أسس "الاتجاه الإسلامى" واقتبس من الإخوان منهج السرية.. والثورة التونسية صعدت به لصدارة المشهد السياسي يعد الشيخ راشد الغنوشى القيادى الإخوانى زعيم حركة النهضة التونسية صاحب مرجعية اخوانية إسلامية، ورغم أن الحركة تتبنى رؤى وأفكارا أكثر استنارة ونضجا عن رؤى الجماعة الأم في مصر، إلا أنها ظلت جزءا لا يتجزأ منها. جاء الغنوشى إلى مصر بعد إنهاءه الدراسة الثانوية فى تونس ليستكمل دراسته الجامعية فى القاهرة، واستفاد في البداية من الخصومة التي كانت قائمة فى ذلك الوقت بين الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وبين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فمارس وهو وباقى الطلبة التونسيين ضغوطاً شديدة وتظاهروا أمام بيت عبد الناصر إلى أن حصلوا على حق التسجيل في الجامعة، والتحق بكلية الزراعة، ولكن القدر لم يمهله فى مصر سوى ثلاثة أشهر من عام 1964، حيث عادت العلاقات بين مصر وتونس آنذاك وكان طرد الطلبة التونسيين من مصر أحد شروط إنهاء الخصومة، فاضطر الغنوشى للهجرة إلى سوريا وانتقل من دراسة الزراعة إلى دراسة الفلسفة. ورغم طرده من مصر الناصرية على خلفية حسابات سياسية بين النظامين المصرى والتونسى حينئذ، إلا أن "الغنوشى" ظل محتفظا بناصريته، معتقداً أن عبد الناصر ليس مسئولاً عن طرد الطلبة التونسيين، ولذلك انضم إلى التيار الناصري وكان عضواً ورئيساً لخلية في الاتحاد الاشتراكي السورى، ومن شدة اعتزازه بالناصرية قال ذات مرة عبر حوار تليفزيونى "أن عبد الناصر كان بالنسبة له من المقدسات التي لا يتحمل فيها أي نقد أو أي نيل". انقلبت أفكار "الغنوشى" رأساً على عقب بعد إجراءه عدة حوارات دارت في الجامعة بين التيار الإسلامي والتيار القومي، خرج منها بقناعة أن البضاعة القومية التي يحملها بضاعة عمقها محدود، وبحكم الدراسة الفلسفية التي بدأها أخذ يتجاوز موضوع الشعارات ويتعمق فيها فتبين له أن هذه الشعارات ليس تحتها شيء كثير، -حسبما أشار الغنوشى نفسه فى احدى لقاءاته -. ذهب الغنوشى مباشرة بعد انتهاء دراسته بسوريا فى صيف 1968 إلى فرنسا لمتابعة دراسته العليا في الفلسفة، ومن باريس انطلق للاندماج مع الحركة الإسلامية، فقد تعرف فيها على جماعة التبليغ، التى تأسست على يد مجموعة صغيرة من الباكستانيين أتوا إلى باريس سنة 1968، وكانوا يسكنون فى حيٍ فقيرٍ جداً، ولما كانت المجموعة معظمها من العمال فقد جعلوا من "الغنوشى" إماماً لهم رغم افتقاره لأي تجربة في العمل الدعوي، فبدأ يتعلم الخطابة وتحول من أستاذ فلسفة إلى مثقف إسلامي إلى داعية. يقول "الغنوشى" فى سيرته انه بعد عودته لتونس فى بداية السبعينيات ظل ثلاث سنوات تقريباً يعمل على منهج جماعة التبليغ فى العمل الدعوى فقط، بشكل علنى وصريح، بعيدا عن أية تأثيرات سياسية، غير أن السلطة التونسية ما لبثت وقتها أن أوقفته هو ورفاقه، مما فرض عليه إعادة النظر في هذا المنهج العلني فى الدعوة، ومن هنا بدأ يستفيد ويقتبس من منهج الإخوان المسلمين وتجربتهم، ليبدأ نشاطه الدعوي وسط الطلاب وتلاميذ المعاهد الثانوية، الذين تشكلت منهم حركة الاتجاه الإسلامي المعروفة ب"النهضة". وفى عام 1981 اضطر الحزب الدستوري الحاكم في تونس لإقرار مشروع التعددية السياسية، وبادر أعضاء الجماعة الإسلامية التي كان يتزعمها راشد الغنوشي إلى عقد مؤتمر عام، أعلنوا فيه حل الجماعة، وتأسيس حركة جديدة باسم حركة الاتجاه الإسلامي، وانتخب راشد الغنوشي رئيساً لها وأصدرت وثيقتها التأسيسية في التاريخ نفسه، والتى لا تزال تعد المرجع الفكري لحركة النهضة.. وقد أعيد انتخاب الغنوشى" عام 2007 وهو زعيم الحركة حتى الآن. يذكر أن "الغنوشى" تعرض للسجن والاعتقال فى مراحل عديدة من حياته السياسية فقد حُكم عليه عام 1981 بالسجن 11 سنة، وبالسجن مدى الحياة عام 1987، وتكرر نفس الحكم عليه غيابياً عامى 1991 و 1998.. ولجأ "الغنوشى" إلى الجزائر بعد خروجه من السجن وبقي فيها هو وأنصاره إلى أن دخلت مرحلة الاضطرابات السياسية فى بداية التسعينيات حيث انتقل الى ليبيا وبقي فيها شهرا وبعدها ذهب للسودان ومكث فيها بضعة أيام، وبعد ذلك طلب اللجوء الى بريطانيا، ليعود بفضل الثورة إلى تونس بعد أكثر من 21 عاما من اللجوء السياسي ببريطانيا، و إستقبله بمطار قرطاج الدولي أكثر من 20 ألفا من أنصار حركة النهضة.