتوقف كثيرًا عند أمثال بثينة، ممن يؤمنون بالحرق كوسيلة تحقق السعادة وراحة البال، فمثلها مثل الكثيرين من أبطال عمليات الإحراق لا تعرف شيئًا عن الكتب من الأصل، وأظن أن إعلاميًا واحدًا محترمًا كان يمكن أن يسأل هذه الموظفة.. سيدتى لقد كنت تصرخين من السعادة وأنت تحرقين الكتب فى الفيديو الشهير.. نعم أنا معك فى ضرورة التخلص من كتب الإخوان والمتطرفين، لكن لماذا قمت بإحراق كتب سعيد النورسى؟ كانت بثينة ستتلجلج بدرجة أقل من وقوفها أمام رئيسها فى الإدارة وحتمًا ستكون إجابتها.. أن مصر الآن فى صراع مع تركيا بسبب دعم أردوغان للمتطرفين فى مصر، والنورسى هذا تركى من أساتذة أردوغان وقد استقى منه معظم أفكاره.. بثينة مثل عتاة البيروقراطية.. تصرخ الرياح فى رؤوسهم من الفراغ.. النورسى هذا رجل من أهل التصوف ويوازى جلال الدين الرومى فى قامته وقيمته وكتبه.. كان داعية للمحبة والتسامى والمجاهدة الروحية.. لكن بثينة كان لها رأى آخر، حيث قالت بعد الفيديو وهى منتشية وسعيدة بكاميرات التصوير «التعليمات الأمنية تقضى بإعدام الكتب الخارجة عن المألوف، ومن هنا كان اللجوء لحرق الكتب المضبوطة بعد التأكد من مخالفة مضمونها لمبادئ الإسلام المعتدل»، أى جهل هذا يا بثينة.. إن كتب النورسى من ضمن أكثر الكتب التى يمكن من خلالها مقاومة أفكار الإخوان والظلام والتطرف.. أى أجيال يمكنها أن تخرج من بين براثن هذه السيدة؟! يعد الرئيس السيسى المصريين بنقلة وطفرة وتغيير حقيقى كبير، وإلى الآن يبدو الرئيس جادًا وموفقًا وهو يحارب على أكثر من جبهة، وكان أكثر ما طمأن الكثيرين تكرار السيسى فى خطابات كثيرة له تعبير «الاعتماد على العلم» وقيامه بالفعل فى أول خطواته رئيسًا بتكوين مجلس استشارى من صفوة العلماء ليفكروا فى نقل مصر خارج الصورة التقليدية المعتمة التى تحياها منذ قرون، وكرر الفريق الاستشارى كثيرًا ضرورة تغيير طريقة التفكير، لكن كما يحارب الرئيس من الإخوان والمتطرفين، إلى جانب حرب خفية من مراكز نفوذ دولة مبارك، هناك أيضًا البيروقراطية التى تعطل المراكب السائرة وتوقف عجلة الزمن وتبطئ من إيقاع أى تغيير.. وتحرق الكتب. الفترات التاريخية التى تمت فيها عمليات إحراق كتب ارتبطت دومًا بالتوترات والاضطراب، ولم تعرف البشرية حضارة مستقرة أو منفتحة قام أحد أفرادها بمثل هذا الفعل الشنيع، اللهم إلا فى أزمنة يظهر فيها أعداء العقل والعلم أو دعاة الانغلاق أو معادو الحرية.. أو أن تظهر فى أمة على حين غرة من الجميع بثينة كشك لتداهم الجميع بعظمة أفكارها عن مبررات الحرق. كانت أول عملية حرق كتب فى التاريخ على يد الإمبراطور الصينى شى هوانج تى «212 ق.م» ويأتى الإسكندر الأكبر كواحد من أهم حارقى الكتب فى التاريخ، حيث قام بإحراق مكتبة برسيبوس التى كانت تضم 10 آلاف مخطوط قبل أن يقوم بحرق مكتبة الإسكندرية بالكامل فور وصوله مصر غازيًا. وفى الحضارة الإسلامية ارتبط حرق الكتب إما بالغزو، كما حدث مع التتار الذين قاموا بإحراق كل مكتبات بغداد، أو برغبة الفقهاء والمتشددين فى إخفاء أفكار أو آراء فقهية لا تساير العصر وطبيعة الحكم، وكانت البدايات المبكرة فى عام 82 هجرية مع إحراق كتاب «فضائل الأنصار»، حينما خشى عبدالملك بن مروان أن يقع هذا الكتاب بيد أهل الشام فيعرفوا لأهل المدينة فضلهم خلافًا لما عممه عنهم أهل الشام، وفى عهد الخليفة العباسى المهدى قام الفقيه سفيان الثورى بنفسه بإحراق كتبه بدلًا من أن يقوم رجال الخليفة بذلك واستبدل كل كتبه بعبارة خطها بيده لا تزال موجودة فى مكتبة الإسكوريال «من يزدد علمًا يزدد وجعًا ولو لم أكن أعلم لكان حزنى أيسر». وهو تقريبًا ما فعله الأديب العظيم أبوحيان التوحيدى الذى قام بنفسه بإحراق كتبه قبل أن يحرقها المتطرفون الذين اتهموه بالمروق من الدين، لأنه كان يفكر فى الدين خارج المقررات المحفوظة فى عصره. وفى ذروة انحدار الحكم العربى فى الأندلس تصاعدت ظاهرة إحراق الكتب إلى حد إحراق كتب ابن رشد وأبوحامد الغزالى.. من كان يؤيد الفلسفة ومن كان يعارضها فى وقت واحد، حيث قامت دولة المرابطين بإحراق كتب الغزالى، وردت دولة الموحدين بإحراق كتب ابن رشد. فى العصر الحديث كان أول ما حرص عليه صدام حسين لدى دخوله الكويت قيامه بإحراق «المكتبة الوطنية الكويتية» باعتبارها تضم وثائق الدولة والتاريخ والحكم فى الكويت، وأعطى صدام مكافأة خاصة للقائد العسكرى الذى ترك المكتبة كومة من الرماد. بثينة كشك مدير إدارة الجيزة التعليمية بدلًا من أن تنشط وتذهب للتفتيش على المدارس التابعة لإدارتها التعليمية وتوقف ولو قليلًا الانحدار الشامل فيها تقلد محاكم التفتيش فى العصور الوسطى وتحرق كتبًا لا تعرف ما فيها.. مع ذلك سيترك وزير التعليم مثل هذه السيدة تعذّب الطلبة بمستواها العقلى الرفيع!