عبوات ناسفة محلية الصنع.. قنابل بدائية.. شقق سكنية وورش «تحت بير السلم»، تم تحويلها إلى أوكار لتصنيع المتفجرات.. عمليات إرهابية متتالية فى القاهرة وبعض المحافظات تُسقط العديد من المصابين والقتلى، وتفتح أبواب الحزن فى مصر على مصراعيها، ويبقى السؤال كيف تقوم جماعات الإرهاب المسلح بتصنيع هذه المتفجرات؟ التى تنفذ بها العمليات الإرهابية التى زادت وتيرتها فى الفترة الأخيرة؟ «الصباح» تكشف من خلال هذا التحقيق سر انتشار هذه القنابل والمتفجرات بدائية الصنع، من خلال إلقاء الضوء على العديد من الطرق السهلة والمتاحة على شبكة الإنترنت التى تقدم وصفات سهلة لصناعة الموت فى المنازل بالاعتماد على مواد متوافرة مثل الأسمدة الزراعية ونشارة الخشب ومواد المنظفات وسكر السنترافيش.
التاريخ الأسود الأعمال الإرهابية من تفجيرات متنوعة سواءً كانت بوضع قنابل متفجرة أو سيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة، ليست وليدة اللحظة بل قديمة تاريخيًا، حيث تعد عملية اغتيال السلطان العثمانى عبدالحميد الثانى عام 1905 على أيدى الانفصاليين الأرمن من أولى عمليات التفجير عن طريق عجلة مفخخة، ثم توالت بعدها العديد من عمليات الاستهداف بالعجلات المفخخة كالتى اعتمدت عليها منظمة الجيش السرى الفرنسى ومافيا صقلية، وفى بداية الستينيات من القرن الماضى تشكلت جماعة الفيت خلال حرب فيتنام، وتوسع تنظيم القاعدة فى العديد من الأماكن حول العالم، فى استخدام أسلوب التفجير خاصة فى العراق وسوريا، وأخيرًا مصر. وكانت أيضًا المنظمات اليهودية أول من استخدم تلك الوسيلة فى بداية القرن العشرين؛ حيث قامت منظمتا «الاتسل» و«ليحى» لأول مرة باستخدام هذا الأسلوب عام 1938، فى الأراضى الفلسطينية، ثم تبعتهما منظمتا «الارجون» و«شتيرن» بتفجير السيارات المفخخة فى عام 1948 كما اتبعت جماعة الإخوان نفس النهج فى تفجيرات القاهرة المنسوبة للجماعة عام 1948، كما انتشرت الظاهرة فى نقاط جغرافية كثيرة من العالم؛ حيث استخدم الجيش الأيرلندى هذه الطريقة لفترة طويلة من الزمن فى أيرلندا الشمالية من قبل الجيش الجمهورى الأيرلندى وفى الشرق الأوسط تم استعمال السيارات المفخخة على نطاق واسع لأول مرة من قبل حزب الله أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. كما تم استعمال السيارات المفخخة من قبل نمور التاميل فى سريلانكا وبعض فصائل المقاومة العراقية بعد غزو العراق عام 2003 إضافة إلى استخدام ذات الأسلوب فى الأردن، كولومبيا، السعودية، الجزائر وغيرها من بلدان العالم وخاصة العراق والتى شهدت استخداما مكثفا لهذا النوع من الإرهاب. وعلى مر السنين كانت جماعات التكفير والهجرة والجهاد والجماعة الإسلامية أبطال استخدام السيارات المفخخة فى عمليات الاغتيال، ومن أشهرها فى مصر محاولة اغتيال فاشلة لوزير الداخلية الأسبق زكى بدر، قرب كوبرى الفردوس فى ديسمبر 1989 من خلال استخدام سيارة مفخخة أثناء مرور الموكب لكن العملية فشلت واشتعلت السيارة دون أنّ تنفجر. ومنذ سقوط جماعة الإخوان فى مصر وعزل رئيسها محمد مرسى، فى 3 يوليو العام الماضى، انتقلت جماعة «أنصار بيت المقدس» للعمل فى مصر واستخدمت أسلوب السيارات المفخخة فى عدة عمليات إرهابية منها ما حدث فى سيناء وتفجير موكب وزير الداخلية؛ وتفجير مبنى مديرية أمن الدقهلية ومديرية أمن القاهرة وعدد من أقسام الشرطة. العبوات الناسفة، هى نوع آخر يستخدمه الإرهابيون حيث قلة الأسعار وسهولة الاستخدام وتحقيق أكبر قدر من الخسائر الناجمة عن التفجير، فأحيانًا يتم وضعها يدويًا بعد إعدادها وتجهيزها للتفجير وضبطها على أوقات معينة، وهذا يعد نوعًا بدائيًا، أما النوع الأحدث والمنتشر جدًا فى العراق وخاصة فى كركوك والموصل وأيضا جنوبلبنان حيث يتمركز «حزب الله» فيتم ربط العبوات الناسفة بدائرة إلكترونية دقيقة وربطها بشريحة هاتف محمول لاستقبال الإشارة عن بعد، وبمجرد الاتصال عليها عن بعد يتم التفجير، ويحدث أكبر خسائر فى المنطقة المحيطة بها. وأوضح مصدر أمنى أن أكثر منطقة فى الشرق الأوسط تمت بها تفجيرات هى ضاحية جنوبلبنان رغم ما بها من تشديدات أمنية بالغة تابعة لحزب الله، وذلك عن طريق تفجيرات بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة وهو نفس الأسلوب الذى انتقل لمصر، والمعزول محمد مرسى هو من أفرج عن أغلب المتورطين فى تلك التفجيرات، كما رفع أسماء الكثيرين منهم من قوائم الترقب والممنوعين من السفر فيما عرفت بقضية «العائدون من ألبانياوأفغانستان».
أسمدة أوضح المقدم محمد نبيل رئيس وحدة المفرقعات بالإسماعيلية ل«الصباح»، أن المتفجرات التى تم استخدامها فى الفترة الأخيره تمت صناعتها من نوعيات من الأسمدة الزراعية التى يتم صنعها فى الأساس من مواد النترات والأمونيا، كما أنهم استحدثوا طريقة جديدة يتم من خلالها وضع نشارة الخشب وخلطها مع مواد كيمياوية خاصة بالاشتعال، وبذلك تكتمل المواد المتفجرة، حيث كانت الطريقة القديمة فقط هى مادة ال «تى إن تى»، والتى كانت تعد المادة الأساسية للمفرقعات سواء السائلة أو الصلبة، مؤكدًا بأن المواد التى يصنع منها المتفجرات رخيصة الثمن بالنسبة للمواد الأصلية. خبراء المفرقعات فى مصر أوضحوا أن العبوات الناسفة سابقًا كان يتم تفجيرهاعن طريق الأسلاك لكن مؤخرًا صنعت عبوات حديثة تعمل عن طريق التقاط صورة لعجلات السيارات، وتبرمج عن طريق شريحة إلكترونية، وعندما تمر تلك العجلة تنفجر العبوة، حيث إن مواد السماد الزراعى الكيماوى الذى يخلط مع البنزين يمكن أن يحدث انفجارًا كبيرًا، وكان البارود الأسود يعتبر من أول أنواع المتفجرات التى عرفها التاريخ، فى عام 1300 تقريبًا وهو عبارة عن خليط مكون من فحم الكربون والكبريت ونترات البوتاسيوم، إلى أن حل محله الديناميت الذى توصل إليه العالم السويدى ألفريد نوبل عام 1867، فيما طور العلماء بعد ذلك هذا المركب، الذى يعتمد فى أساسه على مادة النيتروجلسرين ليصبح أكثر تدميرًا، وتوصل العلماء بعد ذلك إلى مواد كثيرة ذات قدرات تدميرية عالية، مثل مركبات CX وPDX، وأزيد الرصاص وفلمونات الزئبق، وكثير من هذه المواد يباع فى الأسواق، حيث إنه يدخل فى كثير من الصناعات، ولكن الإرهابيين يقومون بشراء مثل هذه المواد لاستخدامها فى أعمالهم الإجرامية غير المشروعة. الأخطر من ذلك والذى رصدته «الصباح» هو أن أعمال المناجم والمحاجر تعد المتهم الأول فى هذا النوع من التجارة المحرمة، حيث إن الشركات العاملة فى هذا المجال تتسلم كميات معينة من مادة T.N.T شديدة الانفجار والبارود، شديدة الانفجار لاستخدامها فى أعمال تفتيت الحجارة فى الجبال، ولكن لا توجد وسيلة لتحديد الكميات التى يتم استخدامها فى العمل داخل المناجم والمحاجر، حيث إن بعض العاملين فى هذا المجال يقومون بتوفير كميات من المواد المتفجرة التى يحصلون عليها ويقومون ببيعها فى السوق السوداء بأسعار مرتفعة جدًا، وتحقق لهم أرباحًا خيالية، أكثر بكثير مما تحققه لهم أعمالهم العادية فى سنوات بأكملها، كما أن هناك أيضا كميات من هذه المواد يتم الحصول عليها عن طريق السرقة، وكل هذه المواد يتم توجيهها للأعمال الإرهابية.
البارود الأسود فى السياق ذاته، كشف الدكتور أيمن الجندى، أستاذ الكيمياء، أن الإرهاب لم يعد مقتصرًا الآن على استخدام المواد المتفجرة المعروفة من قبل، مثل مادة T.N.T شديدة الانفجار أو البارود، إنما هناك مواد مستحدثة، منها مواد كيمياوية متاحة فى الأسواق يضاف إليها البارود الأسود الذى يستخدم فى تصنيع البمب والصواريخ الخاصة بلعب الأطفال، لتصنيع مادة شديدة الانفجار، ورغم أن مادة حمض النيتريك ومشتقاته من المواد المحظور بيعها إلا أن البعض يستطيع التوصل إليها، وبإضافتها إلى البنزين بكميات معينة تنتج مادة شديدة الانفجار، كما أن الألغام الموجودة فى الصحراء الغربية تحتوى على كيمات كبيرة من مادة T.N.T، وهناك بعض البدو يستطيعون استخراج هذه الألغام وبوضعها فى الماء الساخن، يمكنهم استخراج هذه المادة ويبيعونها فى السوق السوداء، أما الأمر الأخطر فهو أن حمض النيتريك الذى يستخدم فى صناعة الأسمدة الزراعية. يمكن استخدامه فى تصنيع المتفجرات، وهذه المواد من الصعب فرض رقابة عليها، وبالتالى قد تصل إلى من يستخدمونها بشكل خاطئ. وعلى الصعيد الاستراتيجى، أوضح اللواء طلعت مسلم أن صناعة المتفجرات ليست سهلة ولا صعبة لكنها ممكنة، والمسألة تتوقف على نوع المتفجرات، فهناك متفجرات سهلة وبسيطة مثل البارود الأسود، وهناك مواد معقدة مثل T.N.T وألتراى نتيروسيليلوز، وقد تمكن الإرهابيون من استخدام مواد أخرى مع المتفجرات لتزيد من قوتها التدميرية مثل المسامير والبلى، وكل هذه المواد وبعض المواد الكيميائية التى تستخدم فى صناعة المتفجرات لا يمكن منعها لأنها تدخل فى كثير من الصناعات الأخرى، مؤكدًا على أنه على الرغم من وجود رقابة على تجارة المواد القابلة للانفجار فى الشركات والمصانع الكبرى، إلا أن الورش الصغيرة لا رقابة عليها، لذلك قد تكون هذه بابًا خلفيًا لتجارة هذا النوع من المتفجرات، وأن من قاموا بتجهيز السيارات المفخخة فى الفترة الأخيرة أشخاص على أعلى مستوى من التدريب على تركيبها وتجهيزها، وهناك آخرون هم المسئولون عن التنفيذ غير الذين جهزوا، والذين تم القبض عليهم مؤخرًا اتضح أنهم تلقوا تدريبات فى الخارج لدرجة أنهم وصلوا لدرجة خبراء مفرقعات ومعظمهم خريجو كليات علوم وهندسة وطب وغيرها من الكليات العلمية المتخصصة، وأغلبهم عائد من الخارج خاصة ممن شاركوا فى حروب أفغانستان وسوريا وليبيا. وأضاف رئيس وحدة المفرقعات بالإسماعيلية أن المتورطين فى الانفجارات الأخيرة منتشرون على هيئة خلايا نائمة فى المحافظات ويضعون لأنفسهم أهدافًا محددة لتنفيذها بعد التواصل مع بعضهم البعض. كما طالب بثلاثة أمور لمواجهة تلك العمليات الإرهابية وأولها تجفيف منابع تمويل تلك الجماعات، والتى تأتى من الخارج عن طريق تحويلات بنكية أو أغنياء من الداخل والتى تشترى من خلالها تلك المواد، ولن يتم ذلك إلا من خلال أجهزة معلوماتية حكومية، وثانيًا أن يقوم الاعلام بتخصيص برامج تثقيفية لرفع الثقافة الأمنية للمواطنين، وكيفية التعامل مع المفرقعات، لأن الأمر الأخطر فى كل هذا هو الفضول لدى الأهالى والذين يعوقون أعمال الأمن بما يفعلون، والثالث هو زيادة الثقافة والكفاءة الأمنية لدى رجال الشرطة لأن الأغلب منهم لا يعلمون شيئًا عن المتفجرات أو التعامل معها مثلهم مثل المواطنين وعلى وزارة الداخلية إمدادهم بالدورات التدريبية المتخصصة. فى السياق ذاته، أكد مصدر أمنى بجهاز الحماية المدنية - طلب عدم ذكر اسمه- أن مساعدة المواطنين بالإبلاغ والإرشاد والكشف عن مصدر التفجير يساهم بنسبة 80% من إبطال مفعول أى مصدر انفجار، وال20% الباقية هى مسئولية الأمنيين والفنيين من خلال إجراءات إبطال مفعول العبوة الناسفة أو القنبلة، مشددًا على ضرورة أن تكون بلاغات المواطنين جدية وحقيقية ومبنية على ثوابت، لأنهم فى الفترة الأخيره تلقوا آلاف البلاغات الوهمية عن وجود قنابل ومتفجرات حتى وصلت لدرجة البلاغات الكيدية من الجيران لبعضهم البعض، وهى مهزلة تحمل وزارة الداخلية والحماية المدنية فوق طاقتها.
مواقع صناعة المتفجرات ولم يعد تصنيع قنبلة بدائية أو عبوة ناسفة بالأمر الصعب، بل يمكن لأى شخص أن يتعلم هذه العملية ويتقنها فى غمضة عين، حيث يمكن من خلال ضغطة زر واحدة على محرك البحث جوجل على شبكة الإنترنت، الوصول إلى حوالى 140 ألف نتيجة تجيب عن سؤال كيفية تصنيع المتفجرات، وبعض المواقع الإلكترونية والمنتديات تحتوى على أفلام فيديو ودروس تفصيلية حيث طرق تصنيع القنابل والأسلحة وكاتم الصوت، وطرق تصنيع السموم المختلفة، وتصنيع العبوات الناسفة والمؤقتات ووسائل التفجير عن بعد، وحتى كيفية صناعة الصواريخ، وبعض هذه المواقع يحتوى على طرق تصنيع القنابل بوسائل بسيطة ومواد سهلة الحصول عليها، منها الأسمدة الزراعية والجلسرين والمنظفات، ومواد التفجير التى تستخدم فى أعمال المناجم والمحاجر. وعلى سبيل المثال تقدم إحدى الصفحات على موقع «فيسبوك» ما أسمته «أسهل طريقة لصناعة الخلائط المتفجرة»، وهى عبارة عن «3 كجم سماد يوريا + 125 جرام فحم مطحون ناعم + 250 جرام بودرة ألومنيوم + 75 جرام سكر مطحون ناعم بودرة «سنترافيش» + 170 جرام نشارة مطحونة ناعمة جدا»، وطريقة التحضير هى وضع السماد فى إناء زجاجى أو خزفى، ويضع فيه قطعة فحم مشتعلة وتحرك حتى يتحول اللون إلى اللون البنى الفاتح ثم نرفع الفحم ونضع السكر ونحرك حتى يتم المزج جيدًا ثم توضع المواد فوق قطعة قماش حتى ينشف المزيج جيدًا، ثم يضاف الفحم والنشارة الناعمة جدًا وبودرة الألومنيوم، والحصيلة حشوة متفجرة قوية جدًا.