أصحاب المطابع لا يطلبون سجلاً تجاريًا أو بطاقة ضريبية..ونقابة الصيادلة: لا يجوز للصيدلى قبول روشتة غير مدموغة من «المهن الطبية» 120 جنيهًا تزور روشتات.. والفواتير ب400 جنيه وانصب كما شئت «120 جنيهًا، وبعض الوقت تذهب إلى منطقة العتبة».. هذا كل ما تحتاجه لانتحال صفة طبيب أمراض مخ وأعصاب، والحصول على «روشتات طبية» باسمك، تكتب فيها أى دواء يدخل ضمن قائمة الأدوية المخدرة الممنوع صرفها إلا بإذن الطبيب. «الصباح» خاضت المغامرة، واقتحمت مقر تزوير «الروشتات الطبية»، على مدى عدة أيام، لرصد مخالفات يرتكبها «شارع محمد على بأكمله» كل من فيه يكسبون قوت يومهم من تزوير الفواتير والروشتات والأختام. الدخول إلى الشارع ليس سهلا، الجميع يتفحص وجوه الغرباء ويتعاملون معهم بتشكك، والشك فيك معناه أنك معرض للخطر، لكن خلال سيرنا فى الشارع عرض بعضهم مساعدتنا، حتى وصلنا لأحدهم، ويدعى «أ.أ»، وقلنا له نريد طباعة روشتات لأننا بصدد فتح عيادة جديدة، وكانت المفاجأة أنه لم يتردد على الإطلاق، ولم يسألنا عما يثبت أننا أطباء، كل ما كان يشغله أن يحصل على مبلغ كبير. أعطيناه البيانات المطلوبة لملء الروشته، وتحمل اسم «معدة التحقيق»، لكن بصفة مغايرة وهى «دكتوراه أمراض المخ والأعصاب، ومدرس بكلية طب قصر العينى»، وأسفلها مباشرة خانة فارغة لكتابة اسم المريض وتاريخ الكشف، وبقية الورقة مخصصة لكتابة الأدوية. وافق صاحب المحل على طباعة 10 دفاتر من الروشتة ب120 جنيهًا، مؤكدا أنه لا يستطيع طباعة أقل من هذا العدد، ووعدنا بتسليمها بعد 48 ساعة، من بدء تنفيذها. فى اليوم المحدد لاستلام الروشتات، تلقينا مكالمة من صاحب المطبعة، يسأل بشكل مريب عن عنوان العيادة، ويقول «متتأخريش عن ميعاد الاستلام»، وذهبنا إليه فى الموعد، ولم يسأل أيضًا عن هويتنا، وهل هذه الروشتات لطبيب فعلا أم لا؟. تسلمنا الروشتات وكتبنا بها بعض الأدوية المعروف، عنها أنها مسلجة فى جدول المخدرات، مثل «كوديين» و«لريكا»، وهما من الأدوية الخطيرة التى تغير الحالة المزاجية للشخص، ولا يصرفان إلا بأمر طبيب، وذهبنا لأكثر من صيدلية، ولم يشك أحد للحظة واحدة أن الروشتة غير سليمة، أو أنها لا تتبع وصفة حقيقية لطبيب، واشترينا الأدوية دون أدنى معاناة. البعض لا يخالف القانون فى الشارع ذاته قابلنا «ع. ب»، صاحب مطبعة أخرى، طلبنا منه أن يطبع لنا الروشتات، فطالبنا بالسجل التجارى والبطاقة الضريبية للعيادة. وأكد لنا أنه لا يعمل فى تزوير مثل هذه الروشتات أو الفواتير، كما يفعل معظم جيرانه فى الشارع، مضيفًا أن التزوير له سعر معين ومتفق عليه بين كل من يعملون فيه، أولا لا يطبعون أقل من 10 دفاتر من النموذج الواحد، وكل محتوى له سعر مختلف، فتزوير الفواتير سعرها أعلى من الروشتات، والفواتير الفردية يبلغ سعر ال 10 منها، حوالى 400 جنيه، أما الفواتير الزوجية، التى تتكون كل فاتورة منها من أصل وصورة، فتصل إلى 600 جنيه لكل 10 دفاتر. واستطرد: إذا رغب العميل فى إضافة تسلسل للفاتورة «وهو رقم يتم طباعته بلون أسود غامق»، أعلى يسار الفاتورة، وهو يدل على تسلسل كل ورقة، فيرتفع السعر إلى 700 جنيه لكل 10 دفاتر، كذلك فإن الفواتير التى يزيد سعرها عن 200 جنية، لا بد أن يكون لها بطاقة ضريبية، ورقم سجل تجارى، وفى هذه الحالة قد يرتفع ثمنها قليلاً، وفقًا لرغبة صاحب المطبعة. وأضاف أن أكثر المترددين على هذا الشارع يطلبون تزوير دفاتر بأسماء الأطباء وعيادات الإدمان، حتى يتثنى لهم صرف أدوية مخدرة، وغالبًا ما تكون ممنوعة من الصرف بشكل رسمى، كذلك الأدوية النادرة، حيث يتم شراء كميات منها، وإعادة بيعها فى السوق السوداء بأسعار مضاعفة. نصب بفاتورة مزورة جميع المحلات أو منافذ المطابع فى هذا الشارع، صغيرة المساحة، لا يتعدى كل منها متر مربع تقريبًا، ولا توجد لافتات باسمها أو اسم أصحابها، جميعهم يعرفون بعضهم البعض جيدًا، وتوارثوا مهنتهم أبًا عن جد. واشتكى عدد كبير من المواطنيين من تعرضهم للنصب، بسبب تزوير الفواتير فى هذا الشارع، وقال «م.ج»: اشتريت ثلاجة، منذ 6 أشهر تقريبا، وبعد شهرين اكتشفت أن بها عيوب صناعة تمنعها من التبريد، ما اضطرنى للاتصال بالشركة لاستبدالها بأخرى، وكانت الصدمة الكبرى عندما حضر مندوب الشركة إلى المنزل، واكتشف أن الفاتورة مزورة وغير معتمدة، وبالتالى الشركة لا يمكن أن تستبدل الثلاجة. تقليد فواتير شركة كمبيوتر كبرى اصطحبت معدة التحقيق، أحد العاملين فى شركة لوازم كمبيوتر شهيرة، إلى الشارع، ووجدنا أمامنا رجل متوسط القامة، يلتفت حوله يمينًا ويسارًا فى ريبة شديدة، ويتفحص المارة بدقة فى حذر شديد، وبمجرد أن اقتربنا من محله، بدأ حديثه معه قائلا: «أى خدمة؟». أخبرناه أننا نعمل فى شركة «ش.ت»، وهى شركة كبيرة فى صناعة أدوات ومستلزمات الكمبيوتر، ونرغب فى ضبط دفتر فواتير، يحمل اسم الشركة لصرف بعض المستحقات منها، وعلى الفور كانت إجابته «هتدفعوا كام؟». بعد مجادلة كثيرة اتفقنا على دفع 50 جنيهًا قيمة تصميم الفاتوة إليكترونيا، وهى تحمل نفس شعار الشركة وعلامتها المائية، لكنه أخبرنا أنه لا يطبع فاتورة واحدة، وأقل عدد يطبعه 10 دفاتر تتجاوز قيمتها 700 جنيه تقريبًا، موضحا أن سبب زيادة المبلغ أن هذه الفواتير يتم طباعتها على ورق حرارى أقل من نصف جرام، وهو ما يتطلب منه مجهودا خاصا لشرائه. الموظفون يزورون الفواتير «العين بصيرة واليد قصيرة».. بهذا المثل الشعبى بدأ إسلام محمد، يعمل فى إحدى شركات الاستثمار، كلامه عن اضطرار بعض الموظفين لتزوير الفواتير، قائلا: إن أحد زملائه كانت له نفقات ومبالغ دفعها فى نثريات، لكن الشركة رفضت تسديدها له، وطلبت فاتورة، ما اضطره لتزير فاتورة باسم محل معين، وخاتم أيضا يحمل شعار هذا المحل، بالإضافة إلى رقم ضريبى وهمى ورقم سجل تجارى غير موجود بشكل فعلى، وقدمها للشركة ليحصل على أمواله. وقد بدأ الأمر بحجة رغبة الموظفين فى استعادة أموالهم من الشركات، إلا أنه تطور ليصبح مصدر رزق البعض، حيث يحصل من خلاله الموظف على عائد قد يكون ثابتًا بعض الشىء، بأن يقدم للشركة فواتير مزورة على فترات متقطعة. وأضاف إسلام أن بعض الشركات، تحاول التأكد من نزاهة الموظف فتطلب منه العودة إلى المحل وإحضار صورة من البطاقة الضريبية والسجل التجارى للمحل. الرقابة غائبة «غير مصرح بصرف روشتات سوى المدموغة من المهن الطبية».. هكذا بدأ هيثم عبدالعزيز، عضو نقابة الصيادلة حديثه، موضحا أنه غير قانونى السماح بصرف روشتة غير مدموغة من «المهن الطبية». وأكد أن من يلتزم بهذا القانون لا يتعدى نسبة ضئيلة جدًا، كما أن الأزمة ليست فى طباعة الروشتة، بل الكارثة الكبرى فى كتابة دواء وصرفه دون أن يكون من قِبل طبيب متخصص. وقال إن الأجهزة الأمنية والرقابية منوط بها التحرك لوقف ما يدور فى هذه المطابع، كما أن إدارة العلاج الحر فى وزارة الصحة، منوطة بالتفتيش على العيادات الخاصة والمستوصفات لتتأكد هل هؤلاء الأطباء يزاولون المهنة بشكل حقيقى أو مزور؟، وما نوعية الروشتات التى يستخدمونها؟، خاصة وأن أدوية المخدرات مثلا من المفروض ألا تصرف إلا على نموذج خاص بها. فى الوقت ذاته قالت سعاد الديب، رئيس جمعية حماية المستهلك، إنه لا بد من تقديم بلاغ رسمى لمباحث التموين، حيث يعد هذا العمل، أحد أنواع الغش أو النصب، وهو ما يعد مخالفة قانونية. وأكد مصدر مسئول بوزارة التموين، أنهم ينزلون فى حملات على جميع المحلات بشكل عشوائى، وأول ما يسألون عنه هو البطاقة الضريبية والسجل التجارى للمكان، وفى حالة عدم وجوده يتم اتخذا الإجراءات القانونية ضده. كيف تكتشف الفاتورة المزورة؟ على الرغم من القدرات الفائقة فى تزوير الفواتير والروشتات، إلا أن هناك أساليب يمكن أن تكتشف من خلالها إن كان المستند مزورًا أم لا؟، وفى مقدمة هذه الأساليب استخدام خاصية «البار كود»، كما قال عمرو أحمد، مهندس فى مجال الكمبيوتر والبرمجيات. وأوضح أن «البار كود» عبارة عن «تمثيل ضوئى لبيانات قابلة للقراءة من قبل الحاسبات، أو شفرة خيطية تمثّل البيانات فى مناطق العُرض، الخطوط والفراغات بين الخطوط المتوازية، ويمكن أن نطلق عليها الرموز أو الشفرات الخيطية، مضيفا: أحيانًا تختلف أشكالها فليس بالضرورة أن تكون خطوطًا، ربما تكون مربعات أو نقاط أو أشكال سداسية، أو أنماط هندسية أخرى، ضمن صور يطلق عليها الرمز أو شفرات، وهذه الشفرات من شأنها أن تحدد إن كانت الفاتورة مزورة أو لا، من خلال مطابقتها بالأصل الخاص بها. وأضاف أنه لا بد من تفعيل هذه الخاصية ليس فى مجال البيع والشراء فحسب، إنما فى الروشتات كذلك، فمثلا يتم تزويدها بخاصية «الباركود»، ويتم تعميمه فى شكل بيانات متداولة بين الصيادلة والأطباء، كشبكة بيانات عامة يتم تسجيلها لدى الجهات المسئولة، وبذلك يصبح الأمر أكثر ضبطًا مما هو عليه الآن. وقال هناك عدة طرق حديثة لم تدخل مصر إلى الآن، منها مثلاً «الماكينة السحرية»، التى تستخدم فى عدد كبير من الدول الأجنبية ووظيفتها الكشف عما إذا كانت القيمة المضافة للفاتورة مزورة أم لا، خلال خمس ثوان، وقد بلغت نسبة دقة الماكينة 98 فى المائة، ويمكنها أن تعالج نحو 13 ألف فاتورة فى اليوم ولا يحتاج العمل عليها إلى تدريب. وأشار إلى أنه على المستهلك أن يسعى دائما للتأكد من صحة الفاتورة، فإذا شك فيها فعليه أن يتوجه للشركة الأصلية بعيدًا عن منافذ البيع، كذلك البحث وراء أى علامة مائية موجودة على الفاتورة، والتدقيق فى الشعارات «اللوجو» الخاص بكل شركة، حيث إنه من المفروض أن يكون لكل شركة علامة مائية أو شعار خاص بها، وهى الوحيدة المسموح لها باستخدامه رسميًا، وفى حالة تقليده من حق الشركة أن تقاضى من يفعل ذلك على الفور.