أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً، يناقش من خلاله الاتجاهات العالمية لسوق الدواء، وتجارب دولية معنية بالصناعة، وأهم السياسات والإصلاحات التى قامت بها، والفرص والشراكات المحلية للنهوض بقطاع الدواء. وأشار المركز إلى أن قطاع الدواء يُعَد من أكثر القطاعات حيوية وأهمية فى منظومة الرعاية الصحية العالمية؛ نظرًا لدوره المحورى فى حفظ الأرواح وتحسين جودة الحياة؛ فلا يقتصر على إنتاج العقاقير فحسب، بل يمتد ليشمل سلسلة مترابطة من البحث العلمى، والتطوير التقنى، والتصنيع، والتوزيع، وصولًا إلى الاستخدام الآمن والفعال من قبل المرضى. وأفاد المركز بأن عملية إنتاج الدواء تتضمن عدة مراحل تبدأ بالبحث والتطوير، مرورًا بالحصول على الموافقة التنظيمية، التى تسمح ببيع الدواء فى السوق، وصولًا إلى مرحلة التسويق النهائية. وتختلف الخطوات والمتطلبات المحددة باختلاف أنواع الأدوية والشركات المصنعة والدول، وبشكل عام، هناك فئتان من التصنيع المطلوب لإنتاج الأدوية: مصنعو المكونات الصيدلانية النشطة (ActivePharmaceutical Ingredient)، الذين ينتجون المكونات الخام المستخدمة فى الدواء، ومصنعو الشكل النهائى، الذين يقدمون المنتج النهائى، الذى يُباع فى السوق ويستهلكه المريض. وأوضح المركز أن قيمة سوق الدواء عالميًّا بلغت 1.4 تريليون دولار فى عام 2023، وتُعد سوق أمريكا الشمالية، التى تشمل الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا أكبر سوق فى العالم بحصة بلغت 53.3٪، لتتقدم على أسواق أوروبا والصينواليابانوأمريكا اللاتينية البالغة 22.7٪ و7.5٪ و4.3٪ و4.2٪ على التوالى. أشار التقرير إلى أنه وفقًا لمؤسسة فيتش، من المتوقع أن تصل مبيعات الأدوية عالميًّا إلى 1.7 تريليون دولار خلال عام 2025، بمعدل نمو سنوى 5.3٪، مقارنة بعام 2024، ويُتوقع أن تظل الأسواق المتقدمة، تستحوذ على الحصة الكبرى للمبيعات بنسبة 64٪، إلا أن الأسواق الناشئة سوف تتفوق على الأسواق المتقدمة من بشأن سرعة النمو؛ وسوف تسجل نموًّا بنسبة 6.3٪ فى 2025، مقارنة ب 4.4٪ فى الأسواق المتقدمة؛ ما يعكس ازدياد أهميتها فى سوق الدواء العالمية. وعلى مستوى الدول، فمن المتوقع أن تحتل الولاياتالمتحدة المركز الأول فى مبيعات الأدوية بنحو 491.2 مليار دولار، تليها الصين بنحو 284.9 مليار دولار، ثم اليابان فى المركز الثالث بنحو 100.4 مليار دولار. ومن المتوقع أن تحقق الهند مبيعات دوائية تعادل 35.5 مليار دولار، وهو ما سيتجاوز مبيعات إسبانيا المتوقعة البالغة 34.8 مليار دولار. ونتيجة لذلك، سوف تحتل الهند خلال عام 2025 المرتبة التاسعة، بشأن حجم سوق الأدوية، مع تراجع إسبانيا إلى المركز العاشر. وبحلول عام 2028، من المتوقع أن يصل حجم سوق الدواء فى الشرق الأوسط إلى 36 مليار دولار، وفى إفريقيا إلى 28 مليار دولار. ولفت التقرير إلى أن التجارب الدولية فى قطاع الدواء تُعَد مرجعًا مهمًّا لفهم كيفية بناء صناعة دوائية قوية وفعالة تواكب المتغيرات الصحية والاقتصادية العالمية، وقد أظهرت دول مثل: المغرب والهند والسعودية، مدى قدراتها على النهوض بالقطاع. ومن خلال استلهام الدروس المستفادة من هذه التجارب الرائدة، يُمكن لمصر صياغة سياسات فعالة تُسهم فى تحقيق الأمن الصحى وزيادة تنافسية قطاعها الدوائى على المستويين الإقليمى والعالمى. واستعرض التقرير أهم التجارب الدولية فى صناعة الدواء منها؛ تجربة المغرب فى قطاع الدواء، ويمتلك المغرب تجربة رائدة فى صناعة الأدوية؛ باعتبارها ثانى أكبر منتج للدواء فى إفريقيا، وضمن أكبر خمس دول رائدة فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وتصل القدرة الإنتاجية السنوية للمغرب إلى 450 مليون وحدة منتجة. وفى عام 2023، بلغت صادرات المغرب من الأدوية 158 مليون دولار؛ ما يعكس دوره البارز فى دعم القطاع الصحى إقليميًّا ودوليًّا. ■ أبرز الإصلاحات والإنجازات التى قام بها المغرب: 1- التشريعات والتنظيمات: وضع المغرب أكثر من 20 نصًّا قانونيًّا لتقنين صناعة الأدوية، شملت تخفيض أسعار 2000 دواء بنسبة تتراوح بين 20٪ و80٪، وتنظيم عملية التوزيع والبيع لتحقيق العدالة الصحية. 2- التغطية الصحية الشاملة: سعت الحكومة المغربية لتحقيق التغطية الصحية الشاملة، عبر تطوير نظام التأمين الصحى، بدءًا من إطلاق التأمين الإجبارى عن المرض (AMO) عام 2005، الذى يغطى العاملين النظاميين، وبرنامج المساعدة الطبية (RAMED) لتغطية العاملين غير النظاميين والفئات الهشة. وفى عام 2022، دمجت الحكومة النظامين فى برنامج مُوحَّد هو التأمين الإجبارى الأساسى عن المرض، ما يتيح لجميع المواطنين، بمن فيهم غير النظاميين، تلقى الرعاية الصحية من مرافق القطاعين العام والخاص دون دفع اشتراكات إضافية. وأكد التقرير أن التجربة المغربية قد حظيت بإشادة من جهات دولية، مثل منظمة الصحة العالمية التى اعتبرتها نموذجًا يُحتذى به فى القارة الإفريقية. - تجربة الهند فى قطاع الدواء: تُعرَف الهند بأنها «صيدلية العالم»؛ نظرًا لدورها فى توفير اللقاحات والأدوية الأساسية والإمدادات الطبية فى أثناء جائحة كوفيد-19 وما بعدها. وقد أظهر القطاع قدرات ابتكارية، وأثبت نفسه كعضو أساسى فى سلسلة القيمة للدواء عالميًّا. ■ أبرز سياسات وإنجازات الهند: 1- تبنَّت الهند مبادرة لتطوير قطاع الأدوية، من خلال إنشاء إدارة منفصلة فى يوليو 2008، وتتولى الإدارة مسؤولية إعداد السياسات والتخطيط والتطوير وتنظيم الصناعات الدوائية. 2- وقدمت الهند العديد من الإصلاحات، وواصلت الحكومة الهندية مؤخرًا فى موازنة عام 2024/ 2025، سياساتها لدعم صناعة الأدوية، ومن بين هذه التدابير خصصت الحكومة 120 مليون دولار للترويج للأدوية للسنة المالية 2024/2025، بزيادة كبيرة عن العام السابق، إضافة إلى زيادة إجمالى الإنفاق على تطوير صناعة الأدوية (156.5 مليون دولار)، ورفع ميزانية الترويج للمجمعات الصناعية للأجهزة الطبية إلى 18 مليون دولار للسنة المالية 2024/2025. - تجربة السعودية فى قطاع الدواء تحظى المملكة السعودية بمكانة كبيرة، (أكبر سوق للأدوية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا)، ومن المتوقع أن ترتفع مبيعات الأدوية فى السعودية من 11.9 مليار دولار، خلال عام 2024 إلى 12.2 مليار دولار فى عام 2025، مسجلةً ارتفاعًا سنويًّا بنسبة 5.1٪، وبحلول عام 2029، سوف ترتفع هذه القيمة إلى 15.8 مليار دولار، مسجلةً معدل نمو سنويا مركبا لمدة خمس سنوات، بنسبة 5.2٪، ومن المتوقع أن تنمو السوق بمعدل نمو سنوى مركب، لمدة عشر سنوات بنسبة 5.5٪ حتى عام 2034، ليصل إلى 22.1 مليار دولار. ومن أبرز السياسات والإصلاحات التى قامت بها السعودية: 1- افتتاح مصنع أدوية الأورام (2023): تم افتتاح أول مصنع لإنتاج أدوية الأورام فى مدينة سدير الصناعية، وهو إنجاز مهم يُسهم فى تحقيق الاكتفاء الذاتى فى مجال الأدوية المتخصصة، وهذا المصنع يُعَد خطوة استراتيجية نحو تقليل الاعتماد على الواردات وتوفير أدوية الأورام بأسعار منافسة للسوق المحلية والإقليمية. 2- تأسيس صندوق الاستثمارات العامة السعودى فى عام 2023 شركة الاستثمارات الدوائية لايفيرا «Lifera» لدعم صناعة الأدوية الحيوية، بهدف تعزيز مكانة المملكة كمركز عالمى لصناعة الأدوية الحيوية. 3- الاستراتيجية الوطنية للتقنية الحيوية: تستهدف الاستراتيجية ترسيخ مكانة المملكة العربية السعودية كمركز إقليمى وعالمى للتكنولوجيا الحيوية، مع تأثير واسع النطاق فى مجال التصنيع الحيوى والابتكار الطبى. وتمثل هذه الاستراتيجية بداية رحلة تحولية، ليس فقط للمملكة، بل لمشهد التكنولوجيا الحيوية العالمى، ومن خلال إعطاء الأولوية للاتجاهات الاستراتيجية المتمثلة فى تعزيز الاكتفاء الذاتى للمملكة العربية السعودية فى اللقاحات والتصنيع الحيوى وعلم الجينوم، وفتح آفاق قطاع عالى النمو، وتشجيع الابتكار، وتحسين صحة ورفاهية مواطنيها. أشار التقرير إلى أنه طبقًا «لمؤسسة فيتش» من المتوقع أن تنمو مبيعات الأدوية فى مصر من 5.1 مليار دولار، خلال عام 2024 إلى 5.7 مليار دولار فى عام 2025، وبحلول عام 2029، سوف تبلغ قيمة السوق 6.8 مليار دولار، بمعدل نمو سنوى مركب قدره 6٪، وبحلول عام 2034، سوف ترتفع قيمة السوق إلى 7.8 مليارات دولار، بمعدل نمو سنوى مركب قدره 4.3٪. ومن المتوقع أن يظل نصيب الفرد من الإنفاق الدوائى مستقرًّا بشكل نسبى؛ ليرتفع بشكل معتدل من 44.6 دولار فى عام 2024 إلى 58.8 دولار بحلول عام 2034، بفضل التعديلات الحكومية المستمرة على التسعير بهدف ضبط الإنفاق الإجمالى. ■ استراتيجية الدولة المصرية يُشكِّل النهوض بقطاع الدواء أولوية استراتيجية للدولة المصرية؛ لضمان الصحة العامة وتحقيق الاكتفاء الذاتى، وقد تمثلت أبرز جهود الدولة فى هذا القطاع فى التالى: - إنشاء مدينة الدواء «جيبتو فارما»، أحد أهم المشروعات القومية، التى سعت الدولة إلى تنفيذها، بهدف توفير علاج دوائى آمن وفعّال وعالى الجودة، وتعزيز الأمن الدوائى والحد من الممارسات الاحتكارية. - قانون الاستثمار 72 لسنة 2017 الذى يوفر حوافز ضريبية للمستثمرين فى القطاعات المتعددة مثل قطاع الأدوية؛ حيث يقدم القانون حافزًا استثماريًّا فى هيئة خصم على الأرباح الصافية الخاضعة للضريبة بنسبة 30٪ أو 50٪ من التكلفة الاستثمارية على حسب المنطقة الجغرافية. - إعلان الشركة المتحدة للأدوية ومقرها مصر، وهى شركة تابعة للشركة العربية للصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية (أكديما) فى عام 2024، وسوف تبدأ فى تصدير الأنسولين المصنع محليًّا إلى كوبا. ويمثل هذا التعاون التجارى أول دخول لمصر إلى سوق الأدوية فى أمريكا اللاتينية. - حصول مصر على عضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الإفريقية، ممثلة عن إقليم الساحل والصحراء، لتعزيز تكامل قطاع الأدوية الإفريقى، وتسهيل نفاذ الأدوية المصرية فى القارة الإفريقية. وأكد التقرير أن قطاع الدواء، من أهم الركائز التى يقوم عليها النظام الصحى فى أى دولة، ليس فقط لدوره العلاجى، بل لأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والبحثية، وقد أثبتت التحديات العالمية، مثل جائحة كوفيد- 19، أن الاستثمار فى هذا القطاع لم يَعُد خيارًا، بل ضرورة وطنية لتعزيز الأمن الصحى والاستعداد لمواجهة الأزمات، وأن مواكبة التطورات العلمية، وتبنى سياسات داعمة للبحث والابتكار، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، خطوات أساسية لضمان قطاع دوائى فعّال وآمن ومستدام، يخدم الإنسان فى كل زمان ومكان.