اضطراب الهوية الجنسية قد يصيب الإنسان وهو جنين.. ويجعله يولد بمخ ذكر فى جسد أنثى أو العكس كلية طب الأزهر فصلت سيد بعد جراحة تغيير الجنس باعتبارها عملية «غير أخلاقية».. والقضاء الإدارى أنصف سالى تخيل أن تحتاج إلى حُكم محكمة كى تثبت هويتك.. تصور كم سيكون قاسيًا أن تنتظر ليالى طويلة كى ينصفك القضاء ويعلن للعالم ما حقيقة تكوينك، هل أنت رجل أم امرأة؟.. هذه الهوية الجنسية التى يعتبرها 99% من سكان العالم من المسلمات البدهية. غير أن سيد عبدالله، أو سالى، كان واحدًا من تلك الاستثناءات التى تعانى اضطراب الهوية الجنسية. عاش سيد تفاصيل تلك القضية المؤرقة التى تحيل حياة أصحابها إلى جحيم لا يُطاق، خاصة بعد أن أصبح رسميًا وفى نظر القانون والطب: سالى. خاضت سالى بعد جراحة بالغة الدقة حروبًا على مختلف الجبهات، كان أصعبها فى مواجهة مجتمع له أحكامه الصارمة إزاء من يغيرون الجنس، فهو نادرًا ما يتعاطف مع حالتهم أو يتفهم التفاصيل والاختلافات القائمة على مسائل نفسية أو حتى جسدية دقيقة.
ضريبة الشهرة هى أشهر قصة صحفية مصرية فى عقد الثمانينيات كله. لن تجد أحدًا لم يعرف بحكاية سيد الذى أصبح سالى، بعد أن هزت أخبار عمليته الجراحية المدهشة مصر كلها من شمالها إلى جنوبها. الجميع كان لهم رأى فى القضية، والأغلبية ترفضها، رغم أنهم لا يملكون الحد الأدنى من المعلومات عن القصة.
سالى محمد عبدالله مرسى، امرأة بحكم المحكمة، فقد حصلت أخيرًا على حُكم من محكمة القضاء الإدارى بأنها امرأة، وبعد رحلة طويلة داخل أروقة القضاء، صار سيد فتاة أمام ملفات الدولة.
تعمل حاليًا ناشطة حقوقية فى مركز «الكلمة» لحقوق الإنسان ومسئولة عن اللجنة الاجتماعية بالمركز، وتعيش مع زوجها وتحيا حياة عاطفية مستقرة.
أشهر امرأة مصرية فى الثمانينيات حصلت على ليسانس حقوق وليسانس آداب قسم إنجليزى، بعد أن تم فصلها من كلية طب الأزهر بسبب عملية التحويل من ذكر إلى أنثى، فأساتذتها لم يكن لديهم أدنى فكرة عن طبيعة معاناتها، والتى تتلخص فى اضطراب الهوية الجنسية. لم يكن من السهل مكاشفة التنفس والعائلة والمجتمع بتلك المسألة، خاصة أن المجتمع جاهزٌ عادة بأحكام قطعية لا تستند بالضرورة إلى أى علم أو معرفة. مجتمع لا يعرف أن اضطراب الهوية الجنسية هو خلل نادر فى الهرمونات قد يصيب الجنين وهو فى رحم أمه، ويسبب اضطرابًا فى الهرمونات المسئولة عن تحديد جنس المولود، وبالتالى يخرج الجنين إلى الدنيا وهو بشخصيتين مثل د. جيكل ومستر هايد: عقل أنثى فى جسد رجل، أو العكس.
بداية الاضطراب
ولدت سالى لأسرة بسيطة. كان والدها موظف بالسكة الحديد وأمها ربة منزل وكان ترتيبها الخامس بين إخوتها الخمسة. بعد سنين طويلة من الاكتئاب والارتياب والرغبة فى الانتحار بسبب شعورها بأنها ليست ولدًا كما يظن الجميع، تم تشخيصها بالمرض فى مرحلة الشباب. بعد أن قادتها رحلة البحث عن حل لحالتها المربكة لها ولمن حولها إلى زيارة أطباء نفسين وأطباء هرمونات، أقر هؤلاء بأنه من الضرورى إجراء العملية فى أسرع وقت، كى يتحول سيد من ذكر إلى أنثى. هكذا قصد سيد عميد كلية طب الأزهر ليطلب منه إجراء الجراحة بجامعة الأزهر نفسها، لكن العميد رفض بشدة بحجة أن مثل هذه العمليات ليس لها وجود بمصر، معتبرًا أن هذا ليس مرضًا من الأساس بل هو شكل من أشكال الفساد الأخلاقى. تم فصل سيد لمدة شهرين فى البداية حتى يعود عن فكرة العملية، ويلغى فكرة التحول الجنسى من رأسه. غير أن سيد كان قد حسم أمره. عقب إجراء فحوصات طبية، تقرر إجراء العملية، التى تمت بنجاح تحت يدىّ الجرّاح د. عزت عشم الله. فى تلك اللحظة الفاصلة، ولدت سالى رسميًا، وتحررت من هوية سيد. بعدها تقدمت سالى بطلب تحويل إلى كلية طب الأزهر بنات؛ لأنها لن تستطيع الاستمرار وسط البنين فى الجامعة، لكن أساتذة الجامعة رفضوا بحسم، معتبرين أن العملية التى أجراها سيد وجعلته سالى عملية غير أخلاقية، وبالتالى لا يستحق أن يبقى فى جامعة الأزهر.
سالى كانت فى السنة الخامسة بكلية طب عام 1988 أى أنها كانت قد اقتربت من التخرج؛ لذا طلبت توقيع الكشف الطبى عليها من قبل الطب الشرعى كى تثبت لكل المختصين أنها تحولت إلى امرأة بالكامل، وأن ما حدث هو تصحيح لاضطراب الهوية الجنسية الذى حوَّل حياتها إلى جحيم.
لا ذكر ولا أنثى اللجنة الطبية الأولى التى تشكلت من 13 طبيبًا من طب الأزهر - اعتبرتهم سالى غير متخصصين- قالت: إنها عقب العملية لا تصلح أن تكون ذكرًا؛ لأن العملية اقتطعت أعضاء الذكورة، ولكنها فى الوقت نفسه لا تصلح أن تكون أنثى؛ لأنها بلا رحم ولا تأتيها الدورة الشهرية. هكذا تعرضت للفصل النهائى من كلية الطب.
عقب فصلها، أحال عميد الكلية أوراقها إلى النيابة العامة بتهمة إجراء عملية غير أخلاقية. وحينها النيابة أمرت بحضور جميع الأطباء المختصين فى هذا المرض وتم تحويله إلى الطب الشرعى، الذى أحالها بدوره إلى فريق طبى «كونسولتو» آخر ضم العديد من الأطباء على رأسهم الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى، الذى كان يعمل حينها مستشارًا لوزير العدل الأسبق. تم توقيع كشف طبى آخر، أقر بأن سالى أنثى وأن العملية كانت ضرورية لتصحيح الخطأ الواقع عليها منذ الطفولة، وأن لجنة طب الأزهر أخطأت فى الكشف الطبى الأول، وعلى هذا الأساس أقامت سالى دعوى قضائية لإلغاء قرار فصلها من الجامعة.