يعد "حج الأقباط للقدس" واحدة من القضايا الشائكة التي تُثار في مثل هذا التوقيت كل عام، خاصة أن أعداد الأقباط الذين يسافروا للقدس في تزايد مستمر، وذلك رغم تمسك الكنيسة بموقفها الرافض لدخول القدس إلا مع المسلمين. وشهد هذا العام زيادة واضحة في عدد الحجاج المسيحيين المصريين بنحو 1500 حاج عن العام الماضى، حيث يشارك ما يقرب من 6 آلاف قبطي في الحج هذا العام، حيث حرص الأقباط علي حضور أسبوع الآلام هناك، الذي انتهي الجمعة الماضية، وكذلك حضور انبثاق النور المقدس، يوم سبت النور، في كنيسة القيامة بالقدس. وقد بدأ برنامج الرحلة يوم السبت قبل الماضي الذي يُعرف ب"سبت العازر" وبعده تم الاحتفال بأحد السعف والتوجه إلى القدس القديمة لزيارة طريق الآلام ال14 مرحلة حتى كنيسة القيامة، حيث القبر المقدس مرورا بمكان تطيب جسد المسيح وكنيسة عمود الجلد وكنيسة القديسة هيلانة. وتضمن البرنامج زيارة كنيسة المهد ببيت لحم، وكنيسة سانت كاترين، وانتهى البرنامج بعد حضور العيد في القدس، على أن تبدأ رحلات العودة اليوم الاثنين الموافق 29 أبريل. ويحرص معظم المسافرين على عدم ختم جوازات السفر الخاصة بهم عند الوصول للمطار بشعار "إسرائيل"، لذا يحرصون على تجهيز ورقة منفصلة بأسماء الحجاج المسافرين تحصل على ختم جماعي. وتشترك نحو 25 شركة سياحية في تسفير الحجاج الأقباط، ومنها رحلات تنظمها كنائس في المهجر بشكل مباشر. الكنيسة والرحلات غير أن هذا العام شهد قيام الكنيسة الأرثوذكسية بتنظيم رحلات حج للقدس للعام الثالث على التوالي، ففي مارس الماضي أعلن المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي ومقره الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، والذى يترأسه الأنبا أرميا، الأسقف العام عن تنظيم رحلات لأُورشَليم الفلسطينية فى عيد القيامة، وذلك للعام الثالث علي التوالي، وفق 3 برامج، الأول من أحد الشعانين إلى أحد القيامة، والثاني من أحد الشعانين إلى سبت النور، والثالث من سبت النور إلى السبت ما بعد العيد. وقد أثار هذا الأمر من تساؤلات الأقباط حول إذا كان مسموحاً لهم السفر لفلسطين من عدمه.. وهل ألغت الكنيسة قراراتها بحرمان زوار فلسطين من سر "التناول" ستة أشهر.. أم أنها بوادر لانفراجة فى فتح الباب أمام المسيحيين للزيارات الدينية لفلسطين؟. تاريخ من الرفض وكان البابا كيرلس السادس البطريرك 116 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أول من رفض زيارة القدس، حيث أعلن ذلك فى أعقاب هزيمة 1967 بعد وقوع القدس فى يد الاحتلال الصهيونى، بعدما لاحظ عمليات تهويد واسعة بمنطقة القدس. وفي عام 1980 قرر المجمع المقدس للكنيسة القبطية وهو أعلى سلطة فى الكنيسة، منع الأقباط من زيارة القدس، وذلك في أعقاب الشقاق بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات وما جرى فى مصر بعد اتفاقية كامب ديفيد التى لاقت معارضة شعبية واسعة. ونص قرار المجمع المقدس بشأن القدس فى جلسة الأربعاء 26/ 3/ 1980 على "عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، فى موسم الزيارة أثناء البصخة المقدسة وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسمياً لدير السلطان، ويسرى هذا القرار تلقائياً ما دام الدير لم يتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك". واستمر العمل بقرار المجمع المقدس طوال عهد البابا شنودة الثالث الذى قال مقولته الشهيرة "لن ندخل القدس إلا مع إخوتنا المسلمين"، حتى أن البابا الراحل كان يعاقب الأقباط الذين يزورون القدس بالحرمان الكنسى، أى الحرمان من سر التناول، وهو أحد الأسرار المقدسة السبعة للكنيسة الأرثوذكسية. وفي عام 1991 رُسم البابا شنودة الثالث الأنبا ابراهام مطرانًا على القدس وكرسى أورشليم والخليج، ولكنه رفض زيارة القدس لتجليسه على كرسيها، وأرسل وفدًا من كبار المطارنة والأساقفة رأسه الأنبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى لتجليس المطران الراحل نيابة عنه، والتزاما بالتقاليد الكنسية التى لا تسمح لأسقف وهو رتبة أقل بتجليس المطران وهو رتبة أعلى منه، خاصة وأن ايباراشية القدس لا يتولاها إلا مطران ويحل ثانيًا فى ترتيب أساقفة المجمع المقدس بعد البابا مباشرة. وفي أحد حوارات البابا شنودة سُئل عن زيارة القدس كما سبق وزارها الرئيس الراحل أنور السادات فقال: "زيارتي للقدس في ظل احتلال إسرائيل لها تختلف عن زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات لإسرائيل، فقد زارها بصفته رئيس دولة ولهدف محدد ولتحقيق نتيجة من وراء الزيارة، أما زيارتي للقدس الآن في ظل احتلال إسرائيل لها فلا فائدة من ورائها الآن وبلا أي نتيجة، بالإضافة إلى أن إسرائيل ستقول لنا وقتها لكم الزيارة ولنا الريادة، وستؤدي زيارتنا للقدس الآن إلى رواج اقتصادي لليهود، علاوة على أن الإعلام اليهودي سوف يظهر هذه الزيارة كما يريد". وأضاف البابا شنودة وقتها: "لن أدخل القدس إلا بتأشيرة فلسطينية على جواز سفري ومع صديقي شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي وأخوتي العرب، ولن يكون هذا إلا بعد أن يزول الاحتلال عن القدس، ويصبح المسجد الأقصى تحت سيطرة السلطة الفلسطينية". وعلي الرغم من قرار الحظر إلا أن بعض الأقباط وخاصة كبار السن كانوا يسافرون إلي القدس بشكل سري لأداء الحج والاحتفال بعيد القيامة. "تواضروس" والقدس وقد تغيير موقف الكنيسة من قضية السفر إلى القدس فى عهد البابا تواضروس الثاني، حيث زار البطريرك القدس، بعد ثلاث سنوات من توليه منصبه، للمشاركة في جنازة الأنبا إبراهام، مطران القدس والشرق الأدنى، وعندما سئل عن سبب سفره قال: "لنا مطران قبطى فى القدس باستمرار، وهذا يعنى أنه لنا تمثيل فى القدس". وتابع: "بعد وفاة الأنبا إبراهام المطران الأورشليمى السابق، اكتشفت يوم الجنازة أن الراحل أوصى بأن يدفن هناك، فنوع من الوفاء قررت أسافر، وأحد الأسباب التى جعلتنى أسافر، أنه من الطبيعى رسامة مطران جديد ليحل محل الراحل". وحول سفر المسيحيين للحج فى فلسطين، قال البابا نصًا: "هناك علاقات دبلوماسية بين البلدين، لديهم سفارة هنا ولدينا سفارة أيضًا، هناك أرض محتلة لكننا لنا شعب مصرى مسيحى يحتاج رعاية، وشعبنا الفلسطينى يحتاج رعاية، وبعض الأسر المسيحية التى هاجرت مصر لدول أخرى تزور فلسطين، وسمحنا لأسر المسيحيين المهاجرين الذين فى مصر بلقاء ذويهم بالمدينة المقدسة، وفى النهاية من يريد السفر يجب الحصول على إذن من الكنيسة، فأنا مع فكرة السماح بالزيارة وليس المنع لأن المنع لا معنى له حاليًا". وبعد سفر البابا وتصريحاته تصور بعض الأقباط أن قرار الكنيسة بحظر سفر الأقباط للقدس قد تم إلغائه ما دفع الآلاف من الأقباط للسفر خلال العامين الماضيين. ولكن البابا تواضروس عاد ليؤكد في أحد تصريحاته رفض الكنيسة دخول القدس إلا مع المسلمين حيث قال "الكنيسة ستستمر في السير على خطى البابا شنودة ونهجه الداعم للقضية الفلسطينية ولن ترفع قرار الحظر إلا بعد أن يدخلوا القدس بصحبة إخوانهم المسلمين". وقد سهل حج الأقباط إلى القدس خلال الفترة الماضية حكم أصدرته المحكمة الدستورية العليا، في فبراير 2017، ونص على حق الموظفين المسيحيين في الحصول على إجازة لمدة شهر لمرة واحدة خلال حياتهم الوظيفية لزيارة القدس، أسوة بإجازة الحج التي تُمنَح للمسلمين.