يُعد هذا الكتاب أول كتاب يصدر فى مصر عن الحركة الإسلامية فى تونس؛ محللا وراصدا ومؤرخا؛ كاتبه باحث مغربى شهير هو الدكتور أبو اللوز عبد الحكيم ويعمل فى مركز العلوم الاجتماعية بالدار البيضاء. يحمل الكتاب الصادر عن دار "رؤية " للنشر عنوانا لافتا هو " اشكالية الدين والسياسة فى تونس" ويتناول بشكل تفصيلى أزمة مشروع التحديث وحركة النهضة الاسلامية فى تونس . يرصد الكتاب بدايات الإسلام السياسى فى تونس الحديثة مع ظهور راشد الغنوشى المولود عام 1941 وتوجهه نحو مصر للتعلم ثم سفره إلى باريس للحصول على الدكتوراة فى الفلسفة . كان " الغنوشى " فى شبابه ناصريا بعثيا اشتراكيا وبعد دراسته الإسلامية فى فرنسا عاد مؤمنا بضرورة الانطلاق من خطاب إسلامى معتدل؛ وفى 1981 اعلن الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة السماح بإنشاء أحزاب سياسية وهو ما دفع الحركة الاسلامية التى كان يتبناها "الغنوشى" إلى التحضير للدخول إلى العمل السياسى بإعلان خطاب نوايا عن رؤية الحركة للديمقراطية والجهاد والموقف من الآخر . وعلى الرغم من المواجهة القمعية للسلطة لتلك الحركة فقد استمرت وتوسعت وامتدت فى كافة أنحاء تونس مطالبة باحترام الأخلاق الإسلامية ومقاومة التغريب . ويرى الباحث أن حركة النهضة التونسية سجلت عام 1984 قطيعة مع المرجعية الإخوانية ومفاهيم الثورة الإيرانية لتصل إلى حالة من التكيف مع الخصوصيات المحلية. وفيما بعد شهدت علاقات الحركة بالسلطة نوعا من التوافق مع قدوم زين العابدين بن على الحكم وإعلانه الرغبة فى اجراء اصلاحات سياسية وحاولت الحركة العمل بشكل قانونى، إلا أن السلطة رفضت بعد قليل الاعتراف بالنهضة كحزب سياسي بدعوى أن زعماءه ما زالوا تحت طائلة القانون وسادت حالة من القطيعة بين الحركة الإسلامية والنظام الحاكم طوال السنوات العشرين الماضية. ويتناول الكاتب الملامح الأساسية لخطاب راشد الغنوشى محللا ومدققا، حيث نجد الرجل يتحدث عن توسيع الدوائر القومية؛ معتبرا الدائرة الأولى هى دائرة الإسلام وهى دائرة عقائدية، وحضارية ، ونضالية؛ وفى ذلك يقرر أن المجتمع الإسلامى مجتمع تعددى اعترف بحق المواطنة للمسلم واليهودى والمسيحى ولم يستثن عنصرا من العناصر المكونة للمجتمع من حق المواطنة. أما الدائرة الثانية فهى دائرة العروبة وفيها يُقرر أنه لا ينبغى أن يتصور أحد أن هناك عداء بين الإسلام والقومية، وأن القومية العربية رباط أساسى يساهم فى تقوية الكيانات السياسية. ولاشك أن ذلك الطرح يذكرنا بكتاب "فلسفة الثورة" لجمال عبد الناصر الذى تحدث فيه عن فكرة الدوائر الثلاث لمصر إسلاميا وعربيا وأفريقيا . ونلمح بعد ذلك فى فكر راشد الغنوشى محاولات عديدة للتوفيق بين القيم الديمقراطية والإسلام، لذا نجده يطبق نظرية المقاصد فى الحديث عن الديمقراطية فى الإسلام ويقارن فى ذلك بين فكرة الإجماع فى الفقه وفكرة الأغلبية فى السياسة . ويحدد الرجل فى براجماتية عالية ملامح المشروع السياسى للحركة الإسلامية بأنه يتفق مع الديمقراطية ويطالب بالحرية والعدل ويقبل بالتعددية فى اطار الدولة الواحدة .