فى مجتمع يغرقه الظلام، ظهرت كريستين زاهر حنا، كنموذج مضىء لفتاة قادرة على تحقيق أحلامها، رغم ممارسات التمييز التى تلاحق مثيلاتها من السيدات، فأصبحت أول معيدة «مسيحية» فى قسم مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والدراسات الإسلامية، فى كلية تربية تعليم أساسى بجامعة قناة السويس، ثم أول دكتورة مسيحية، وهو موقع يجعل منها حالة خاصة، استدعى أن نقترب أكثر من تفاصيل تجربتها. كنت أول قبطية تعين فى معهد الدراسات الإسلامية.. فلماذا اخترت هذا التخصص وكيف كان رد فعل أسرتك؟ - أحببت اللغة العربية منذ الصغر، وكنت أحصل على الدرجات النهائية فى معظم السنوات الدراسية خلال مراحل التعليم الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم التحقت بكلية التربية بمحافظة بورسعيد، شعبة التعليم الأساسى، وحصلت على تقدير جيد جدًا فى الصف الثانى، وفى الصف الثالث كنت مطالبة باختيار التخصص، إما الدراسات الاجتماعية أو اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ولأننى لا أحب الدراسات الاجتماعية قررت إكمال دراستى فى قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية. ورحبت أسرتى بهذا الاختيار، وقالوا لى «أنت دائمًا متفوقة ولكى يستمر تفوقك ادرسى ما تحبين» كما أنهم يعرفون شخصيتى جيدًا، ويثقون فى اختياراتى. وعلى المستوى الدينى هل لمستِ معارضة من الأقارب أو رفاق كنيستك لتخصصك فى هذا المجال ؟ - بالعكس، الجميع رحب بشدة، بل أصبحت مسئولة عن المراجعة اللغوية للكتب التى تصدرها الكنيسة فى بورسعيد. وكيف جاء رد فعل إدارة الجامعة على اختيارك للدراسة فى هذا القسم ؟ - كتب البيانات فى الاستمارة الخاصة بالتخصص، وذهبت بالاستمارة إلى رئيس القسم، فقال لى «ممنوع مسيحية تدخل القسم» فتوجهت لعميد الكلية السابق الدكتور فخرى خلف، وقال لى «هتقدرى»، وأكد أن اللوائح لا تمنع التحاق المسيحيين بالقسم، وشجعتنى كلماته على التمسك بقرارى، وحصلت فى السنة الثالثة على تقدير جيد جدًا، وفى السنة الرابعة على تقدير امتياز، وحصلت على ليسانس آداب وتربية بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف، كنت الطالبة المسيحية الوحيدة فى القسم من بين 92 طالبًا. ما العقبات التى واجهها قرار تعيينك؟ - العقبة الأساسية كانت تتعلق بكونى لست خريجة كلية الآداب، وبالتالى يقتصر تعيينى على الأقسام التربوية، والبعض كان يعارض تعيينى لأننى مسيحية، فتوجهت لمقابلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، وكان وقتها الدكتور محمد سيد طنطاوى رحمه الله، باعتباره أكبر شخصية إسلامية، ورحب بمقابلتى، وقال لى «مرحبًا بك يا ابنتى فنحن نرحب بالمسيحيين واليهود وبكل من يريد أن يدرس الإسلام» وأرسل خطابًا إلى الدكتور مفيد شهاب وكان وقتها وزير التعليم العالى، وقال فيه «اتخذ ما تراه حقًا وعدلًا» وبالفعل صدر قرار تعيينى فى الكلية، وكان يحمل رقم 531 واتضح أن سبب تأخر تعيينى يرجع إلى إدارة الكلية، ولا علاقة له بالتمييز الدينى. ما المواد التى درستها عن الإسلام ؟ - درست الفقه، والشريعة، والتلاوة، والتجويد، وقضايا المرأة المعاصرة فى الإسلام، والحديث الشريف. هل غيرت هذه الدراسة من نظرتك لعدد من القضايا الشرعية ؟ - نعم، فقد فهمت أمورًا كانت مبهمة بالنسبة لى، فمثلًا الموضوع الخاص بتعدد الزوجات، كنت أعتقد أن الرجل من حقه أن يتزوج كما يشاء، ولكن بعد دراستى اتضح أن هناك تشريعًا يتحكم فى هذا الأمر، وشروط يجب أن يلتزم بها الراغبون فى الاستفادة من هذه الرخصة. وما إسهاماتك فى مجال الدراسات الإسلامية؟ - أجريت عدة بحوث إسلامية كان آخرها بحث بعنوان «مكانة العلم فى القرآن والسُنة النبوية» وحصل هذا البحث على المركز الأول فى مجال البحث العلمى على مستوى جامعة قناة السويس.. بجانب حفظى للقرآن وبعض الأحاديث، وقراءتى لمعظم أمهات الكتب الإسلامية مثل تفسير ابن كثير، كما حصلت على دبلومة مهنية فى اللغة العربية بتقدير امتياز، ثم الدبلوم الخاصة فى التربية بتقدير جيد جدًا، ثم حصلت على الماجستير فى التربية من جامعة عين شمس. هل تأثرت علاقتك بزملاء بعد صدور قرار تعيينك فى القسم ؟ - زملائى كانوا أقرب لى بعد اختيارى، وزاد الحوار بيننا كمحاولة منا لتحقيق تقارب فكرى، وتقارب بين الأديان، وكنا نتحاور، لكن من منظور علمى وليس دينيًا، وأساتذتى كانوا دائما يشجعوننى، ويطلبون منى عقد مقارنات بين العبادات فى الديانتين وأمور مثل الصلاة والصيام. وجودك كقبطية فى معهد الدراسات الإسلامية هل يفرض عليك القيام بدور من يصحح المفاهيم الدينية الخاطئة لدى الطرفين ؟ - بالتأكيد، وبدون أن أشعر أجد نفسى أصحح صورًا مغلوطة لدى الطرفين. من واقع تجربتك.. كيف ترى الأحاديث التى تثار حول اضطهاد الأقباط فى مصر؟ - لا أعترف بفكرة الاضطهاد، فالإنسان الذى لا يسعى وراء حقه هو شخص ضعيف، وبالتالى يعتقد أن عدم حصوله على حقة اضطهاد، والدليل أننى تعرضت أنا وزميلاتى المسلمات لظروف صعبة، ولم نستسلم لها، بل وتلقينا عرضًا من رجل أعمال شهير للتكفل بكل مصاريف رسائل الدكتوراه الخاصة بنا، بجانب منحة إلى ألمانيا، وبعد أن بدأنا فى تحضير الأوراق، وحصلنا على دورات فى اللغتين الإنجليزية والألمانية، واتضح بعد ذلك أن عرضه غير جاد، واختفى فى ظروف غامضة. وكيف ترى وضع الأقباط فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى؟ - المسيحيون فى مصر يعيشون أفضل عصورهم، والدولة تحارب التطرف الدينى، مثلما تحارب الإرهاب، وأعتقد أنها فى طريقها لاستعادة الصورة الوسطية للدين الإسلامى، التى تحقق التعايش والمواطنة الكاملة لكل أبناء المجتمع.