أكد مؤلف تونسي ان الملاحقات الامنية ليست وحدها هي السبب في فشل حركة "النهضة الاسلامية" في تونس ومحدودية تأثيرها على الرأي العام، لكن ايضا هناك التصدع التنظيمي للحركة والتداخل بين السياسة والدين. وقد حاول الدكتور اعلية العلاني في كتابه "الحركات الاسلامية بالوطن العربي- تونس نموذجا" ان يرصد اسباب اخفاق ومحدودية تأثير هذه الحركة في الاوساط الشعبية. وصدر الكتاب عن دار النجاح الجديدة بالرباط عام 2008، وجاء في 303 صفحة تصدرت غلافه صورة لشخصين يمثلان حركة اسلامية. ولم يستثن العلاني في كتابه اغلب الحركات الاسلامية بالعالم العربي بالدراسة، لكنه حاول التركيز في الجزء الاكبر من الكتاب على أسباب فشل حركة النهضة الاسلامية المحظورة منذ 1990 في تونس. وقال العلاني انه تطرق الى موضوع الحركات الاسلامية لانها ظاهرة تتطور سلبيا وايجابيا، حيث عبرت عن قضايا الهوية المهمشة قبل ان تنشطر الى تيارات راديكالية جهادية واخرى انتهازية. واضاف انه بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ايلول 2001 في الولاياتالمتحدة، وقع خلط كبير بين التيارات الاسلامية وتيارات الاسلام السياسي. ويعتبر العلاني في كتابه المكون من ستة محاور ان حركة النهضة الاسلامية لم تستغل الفرصة التي اتيحت لها للاندماج في المنظومة السياسية عند وصول الرئيس زين العابدين بن علي للحكم عام 1987 بعد سنوات من المواجهة مع السلطة مطلع الثمانينات. واوضح العلاني في كتابه ان انفتاح حكومة بن علي انذاك على الحركة الاسلامية تجلى من خلال الافراج عن مساجين الحركة ومن بينهم راشد الغنوشي زعيم الحركة وعدد اخر من القادة، وفتح المجال امامهم للمشاركة في الحياة السياسية والمشاركة في مجالس حكومية، غير انه قال ان فشل المصالحة التاريخية- التي منحت لهم- كانت بسبب خطاب الحركة الذي اصبحت تعتبره السلطة "خطيرا واصوليا" عندما لوح بعض مرشحيها في الانتخابات البرلمانية لعام 1989 بامكانية التراجع عن قبول مجلة الاحوال الشخصية والمطالبة بارجاع العمل بنظام تعدد الزوجات. وأنهت انتخابات عام 1989 عهد مشاركة حركة النهضة لتتحول الى اعتقالات ومحاكمات شملت مئات الاعضاء والقياديين، وفرار قادة اخرين من بينهم زعيم الحركة الغنوشي الى الخارج. وقال العلاني ان حركة النهضة كان بالامكان ان تنجح لو التزمت بثوابت النظام الجمهوري والحفاظ على المكاسب التعددية وان تكون حزبا سياسيا لا دينيا. وخلص الكاتب الى ان الحركة جذبت اليها الانظار كحركة جماهيرية بسبب القمع التي تعرضت له في فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة، لكن جهازها التنظيمي لم يكن متماسكا، وكانت تشقها خلافات ايديولوجية. وارجع صلابة الحركة خصوصا في مطلع الثمانينات الى نفوذها المالي الكبير واستفادتها من اخطاء النظام البورقيبي الذي تعامل مع المسألة الدينية بشكل اعتباطي وانتهازي، حينما اظهرت السلطة عداءا متكررا لبعض القيم الدينية بشكل اثار حفيظة شق كبير من الراي العام تعاطف تلقائيا معها ظانا بانها الملجأ الوحيد للدفاع عن هوية الشعب التونسي الحضارية. ومنذ عامين، عادت حركة النهضة لتبرز من جديد على الساحة رغم انها محظورة عندما أعلن قياديون منها الانضمام الى تحالف "18 اكتوبر الحقوقي" الذي يضم اتجاهات سياسية متباعدة من بينها العلمانية. ويدعو هذا التحالف الحقوقي الى اطلاق الحريات العامة وسن عفو تشريعي عام. ولاقت هذه الخطوة رفضا شديدا من بعض الاحزاب العلمانية واليسارية ومن قبل السلطة التي وصفت التحالف بانه "ظلامي"، بينما اعتبره حقوقيون اخرون بانه بداية تثبت ان الحركة تتفق مع باقي الاتجاهات في عدة مسائل جوهرية. من طارق عمارة (رويترز)