تساءلت صحيفة "معاريف" الاسرائيلية، بعد 25 عاما على اغتيال الشهيد خليل الوزير (ابو جهاد)، حول جدوى ذلك الاغتيال، مشيرة الى ان ذلك سبب الضرر لاسرائيل اكثر مما نفعها. وقالت الصحيفة ان "تصفية أبو جهاد كانت المرة الأولى التي تحاول فيها إسرائيل تغيير سياق التاريخ من خلال قتل زعيم عربي بارز، بعد ثلاث سنوات من ذلك قاد ايهود باراك كرئيس للأركان عملية اغتيال زعيم حزب الله عباس الموسوي، وجاء نصر الله الذي كأن اقوى منه، وخلال ولاية نتنياهو الأولى كرئيس للوزراء، حاولت إسرائيل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل والمحاولة الفاشلة عززت من قوة مشعل، لكن كان هناك عمليات اغتيال ناجحة كتلك التي استهدفت فتحي الشقاقي في مالطا عام 1995، واغتيال احمد ياسين في 2004، واغتيال كبار رجالات حماس التي ساهمت في عمليات هجومية. وتتساءل الصحيفة "ماذا بالنسبة لتصفية أبو جهاد؟" بعد 25 سنة من الاغتيال، هناك شكوك كبيرة بأن تكون فيها منفعة لإسرائيل ؟؟ فالعملية لم تدخل أبدا في إطار العمليات البطولية ل "سييرت متكال" مثل عملية "ربيع الشباب" في بيروت (1973)، التي استعاد ذكراها المشاركون فيها بحماسة المرة تلو الأخرى، أما عن العملية في تونس فلا يتحدثون، ووزير الدفاع حديث العهد "موشيه يعلون" رفض هو الآخر الحديث عنها هذا الأسبوع. أحد قادة وحدة "سييرت" يقول للصحيفة "صعب جدا القول أن العملية أثرت في سياق التاريخ، فهي بالأساس أثارت المناطق وحمست الانتفاضة، وكان لتصفيته تأثيراً أمنيا سلبيا فقط، بالاضافة للضرر الذي ألحقته العملية بإسرائيل على المستوى الدولي وفي العلاقات بعيدة المدى مع الفلسطينيين". وكشفت صحيفة معاريف الاسرائيلية أمس، النقاب عن تفاصيل وصفتها ب "الجديدة"، حول اغتيال نائب رئيس منظمة التحرير خليل الوزير "ابو جهاد"، في تحقيق شارك به الصحفيان الإسرائيليان "عمير ربابورت" و"موريا بن يوسف". وجاء في بداية التحقيق الصحفي: "بعد 25 سنة من اغتيال أبو جهاد، هناك شكوك في إسرائيل حول جدوى هذه العملية، والمنفعة التي حققتها مقابل الضرر في السمعة العالمية، وفي العلاقات بعيدة المدى مع الفلسطينيين.. الحدث الذي كان يفترض به أن يغير وجه الشرق الأوسط وقع قبل 25 سنة، في 16 نيسان 1988 حين تمكن مقاتلان من وحدة "سييرت متكال" الخاصة -احدهما كان يتخفى في زي امرأة - اقتربا من فيلا الوزير، في مدينة تونس على شاطئ البحر المتوسط. وأشار التحقيق إلى أن عدة خطط وضعت لاغتيال أبو جهاد مسبقاً ولم تنفذ، لكن مع نهاية عام 1987 تلقت وحدة "سييرت متكال" التي كان يقودها المقدم "موشيه يعلون" (والذي أصبح لاحقاً رئيساً للأركان وعين مؤخراً وزيراً للدفاع) أمراً للاستعداد لتنفيذ الاغتيال، وفي نفس الفترة كانت المناطق الفلسطينية تشتعل عقب اندلاع الانتفاضة الأولى، وكانوا في إسرائيل يعتقدون أنه من الممكن تصفية الانتفاضة بقتل أبو جهاد. ونوهت الصحيفة إلى أن نائب يعلون في تلك الفترة كان الضابط "ناحوم ليف" والذي قتل في حادث طرق عام 2000، واصفة إياه بأنه أحد المقاتلين الاسطوريين في تاريخ الوحدة العسكرية وأكثرهم التزاما وجسارة منذ الأزل، وقد عين في العملية ك "استراتيجي" مهمته ليست قيادة العملية في الميدان فقط، بل أيضاً إعداد الخطة واختيار المشاركين فيها وفقاً للمهام التي سيكلفهم بها. وأضافت: كلفت القيادة السياسية "سييرت متكال" بمهمة اغتيال أبو جهاد، وتقرر أن تتم العملية على أرض تونس، وبدأ التعاون بين الوحدة والكوماندوز البحري الذي كان مهمته نقل عناصر "متكال" إلى تونس عبر البحر وبشكل سري، فيما كان هناك خيار آخر بأن تبدأ العملية عبر استخدام مروحيات سلاح الجو وهبوطها بشكل مفاجئ، إلا أنه لم يتم الاستقرار إلا على خيار الاغتيال بالخطة الأولى والتي شهدت نزاعاً بين رجال سلاح البحرية الذين طالبوا باعتبار قائد الكوماندوز كقائد أعلى للعملية أما في وحدة "سييرت" فرفضوا ذلك .. وجرى حينها نقاش بين نائب رئيس الأركان حينها "ايهود باراك" ورئيس شعبة الاستخبارات "آمنون شاحاك" .. وقال موشيه يعلون لرجال سلاح البحرية إنهم إن لم يتخلوا عن طلبهم فسيختارون الوصول إلى الهدف مع سلاح الجو وليس معهم وبعد هذا التهديد أصبح عناصر البحرية شركاء في العملية بناءً على قرار هيئة الأركان". وتابعت: "الموساد كان له الدور المركزي في العملية، حيث كان رجاله منتشرين بشكل كبير في مدينة تونس، فقد جمعوا المعلومات الكاملة عما يجري في المدينة، خاصة "فيلا" ابو جهاد التي كانت تقع في قلب المدينة، قرب العديد من منازل كبار رجالات منظمة التحرير، من بينهم الرئيس محمود عباس". تتابع الصحيفة نقلاً عن مصدر مقرب من آيال رجونيس "أعد آيال المعلومات الاستخبارية الممتازة للعملية وأصبح على إطلاع كامل حول كل شيء داخل وخارج الفيلا والمنطقة المحيطة، كان يعرف أين تعلق كل صورة داخل الفيلا، كم درجة في المنزل وغيرها من التفاصيل، كانت له معلومات دقيقة للغاية، وخلال فترة الاستعدادات للعملية كان يعلون، يصل إلى بيت رجونيس ويقومان بدراسة الخطة". وتواصل "مدينة تونس تقع على خرائب (كارتيغو القديمة)، والمسافة بين شاطىء تونس – كارتيغو ومنزل ابو جهاد كانت 5 كم، لهذا فقد تقرر اجراء تدريبات على العملية في "الفيلل" بمنطقة "رمات هشارون" في اسرائيل، التي تقع على مسافة مشابهة عن شاطيء تل باروخ، وبهدف التدريب حصل سكان البلدة على مفاتيح الفيلل التي سافر أصحابها للخارج وكانوا مستعدين لتقديمها لصالح "السييرت". ويشير تحقيق الصحيفة إلى أنه وحسب خطة العملية، فقد طلب على سبيل التجربة من احد عناصر الوحدة ان يتجول كامرأة في المجمع التجاري بآيالون، وقد نجحت التجربة."ومع بداية عام 1988 قررت القيادة السياسية تأخير العملية في تونس، وبعد وقت قصير جاء الضوء الأخضر عقب العملية التي عرفت باسم "باص الامهات"، قرب ديمونا في 8 اذار 1988 حيث تسلل مسلحون من مصر سيطروا على باص كان يقل عاملات من وزارة الدفاع إلى بحث نووي وقتلوا ثلاثة من مسافريه، وعقد اجتماعا بحضور رئيس الوزراء حينها اسحاق شامير، ووزير الدفاع اسحاق رابين، ووزير الخارجية شميعون بيرس، ورئيس الاركان دان شمرون ونائبه ايهود باراك ورئيس شعبة الاستخبارات امنون شاحاك، ومستشار شؤون الإرهاب يغئال بارسلر، ورئيس الموساد ناحوم ادموني ونائبه شبتاي شفيت، وذلك لتقرير مصير أبو جهاد. وتلقى رجال "سييرت متكال" والكوماندوز البحرية الأمر مجدداً بالاستعداد للبدء في العملية، وأعادوا تنفيذ تدريباتهم حيث كانت رحلتهم البحرية إلى تونس طويلة، لكن البحر كان هادئاً، وقد شاركت خمس سفن مزودة بالصواريخ، وبدأت العملية قبيل وصول قوات الجيش إلى الشاطئ حين استأجر اثنان من رجال الموساد وعميلة ثالثة سيارات من نوع "فولسفاجن ترانسبورتر" من ثلاث شركات تأجير مختلفة في تونس، ومكثوا في المدينة بهويات لبنانية مزيفة ودفعوا النقود على كل السيارات على حدة. بدء الهجوم"كانت الساعة الثانية فجرا عندما انتشر مقاتلو "السييرت" في أربع خلايا مختلفة بصمت خارج فيلا ابوجهاد الذي كان مستيقظا، وأول من وصل للمنزل ناحوم ليف و"المقاتل في زي امرأة"، وقاموا بتصفية الحارس، وكان ذلك إشارة لبداية الهجوم، فيما قامت إحدى الخلايا بقتل عامل الحديقة الذي كان في ساحة البيت، بينما مجموعة صغيرة من المقاتلين دخلت الفيلا، بعد أن اقتحمت الباب بواسطة معدات آلية حملتها معها، وقامت بقتل حارس آخر لأبو جهاد في قبو الفيلا". تقول زوجة ابو جهاد "انتصار الوزير": أبو جهاد كان يجلس على الطاولة ودفعها ثم نهض بسرعة وتناول مسدسه من الخزانة، فسألته ماذا حصل؟ حينها سمعت صوت اقتحام للباب من الأسفل وصراخ اشخاص، وعلى الفور فهمت الأمر. "صرخت على أبو جهاد ولم يجبني، كان يترجل نحو باب غرفة النوم وأنا أقف خلفه، كل شيء كان يحصل في غضون ثوانٍ معدودة، رأيت أناس ملثمون لا يظهر منهم إلا أجزاء من عيونهم، فدفعني أبو جهاد إلى داخل غرفة النوم، واقترب أحد الإسرائيليين منه وأطلق النار عليه من مسافة قريبة، فسقط على الفور وذهبت إليه وانحنيت وعانقته فقام أحد الإسرائيليين بتوجيه المسدس إلى ظهري وأبعدني إلى الحائط، كنت اعتقد أنه سيطلق النار علي، في الوقت الذي تنحى فيه قاتل أبو جهاد، واطلق اثنان آخران النار باتجاه أبو جهاد، لكن في الواقع الجندي الأول كان قد قتله".