بعد أن كانت المؤسسات النقدية وخبراء الاقتصاد يعتبرون فيتنام من أفقر دول العالم، بعدما دمرتها الحرب التى شنتها عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية في نهاية ستينيات القرن ال 20، وتم تقسيمها إلى دولتين شمالية شيوعية مدعومة من الصين والاتحاد السوفيتى سابقاً، وجنوبية مدعومة من أمريكا والدول الغربية الأخرى، نجحت فيتنام خلال ال20 سنة الماضية، في أن تصلح من شأن اقتصادها المتدهور، وتصبح أحد النمور الاقتصادية الآسيوية الحالية. وتعد تجربة فيتنام الاقتصادية الناجحة، واحدة من أبرز قصص النجاح الآسيوى على مدى السنوات ال 40 الماضية، غير أنها تظل متميزة في التقدم الاقتصادي لسببين رئيسيين، أولهما: الحرب التي شنتها عليها الولاياتالمتحدة وامتدت لعدة سنوات من عام 1965 إلى أن تم التوصل لاتفاق سلام في عام 1974، ثم تمت إعادة توحيد البلاد في عام 1975، ثم انخرطت بعد ذلك في حرب جديدة مع الصين عام 1980 لخلافات على الحدود. ويتمثل السبب الثاني في عدة عوامل تتشابه مع تجربة مصر في الإصلاح الاقتصادي، حيث إن عدد السكان فى البلدين يكاد يكون متساوياً رغم أن مساحة فيتنام ثلث مساحة مصر فقط تقريبًا أو 331 مليون كيلو متر مربع، في حين إن مساحة مصر تزيد قليلاً عن المليون كيلو متر مربع. وبعد انتهاء الحرب التي خاضتها فيتنام من أجل الاستقلال والوحدة تحت قيادة الزعيم التاريخي "هوشى منه" في منتصف الثمانينيات، لم يتبق من البلاد سوى قرى معدومة ومزارعين فقراء وعمال لا يجدون وظائف ومبان وشوارع دمرتها الحرب، ولكن تحولت هذه الدولة من الفقر والتدهور الاقتصادي إلى النمو والإزدهار خلال أقل من 25 عامًا، لتكون بذلك الأسرع في تحقيق التقدم الاقتصادي والصناعي وسط دول الجنوب الآسيوي. وتبنى الحزب الشيوعي خطة الإصلاحات الاقتصادية في فيتنام، وأطلق عليها خطة "DoiMoi" أو التجديد في عام 1986، وأزالت الدولة حينها كل المعوقات أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتجارة، وسهلت إلى أقصى حد إجراءات بدء نشاط اقتصادي أمام المستثمرين المحليين والأجانب، وأصبح من السهل للغاية تأسيس الشركات الخاصة، وفتحت القطاعات الاقتصادية والمالية على مصراعيها أمام نشاط القطاع الخاص المحلي والأجنبي. وقامت السلطات في فيتنام بفتح المزيد من الطرق وتمهيدها، بعدما رأت أن ذلك عنصرًا أساسيًا في تحقيق الإصلاح الاقتصادي والتوسع في القطاعات التجارية المختلفة، وأنها عاملا مهما للغاية فى جذب الاستثمارات الأجنبية، وذلك بعد أن كانت معظم الطرق الرئيسية في البلاد غير ممهدة ومدمرة بسبب الحرب، وتقود إلى حوادث كارثية تتسبب في خسائر اقتصادية وبشرية مميتة. كما أصبحت شبكة الكهرباء تغطي أكثر من 96% من البلاد، بعد أن كانت منذ أقل من 20 عامًا لا تغطى نصف قرى ومدن فيتنام، كما زاد عدد المطارات والموانى وأصبحت تعمل وفق أحدث الأساليب. ويعتبر من أهم أسرار تحقيق التقدم الاقتصادي في فيتنام، هي أن الحكومة شجعت الشباب وقدمت لهم التسهيلات لإقامة مشروعاتهم الخاصة، كما قدمت البنوك قروضًا طويلة الأجل للشباب والمستثمرين المحليين لبدء نشاط اقتصادي وتأسيس شركات، حيث يحصل الشباب على قروض ميسرة من البنوك لبدء مشروع تجاري صغير، ولعب ذلك دورًا مهمًا في رواج النشاط التجاري والاقتصادي بفيتنام. كما تدفقت الشركات من اليابانوالولاياتالمتحدة وهولندا وفرنسا وسويسرا والصين وبريطانيا وحتى هونج كونج وتايوان على فيتنام، لتأسيس مصانع لها وتشييد فروع لها هناك. وضمن أهم خطوات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها فيتنام "التعليم"، حيث خصصت نحو 7% سنويًا من ميزانية البلاد للإنفاق على التعليم وتخريج أجيال شابة متعلمة ومدربة، حتى تتمكن من تبني سياسات واعية لاستغلال طاقات الشباب لدعم قوتها الاقتصادية. وأصبحت فيتنام خلال العقود الثلاثة الأخيرة، أهم مقصد للمستثمرين الأجانب، بعد الصين والبرازيل والهند وروسيا، فعلى سبيل المثال، في عام 2003، كان حجم الاستثمارات الأجنبية نحو 3.2 مليار دولار فقط، وقفز في عام 2008 إلى 71.7 مليار دولار، ويقدره الخبراء في عام 2016 بنحو 103.24 مليار دولار. وتحولت بذلك فيتنام من دولة يعتمد اقتصادها على الزراعة بشكل أساسي، إلى دولة تقدم المنتجات الصناعية عالية الجودة، حيث كانت الزراعة تسهم بأكثر من 60% من اقتصاد البلاد في عام 1990، وكان المزارعون هم أساس القوة العاملة في البلاد، ولكن خلال الأعوام ال15 الأولى من خطة الإصلاح تراجعت حصة الزراعة في الاقتصاد بشكل كبير جدًا لمصلحة التحول الصناعي، ولم تعد الزراعة تسهم إلا بنحو 20% فقط في الاقتصاد. وانتقلت فيتنام من الصناعات التقليدية إلى الصناعات التكنولوجية التي لها نصيب كبير من مجمل الصادرات لتصل إلى 25% عام 2015، وأكدت المؤشرات ارتفاع مستويات الدخل، وتضاعف حجم الطبقة المتوسطة لتصل إلى 33 مليون نسمة بحلول عام 2020 ما يزيد معدلات الاستهلاك، التي لها مردود جيد على الاقتصاد. وسجلت التنمية في فيتنام على مدى السنوات ال30 الماضية ارتفاعًا لافتًا للنظر، وأدت الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي بدأت في عام 1986 لدفع النمو الاقتصادي السريع والتنمية، وتحولت فيتنام من واحدة من أفقر دول العالم إلى دولة متوسطة الدخل.