"حسبي الله ونعم الوكيل .. الشكوى لغير الله مذلة"، "يارب أشوف المستشفى بتولع"، "هو إحنا علشان فقراء الدولة بتعتبرنا عبئ عليها وبقى موتنا عندهم طبيعي".. هذه العبارات القاسية وغيرها رددها أهالي الزاوية الحمراء، ومرضى مستشفى "جيهان"، وأهاليهم تعبيراّ منهم عن سوء المعاملة، والإهمال الشديد الذي يتعرضون له بصفة يومية من قبل المستشفى والأطباء. الواقع يشير إلى أن هذا الحال ليس حال مستشفى الزاوية فقط، ولكنه حال أغلب المستشفيات الحكومية إن لم تكن كلها حيث تعاني من الإهمال، وسوء معاملة المرضى، مما يؤدي في بعض الأوقات إلى وفاة المرضى أو على أقل تقدير تدهور حالتهم الصحية.. ليبقى التساؤل.. أين الدولة والمسئولين من دورهم في مسائلة القائمين على هذه المستشفيات، وأين الرقابة عليهم، وكيف يأخذ الفقير أبسط حقوقه المتمثلة فى الرعاية الصحية؟. يذكر أن المهندس أمين مسعود، عضو مجلس النواب المستقل عن دائرة الزاوية والشرابية بمحافظة القاهرة، قد تقدم ببيان عاجل إلى الدكتور على عبد العال رئيس مجلس النواب لتوجيهه إلى وزير الصحة بشأن استمرار إغلاق مستشفى الزاوية الحمراء منذ أكثر من 5 سنوات. وقال مسعود إن غلق المستشفى تسبب فى معاناة حوالى مليون و100 ألف مواطن بالمنطقة لعدم وجود أى رعاية صحية بالمنطقة ما يجعلهم يتجهون إلى المستشفيات الأخرى بالمناطق المجاورة للعلاج. وأضاف مسعود أن المسئولين أخطروه بأن سبب إغلاق المستشفى هو عدم وجود تقرير فنى عن حالتها من أساتذة كلية الهندسة بجامعة القاهرة وأن تكلفة هذا التقرير 60 ألف جنيه، وأنه تبرع بهذا المبلغ لحل الأزمة خاصة وأن المستشفى به 120 سريرا و5 غرف للعمليات و15 جهازا للغسيل الكلوى و15 حضانة للأطفال وكل هذه الإمكانيات متوقفة ولا تعمل لأن المستشفى يحتاج إلى ترميمات بمبلغ 5 ملايين جنيه. واتهم مسعود الحكومة بالإهمال والتقصير وإهدار المال العام بسبب غلق المستشفى وعدم استغلال الإمكانيات بها لعلاج المواطنين خاصة من الفقراء ومحدودى الدخل بمنطقة الزاوية الحمراء. "الموجز" تجولت فى مستشفى الزاوية الحمراء العام أو كما يطلق عليها سكان المنطقة مستشفى "جيهان"، ورصدت شكواهم حول الإهمال الجسيم الذي يتعرض له المرضى يومياً داخلها. البداية كانت عند سيدة تصرخ وهي تسير مع ابنتها الجالسة على كرسي متحرك، والغريب في ذلك أنها كانت تردد "يارب المستشفى تولع، كانوا عايزين يموتوا بنتي"، فاستوقفنا هذا المشهد الغريب، وسألناها عن سبب غضبها فقالت ان ابنتها مريضة بالسكر، وان المستشفى لا توفر العلاج لها، ولا حتى الكشف عليها، وذلك بحجة قلة الأطباء، وأماكن الرعاية بالمستشفى، وأنهم وقفوا متفرجين أمام حالة ابنتها التي تسوء يوما عن الآخر، وكل رد فعلهم كان اللامبالاة. "حسبي الله ونعم الوكيل .. الشكوى لغير الله مذلة" هذه كلمات رددها الحج محمد الذي يعمل "سائق تاكسي" بعد وفاة ابنته الرضيعة نتيجة الإهمال في مستشفى "جيهان" وعندما سألناه عن سبب الوفاة روى أن زوجته أنجبت توأم منهم بنت ولدت مريضة بمرض في الرئة، وعندما ذهب بها إلى المستشفى رفضوا استقبال ابنته لعدم وجود ما يكفي من المال معه لكي يضعوها في الحضانة، وطلبوا منه الذهاب لأي مستشفى أخرى، فقام أهالي الحي بجميع 200 جنيه لمساعدته، لكن متطلبات المستشفى كانت أكبر من المبلغ الذي جمعه، حيث أكد أن العمل في هذه المستشفى تجاري فلا يوجد من يفعل شيئاً لله وقال "علشان واحده تفرشلك ملاية سرير لازم تاخد فلوس"، وعندما نفذ منه المال قاموا بطرده، وفي نفس الوقت كانت تعاني زوجته من مشكلة في الرضاعة الطبيعية، فكان يذهب يومياً الى معهد ناصر، ويقف في الطابور بالساعات لشراء لبن الأطفال المدعم، الذي كان يجده أحياناً، وأحيان أخرى عندما يأتى دوره يكون اللبن قد نفذ، وبعد كل هذه المعاناة ازداد المرض على ابنته مما أدى الى وفاتها بعد 7 شهور من ولادتها، واختتم كلمته بهذه العبارة "حال المستشفيات الحكومية عندنا معاك هتخف .. ممعكش الله يرحمك .. يا وزير الصحة أهتم بينا علشان كدا حراام". ويؤكد أحمد خليل والد أحد ضحايا مستشفى "جيهان" أن ابنه صاحب العامين ونصف توفى نتيجة إهمال الأطباء، حيث قال إن المستشفى تحولت إلى عيادات خارجية لا تعمل إلا في الصباح فقط، ومغلقة طوال الليل. وأوضح خليل إن ابنه كان يعاني من ارتفاع شديد في درجات الحرارة، وعندما ذهب به الى المستشفى كان ذلك بعد منتصف الليل فوجدها مغلقة ولا يوجد بها أطباء، فجلس مع ابنه أمام المستشفى حتى الصباح، وقال: عندما ذهبت للطبيب كي يكشف على ابني عاملني معاملة سيئة "زي ما أكون بشحت منه"، وتحملت ذلك من أجل ابني، وعندما سألته عن حالة الطفل لم يرد علىٌ، وكتب لي دواء أعطيه له، وبعد أن أعطيت الطفل الدواء ازدادت حالته سوءً، فأخذته مسرعاً الى المستشفى، فوجدت الأطباء يغادرون، وطلبت من أحدهم الكشف على الطفل فأجابني بكل برود "نبطشيتى خلصت .. خد ابنك وروح مستشفى سيد جلال" ، ولكن قبل وصولي إلى المستشفي كان ابني قد مات. واختتم خليل حديثة برسالة لمن يهمه الأمر قائلاً "اهتموا بينا شوية .. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". وأضافت سهير - مدرسة – أن ما نسمعه عن مجانية العلاج داخل المستشفيات الحكومية مجرد كلام على ورق لا محل له من الصحة، فالمستشفى لا تغطي تكاليف الأشعة ولا التحاليل والعلاج وهى أشياء من المفترض أن تكون مدعمة من الحكومة، فأنا أقوم بدفع كل شئ بداية من تنظيف وفرش الغرفة إلى الأدوية التي يجب أن تكون متوفرة داخل صيدلية المستشفى "مالناش غير ربنا هو العالم بينا وبحالنا وأحن علينا من أي حد". "عيادات كلى، حضانات، غرف الاستقبال.. بالليل كله مش شغال .. المستشفى بالليل بتبقى فاضية، وأي حالة بتيجي للمستشفى بتترحل على مستشفى سيد جلال لأن مافيش خدمات ولا أي حد موجود حتى أعضاء البرلمان اللي كانوا بيقولوا هنحل جميع مشكلات المستشفى محدش فيهم عبرنا ولا عملنا اى حاجة لحد دلوقتي.. المستشفى كلها مشكلات لدرجة ان لو واحد تعبان بالليل ومحتاج جراحة مابيلاقيش حد يسعفه، وكل اللي بيرددوه اطلع على سيد جلال معندناش خدمات هنا".. جاءت هذه الكلمات على لسان ضاحي عبد العظيم أحد سكان منطقة الزاوية، والذي أكد أن الأطباء يعملون فترة النهار فقط، وأي مريض يذهب يعطون له نفس الدواء ليشتريه، حتى أنه وجد أن الدواء الذي يكتب للأطفال هو نفسه الذي يكتب للكبار، وأن المستشفى مجرد اسم على ورق فقط من المفترض ان تخدم الناس لكنها في الواقع لا تخدم أحداً، واستغرب من الحالة التي وصلت اليها المستشفى، وطالب وزير الصحة بزيارة مستشفى "الزاوية الحمراء العام" ويراها وهي ترفض دخول الحالات ويقدم لهم سبباً هذه المأساة التي يعيشونها فيها. "الموجز" توجهت إلى مدير المستشفى وسألته عن سبب ما يحدث، وواجهته بما يقوله الأهالي حيث أكد أن المستشفى لا تعاني من أي مشكلات، وأن الذي يدعي بوجود مشكلات هم أصحاب المصالح الخاصة، وأن أي شكاوي للمرضى ليس لها أي أساس من الصحة، وعندما واجهناه بما قاله الأهالي رفض التسجيل معنا، وطلب منا الرحيل بحجة عدم وجود تصريح.