"اللي ايده في الميه مش زى اللي إيده في النار" حالة من الفوضى والإهمال باتت تخيم على أغلب المستشفيات الحكومية المصرية والتي يجمعها قاسم مشترك تمثل في سوء الخدمة ونقص الأدوية والتكاليف الباهظة التي يدفعها المرضى من الفقراء ومحدودي الدخل بالإضافة إلى عدم النظافة، وانتشار مقالب القمامة حولها، وإلقاء المخلفات دون إتباع الأصول الفنية والصحية. المسألة ليست معضلة؛ فالدولة التي لا تستطيع أن توفر سرير وعلبة دواء لمريض فقير، هي دولة فاشلة بكل المقاييس، ومن هذا المنطلق قامت شبكة الإعلام العربية «محيط» بالتسلل إلى داخل أحد المستشفيات الحكومية«المطرية التعليمي»..لنراقب ونرصد . مجرد نظرة الوضع بدا هادئا في الوهلة الأولى، فبمجرد الدخول إلى مستشفى المطرية التعليمى ترى عمال النظافة يمارسون عملهم بكل أمانة، الأطباء في طوارئ الجراحة يبذلون مجهودا لا بأس به ،لكن سرعان ما تحولت تلك النظرة الإيجابية إلى حالة ضيق و استنكار عندما سمِعتُ صوت مرتفع لإحدى المريضات تتشاجر مع «أحمد» ممرض طوارئ الجراحة ،متسائلة:"إزاي مستشفى وما فيهاش بنج ؟؟" ليرد أحمد بكل هدوء:"إيه يعني لما تشتري حقنة بنج بجنيه؟". وبدخولي إلى "طوارئ الباطنة" فاجأتني إحداهن باكية:"يا دكتورة جوزي بقاله ساعتين معدته بتتقطع ومفيش حد سائل فينا هنا،لأتركها متنقلة بين ممرات المستشفى لأجد أعدادا مهولة من الأهالي جالسين على الأرصفة وبلاط الأرضيات . رحلتي مع الست« سما» تفاقمت الأزمة عندما اصطدمت بالست «سما» والتي بدت حائرة حزينة ،وبحديثي معها فهمت أنها بحاجة إلى عمل إشاعة "probe"،اكتشفت لاحقا من إحدى الطبيبات أن هذا النوع من الإشاعة غير متواجد في «استقبال» المستشفى بل يتواجد في «الأقسام» ،وبصعودي معها إلى ذلك القسم تبين أن هذا النوع من الإشاعات يتكلف نحو60 جنيها ، «سما» فقيرة ولا تمتلك المبلغ الذي سينقذ ألم ابنها المسكين لكننا استطعنا توفيره،ذهبت «سما» مع ابنها بعد عذاب روتيني لا يحتمله طفل وصلت حرارته الذروة إلى «القسم» لتنتظر . في نهاية المطاف ،استطاعت الاطمئنان على ابنها بعد أن كُتب لها روشتة بالدواء المطلوب ،لكن الساعة قد وصلت الرابعة وصيدلية المستشفى مغلقة كما أن الدواء غير متواجد؛ لتبدأ«سما» معاناة جديدة ..!! ثرثرة أمام المصعد أثناء وقوفي مع إحداهن أمام مصعد المستشفى،سمعت صوت ضجيج ومشاجرة موظف الاستقبال مع أحدهم؛ انطلقت نحو الأخير لأرى رجل يدفع امرأة بكرسي متحرك.سألته:"ما المشكلة؟" فأجاب:"أريد أن أحجز لزوجتي سرير في المستشفى، وصار لي أسبوعاً أقوم بعمل إشاعات وحالتها تتأخر يوما بعد يوم، والإدارة تقول لا يوجد أسرة كافية لحجز المريضة". سألت إحدى الطبيبات عن أزمة الأسرة داخل المستشفى وكيف تًهمِل المستشفى حالة بهذا السوء فكانت إجابتها:"تلجأ إدارة المستشفى إلى تحويل المريض إلى أي مستشفى أخرى في حالة عدم توافر سرير ."وتساءلت الطبيبة مستنكرة :"ماذا تفعل المستشفى إذا لم تجد سرير فاضي،أتترك المريض ينام على الأرض ،ثم إن حالة المريضة عفاف أبو العنين "جلطة" وهي حالة تحتاج وقتا بالعلاج الطبيعي ،هناك مرضى أولى بالأسرة مثل حالات نزيف داخلي أو نزيف في المخ ،والحالات التي يؤدي التأخر عليها إلى الموت." قطعت حوارنا طبيبة أخرى:"المستشفى تعاني من نقص في الإمكانيات وهناك العديد من الأقسام بحاجة إلى أجهزة، قسم النسا بالتحديد غاية في السوء ولا يوجد سونار لمتابعة الحمل في الاستقبال،كما أن الحضانات في قسم النسا غير كافية تماما." رؤية طبية من جانبه قال الدكتور محمود يوسف "طبيب أطفال" في إحدى المستشفيات :إن منظومة الصحة بكاملها تعاني حالة من الفوضى والإهمال ،وهذا الإهمال لا يقع على أحد بعينه فجميعنا مشتركين فيه." وتابع :"منظومة الصحة في حاجه إلى إعادة هيكلة من جديد،وإدارة المستشفيات لابد أن تسند إلى قيادات إدارية وليست طبية؛فمن الخطأ أن يتولى إدارة المستشفى من هو أقدم ؛فليس شرطا أن يكون مدير المستشفى طبيب ماهر وإنما الأوْلى أن يكون شخص لديه الكفاءة في إدارة المؤسسات الطبية." أما عن ضعف الإمكانيات أوضح أنها مشكلة تعاني منها جميع مستشفيات مصر الحكومية مشيرا إلى إن الطبيب يعمل ما بوسعه في حدود الإمكانيات التي تتيحها له المستشفى،ويضطر في حالة العجز أن يطلب من أهل المريض شراء ما يلزم لإسعافه." وعن الأخطاء الطبية تقول منيرة بازبيدي أخصائي نسا وولادة بإحدى المستشفيات : إن الأخطاء الطبية موجودة بالعالم كله وفي مصر النصيب الأكبر،أتذكر في أحد المستشفيات -المصرية الحكومية- مريضة سكري أعطاها طبيب امتياز محلول سكر بدلا من محلول ملح ما أودى بحياتها،غير الجروح التي تتلوث بسبب إهمال الطبيب؛ فقد يكون المريض جرحه نظيف ويأتي إلى المستشفى ليتلوث لعدم التعقيم الجيد والإهمال." وأضافت بازبيدي:" الإهمال الطبي للمرضي يبدأ من عدم الاهتمام الكافي بالمريض منذ لحظة الكشف عليه داخل العيادات الخارجية بالمستشفي، وكذلك في الاستقبال لا يعطونه الفرصة للتحدث بل يكتفي الطبيب بالفحص السريع إما لكثرة الأعداد أو لضيق وقته بسبب تنقله مابين أكثر من مستشفى خاص لضعف راتبه وسوء حالته الاقتصادية ما يجعله يفقد تركيزه إلي جانب ضعف الإمكانات ونقص الأدوية وقلة أسرة العناية المركزة تسهم أيضا في نسبة الإهمال والأخطاء التي تزهق أرواح المرضى. اقرأ فى الملف " ملائكة الرحمة وثوب العذاب في مستشفيات الصحة" * الإهمال الطبي في المستشفيات الخاصة.. طريق المرضى إلى الموت * أطباء وأخصائيون: تراجع دور وزارة الصحة فتح أبواب النصب على المرضى * أطباء مشاهير .. والمريض "ضحية" * «الدمرداش».. مستشفى لا تعرف الهدوء والفوضى في كل مكان (صور) * المستشفيات الحكومية قضت على المواطن ... و"العسكرية" الأمل الأخير لعلاجه ** بداية الملف