وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    وزير التعليم يصل بورسعيد لمتابعة امتحانات نهاية العام.. صور    بداية من اليوم.. رابط التقديم في معهد معاوني الأمن 2024 عبر موقع وزارة الداخلية (تفاصيل)    أسعار عملات «البريكس» مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 18-5-2024    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت 18-5-2024 في سوق العبور    «الإسكان»: بدء تسليم أراضي «بيت الوطن» بالمرحلة التكميلية غدا    «القاهرة الإخبارية»: ناقلة نفط ترفع علم بنما تتعرض لهجوم قبالة سواحل اليمن    باحثة ب«المصري للفكر والدراسات»: القاهرة تعمل لإيجاد حل جذري للأزمة في غزة    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجنود الروس إلى 491 ألفا و80 جنديا منذ بدء العملية العسكرية    الزمالك ضد نهضة بركان في نهائي الكونفدرالية.. الموعد والقنوات الناقلة    مرادف تؤوه ومضاد الإملاق.. أسئلة في امتحان اللغة العربية للشهادة الإعدادية    مصرع شخصين وإصابة 8 في حادث تصادم سيارتين بالشرقية    التحقيق مع عامل لسرقته 8000 دولار من داخل سيارة في كرداسة    تشغيل قطارات إضافية في عيد الأضحى المبارك 2024: جدول مواعيد وتفاصيل    «يضم 100 ألف قطعة».. متحف الفن الإسلامى يفتح أبوابه مجانا اليوم    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    أول تعليق من «الصحة» على متحور كورونا الجديد «FLiRT»    مصر تبدأ المناقشات مع صندوق النقد للحصول على 1.2 مليار دولار    استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالي    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    مصدر رفيع: مصر عازمة على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإدانة ممارسات الاحتلال أمام العدل الدولية    انتظام امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالقليوبية (صور)    بدء تسليم أراضي المرحلة الثامنة من «بيت الوطن» بالعبور الجديدة.. الثلاثاء المقبل    لمواليد 18 مايو.. ماذا تقول لك الأبراج في 2024؟    ليلى علوي: الزعيم عادل إمام مَثَل أعلى لينا وتاريخ عظيم    موقع فرنسي يتحدث عن "فرصة" لمشاركة عبد المنعم في دوري أبطال أوروبا.. ما التفاصيل؟    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    مواعيد مباريات اليوم السبت.. الترجي ضد الأهلي وظهور ل«عمر مرموش»    بكاء والدها وقبلة شقيقها.. أبرز لقطات حفل زفاف الفنانة ريم سامي    تشكيل أهلي جدة المتوقع أمام أبها في دوري روشن السعودي    صحة مطروح تدفع بقافلة طبية مجانية للكشف على أهالي النجيلة    البيت الأبيض: أطباء أميركيون يغادرون قطاع غزة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    جوري بكر بعد انفصالها: «صبرت كتير واستحملت اللي مفيش جبل يستحمله»    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عاجل - تذبذب جديد في أسعار الذهب اليوم.. عيار 14 يسجل 2100 جنيه    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرجعية الإخوانية عجزت عن توفير الأسس اللازمة لمشروع سياسي إسلامي يحظي بالمصداقية
نشر في القاهرة يوم 15 - 02 - 2011

8- سلطة السابع من نوفمبر ومرحلة المواجهة الساخنة مع النهضة بعد مرور ثلاث سنوات من حكم «بن علي»، رأت الحركة الإسلامية فضلاً عن قوي معارضة أخري أن الانتخابات الاشتراعية نصبت القيادة الأبدية والوصاية الأبدية للحزب الحاكم علي الشعب، والعروبة والإسلام. فقد طعن هذا الشعار عندما استقطبت سلطة السابع من نوفمبر أعداء الهوية العربية الإسلامية ووضعتهم في أعلي المناصب، والمقصود إعطاء الشيوعيين المتطرفين مسئولية صناعة الأجيال القادمة، والذي استفز بشكل خاص الحركة الإسلامية. مشروع إصلاح التعليم فعلي مستوي التعليم مثلاً تولي الدكتور محمد الشرفي المعروف بتوجهاته الفرنكوشيوعية وزارة التربية والتعليم مباشرة بعد الانتخابات الاشتراعية في سنة 1989، لتصفية الإرث الثقافي البورقييي فيما يتعلق بالجانب العربي الإسلامي. وكانت السياسة الثقافية التي اعتمدتها السلطة في مواجهة الحركة الإسلامية تتمثل في الوثيقة السرية المصادق عليها من طرف اللجنة المركزية للحزب الحاكم في شهر مايو سنة 1989، والمعروفة بخطة «تجفيف الينابيع». وهي خطة أعدتها وزارة التعليم بقيادة الشرفي كجزء من المعركة الإيديولوجية لضرب المصادر الدينية والهيكيلية التي تتغذي منها الحركة الإسلامية، وإحلال «ثقافة جديدة» تقطع مع كل القيم والتصورات الدينية باعتبارها رديفًا للتخلف والجمود والتعصب. وتجسدت الحرب الإيديولوجية التي قادتها النخبة اليسارية التي انحازت إلي سلطة السابع من نوفمبر برفع مقولات الدفاع عن المجتمع المدني، والحداثة، والتقدم، قيم العقلانية في مواجهة الأصولية، والمقصود بذلك تحديدًا، مواجهة التوجه الإسلامي لمصلحة العلمانية. كما تجسدت هذه الحرب الإيديولوجية في السيطرة الكاملة علي المساجد ودور العبادة مع إزالتها تمامًا من الإدارات والجامعات والمؤسسات العامة، وتحول الأئمة والخطباء إلي ما يشبه الموظفين الرسميين لدي وزارة الداخلية حيث يفرض عليهم نص الخطبة الموجهة إلي جمهور المصلين، وتحولت المساجد إلي مجال لممارسة الدعاية السياسية للتجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم ورئيسه والتشهير برموز المعارضة السياسية وبخاصة الإسلامية منها. فأصبحت جزءًا مباشرًا من أدوات الدولة أكثر منها فضاءات للمجتمع المدني. كما قامت الدولة بمنع ارتداء الزي الإسلامي رسميًا في مواقع الشغل والتدريس وحتي الشارع وتم نعته بالزي الطائفي، وفرضت رقابة مشددة علي الكتاب الإسلامي بما في ذلك التراثي منه. وبينما استمر الجدال دائرًا حول مشروع إصلاح التعليم علي أعمدة الصحف والمجلات، جاء تصريح الشيخ راشد الغنوشي لإذاعة فرنسا الدولية في 19 ديسمبر من العام 1989، ليعلن عن منعرج خطير في علاقة حركة النهضة بالسلطة، ويقطع ما تبقي من جسور الحوار. صرح الغنوشي قائلاً: «إنني بعد كل هذا الصبر لا أملك إلا أن أعبر عن شعوري العميق بخيبة الأمل في السياسة القائمة في تونس»، وذلك لأسباب عديدة منها: «أولوية التقارير الأمنية في معالجة الملفات السياسية، عدم اختلاف حاشية الحكم نوعًا عن حاشية بورقيبة في سنواته الأخيرة، باستثناء ثلة من انتهازيي اليسار واتساع الهوة بين القول والفعل، وبين الدعوة والإنجاز»، وأشار الغنوشي بالخصوص إلي العفو التشريعي العام الذي ظل عمليًا في مستوي الوعد مع عدم الوضوح فيمن يتمتع بهذا الحق، بالإضافة إلي عدم الاعتراف بحركة النهضة بعد الوعد بذلك في الأشهر التي تلت حدث السابع من نوفمبر، وكذلك عدم إنجاز التعددية الفعلية، والتأكيد علي الدور الريادي لحزب بورقيبة، وينتهي الشيخ راشد الغنوشي إلي «أن الوضع التونسي علي ما أري من أكثر الأوضاع العربية والدولية في عالم اليوم تخلفًا للحرية وتضييقًا لمساحة المبادرة الشعبية. ومن أجل ذلك ترانا مضطرين لإعادة النظر في الثقة التي أعطناها للحكم، داعين قوي الشعب إلي التكتل بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة من أجل فرض الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان، وتعديل الموازين عن طريق النضال السلمي لصالح الجماهير، حتي يتخلي الحكم في تونس وكل حاكم غيره عن نهج بورقيبة، ويرضي من الشعب بمقام الخادم الأمين المعبر عن الإرادة العامة بلا تزييف ولا إعلام منافق، بلا مداهمات أمنية ومحاكمات شكلية». لقد أظهرت الحركة الإسلامية تناقضها العدائي علي طول الخط مع مشروع إصلاح التعليم، الذي يهدف إلي علمنة البرامج التعليمية، ورفض احتكار السلطات المرجعية الأرثوذكسية علي اختلاف تلاوينها، دينية وغير دينية لتلك البرامج. وفي ظل الضعف الحاصل للتيارات الديمقراطية في الجامعة التونسية، ارتبط الهجوم السياسي الإيديولوجي للحركة الإسلامية بتعبئة وزج قواها المنظمة والمؤطرة في النقابة الطلابية (الاتحاد العام التونسي للطلبة) والذي يعتبر القوة الضاربة للحركة، نظرًا لتبنيه خط راشد الغنوشي. ومن المعلوم أن المعركة الإيديولوجية داخل الجامعة تستهدف أسلمة الجامعة، وهيمنة التيار الإسلامي، وهي متزامنة مع خوض المعركة السياسية ضد النظام لاكتساب الرأي العام في ظل العجز الذي تبديه قوي المعارضة الديمقراطية في كل الميادين السياسية والإيديولوجية والثقافية. وشهدت الجامعة التونسية منذ العام 1990 تزايدًا ملحوظًا في الاضطرابات الطلابية، واستخدام العنف اللفظي في المعلقات السياسية، وكذلك العنف المادي. ولا شك أن الجامعة والنقابة الطلابية الإسلامية يربطهما النظام بشكل مباشر بتكثيف المظاهرات المعادية للحكم، والصدامات مع قوي الأمن، وكتابة المعلقات السياسية المناهضة للنظام، وكل هذا يدخل في إطار الحركة السياسية من الصراع الدائر بين السلطة وحركة النهضة. مأزق المسار الديمقراطي لا شك أن الرئيس «بن علي» انتهج سياسة إشراك صف واسع من الأحزاب السياسية الإصلاحية المعارضة في المعادلة السياسية، في تمايز واضح في البدء، عن سياسة الرئيس بورقيبة، من أجل إعادة إحياء «اللحظة الليبرالية» في بداية الاستقلال وبالتالي إقرار نظام تعدد الأحزاب، وانتهاج سياسة المصالحة الوطنية في محاولة منه لاستباق المعارضة الإسلامية القوية التي ستواجهه، في سبيل إبطال نفوذها. غير أن الرئيس «بن علي» لم يزح مؤسسات الرئيس بورقيبة عن أجهزة السلطة، التي مازالت تتمسك بها، حتي في ظل التعددية السياسية، التي تعيش حالة من الانحسار الشديد، لأنها محكومة بقوانين أمنية تنظيمية، تغلبها مسألة المحافظة علي السلطة من جانب الحزب المهيمن. وعلي صعيد الواقع السياسي المعاش، فإن الديمقراطية السياسية التونسية اختزلت أكثر فأكثر في مجرد «حرية» للصحافة المعارضة، الخاضعة بدورها للرقابة في وزارة الداخلية، فضلاً عن أن التجمعات الجماهيرية، والقيام بالمظاهرات، من جانب أحزاب المعارضة ممنوعة، من دون ترخيص مسبق من الأجهزة الأمنية، وهو نادرًا ما يمنح لها. إن التعددية السياسية، والديمقراطية المراقبة بحسب استراتيجية الحكومة التونسية، يجب ألا تخرج عن نطاق برنامجه، الداعي إلي استقطاب قوي المعارضة تحت مظلته، لكي تتخندق سياسيًا، وإيديولوجيًا في خندق السلطة عينها، وبالتالي في خندق «حزب التجمع الدستوري» الحاكم في مواجهة شاملة مع الحركة الإسلامية، باعتبارها حركة سياسية تعمل علي مستوي أعمق، وتطرح قضية السلطة الإسلامية البديلة. ويستند «بن علي» في رؤيته السياسية هذه إلي منطق محدد، وهو اعتبار الخلاف السياسي بين النظام والمعارضة خلافًا ثانويًا، طالما أن المعارضة الإصلاحية في تونس، تعاني أزمة فكرية وإيديولوجية سياسية عميقة، حيث سقطت معظم المرجعيات الإيديولوجية، التي كانت تستلهم منها أطرها المعرفية، والسياسية، فضلاً عن أنها محدودة جدًا علي صعيد النفوذ والتأثير في الشارع التونسي، وعجزت سياسيًا وتاريخيًا عن أن تشكل قطبًا سياسيًا ثالثًا يتميز برؤية منفردة وتتوافر لديه القدرة السياسية العملية، لكي يشق طريقًا ثالثة خارج دائرة الاستقطاب السياسي الحاد بين النظام والحركة الإسلامية المرفوضة، والمنبوذة، من كل مؤسسات الحكم، والمعارضة الموالية للسلطة، سواء سواء. وهكذا، تقوقعت المعارضة أمام الاسقاطات السياسية «السلبية» لهذا الاستقطاب الثنائي، وبخاصة عندما اتبع «بن علي» سياسة فصل أكثر المناوئين خطورة علي النظام- أي حركة النهضة- عن المعارضة غير المؤيدة لسياسة العنف، واستخدامه لورقة المعارضة هذه، في حربه السياسية ضد حركة النهضة، باعتبارها تحتل الأولوية في الملفات الساخنة، والحال هذه، فإنها تتطلب وقفة موحدة في مواجهة «إرهاب الإسلاميين الأصوليين». وهناك إجماع في تونس، لدي السلطة والمعارضة علي حد سواء، من أن المسار الديمقراطي في مأزق، وهو مأزق خيار سياسي بالدرجة الأولي، لأن الديمقراطية لا يمكن أن تصنع عبر وزارة الداخلية، وهذا ما يؤكد عودة النظام المؤسسي التونسي إلي اعتماد نهج الرئيس السابق بورقيبة في معالجته للأزمة المتفجرة مع الحركة الإسلامية المتزامنة، مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة. أزمة الخليج وإسقاطاتها انحاز الشارع المغاربي بوضوح إلي العراق إبان حرب الخليج الثانية، وأطلقت نزعة معاداة الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل إلي أقصاها، واحترام الرئيس «بن علي» عواطف الشارع وانحيازاته، واستنفر جيشه الصغير في خطوة رمزية سياسية ذات معني يحظي باحترام الشارع. وبقت الدولة التونسية مع اعتراضها علي اجتياح العراق للكويت، مبدأ الحل العربي، ورفض الحصار الاقتصادي علي العراق، ورفع العقوبات عنه. كان هذا موقف السلطة المعلن في 11 أغسطس سنة 1990، وفي خطاب للرئيس «بن علي» في 26 يناير 1991، حين بدأت الحرب الأمريكية علي العراق، ذكر بالخصوص «إن الغايات «وهو يتحدث عن غايات الحرب) الحقيقية التي تبينت هي أنه لا يراد أن تقوم لهذه الأمة قائمة، وأنه ممنوع عليها أن تكتسب قوة أو مناعة، أو أن تأخذ نصيبها من التقدم العلمي والتكنولوجي، لتبقي محكومة بالتبعية إلي الأبد في ظل نظام عالمي جديد قديم ليس لها فيه مكان». وقد وظف النظام التونسي موقفه من حرب الخليج، الذي وصلت حدة خطابه إلي طرح المستوي الحضاري في مواجهة الغرب، لاحتواء توظيف حركة النهضة لتلك الأزمة وتوظيفها في تفجير «ألغام الأزمة الداخلية». ومن خلال هذه المواقف المؤيدة للعراق التي اتخذتها السلطة التونسية التفت أحزاب المعارضة مع الحزب الحاكم في تحركات جماهيرية. ونتج عن موقف الرئيس «بن علي» المؤيد في البداية للعراق تهميش حركة النهضة وعزلها. مع أنه في البيان الذي أصدرته حركة النهضة في 9 أغسطس 1990 أعربت عن رفضها «لما أقدم عليه العراق من اجتياح عسكري للكويت واعتبار هذا التدخل أمرًا مرفوضًا مهما كانت دوافعه، فهو ينطلق من تقديرنا بأنه يتصادم مع مصلحة الأمة التي لا تراها تتحقق إلا علي أساس احترام إرادة الشعوب لا الأنظمة». إلا أن هذا الرفض لم يمنع حركة النهضة من التعبير عن معارضتها للسياسات البترولية والمالية لدول الخليج «لأن التخندق ضمن استراتيجية الإمبريالية الأمريكية وحلفائها يصب في ضرب الأهداف العليا لأمتنا سواء منها المادية أو السياسية» ثم أكدت الحركة بدورها علي «إن هذا الحدث عربي وينبغي أن يعالج ضمن الأمة». وتري حركة النهضة أن التدخل الأمريكي قد حول الصراع من صراع عربي علي مسألة حيوية إلي صراع «بين العرب والمسلمين بكل فصائلهم ومواقعهم وبين عدد من الأنظمة الغربية بزعامة أمريكا». وتضيف حركة النهضة في بيانها أن هذا المعطي الجديد في الصراع قد فرض التزامات جديدة وواجبات من نوع آخر حددها في النقاط التالية: - التنديد بالتدخل العسكري الأمريكي وتدنيس البقاع المقدسة للمسلمين، كذلك التنديد بكل الجهات العربية التي تواطأت مع التدخل الأمريكي الأجنبي. - دعوة الشعوب العربية والإسلامية إلي الثورة في كل مكان ضد أشكال الهيمنة والابتزاز.. والتخلص من الأنظمة الديكتاتورية. في تقييم لتلك المرحلة الصعبة، يقول أحد المقربين من حركة النهضة الأستاذ محمد بن نصر «لقد ظنت حركة النهضة أنها قادرة علي تحريك الشارع برفع شعار الحرية والديمقراطية (تبنت حركة النهضة شعار «رفع المظالم المسلطة عليها» في حين أن الرأي العام الوطني كان منشدًا حول قضايا أهم وأكبر علي الأقل مرحليًا)، وكان هذا الخطأ الاستراتيجي سببًا رئيسيًا في فشل حركة النهضة في تطويق سياسة السلطة، وتجاوز الهم الإقليمي إلي الاهتمام
بهموم الأمة في ذلك الظرف العصيب. لقد عبرت كل الأطراف السياسية والاجتماعية وحتي السلطات الرسمية عن مواقف متقاربة من أزمة الخليج. ولكن الساحة التونسية كان تفتقد لجهة تدفع المواقف النظرية المؤيدة لشعب العراق إلي امتحان الفعل والعمل. هذه الأسباب جعلت الساحة التونسية طبعًا باستثناء الموقف الشعبي التلقائي- غير قادرة علي التفاعل الإيجابي والحكم مع العدوان الأمريكي- الغربي علي العراق. من ناحية أخري استطاعت الحكومة التونسية أن تقدم نفسها في الدوائر الدولية، وخاصة الغربية منها، باعتبارها الجهة الوحيدة التي يمكن أن تقف بحزم في وجه «الخطر الإسلامي» وأنها مضطرة حتي تنجح في هذه المهمة لانتهاج سياسة «التعددية السياسية الواعية أو المقيدة»، وما ينتج عن ذلك من «تحديد نسبي لحرية التعبير»، ومن إجراءات وقائية لتجنب صعود الأصوليين إلي السلطة. رغم أن الرئيس «بن علي» اتخذ مواقف مناقضة للاتجاه التقليدي لسياسة الدولة التونسية (الغرباوية) إلا أنه نجح في استثمار أزمة الخليج من خلال قراءته الدقيقة لمعطيات الواقع التونسي، عبر إحداث انقلاب في موازين القوي الاجتماعية والسياسية لمصلحة النظام، وتعزيز شرعيته. جاءت التطورات السياسية لأول انتخابات حرة في الجزائر، والتي قامت علي أساس التعددية الحزبية، وبخاصة بعد الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ، وما أحدثته من هزة عنيفة داخل حزب جبهة التحرير الوطني، وما أثارته من مخاوف حقيقية من وصول حكم إسلامي أصولي في الجزائر يغير النظام، وبالتالي يكون له انعكاسات إقليمية عربية ودولية، تتجاوز بدون شك الحدود السياسية والجغرافية للجزائر لتعزز مخاوف الحكم التونسي، ولتحسم قناعته وموقفه، وحتي في بعض أوساط المعارضة، بشأن موضوع عدم الاعتراف بحركة النهضة. وجاءت عمليات العنف، من اعتقال عناصر تنتمي إلي مجموعة إسلامية سرية متطرفة، اتهمتها السلطات التونسية في نوفمبر 1990، بسرقة كميات من الديناميت من إحدي كسارات الحجارة في إحدي ضواحي العاصمة، والهجوم الذي تعرض له مقر «حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم» في حي باب سويقة بالعاصمة في السابع من فبراير 1991، حيث شب حريق في مقر الحزب واحترق فيه جثمان أحد الحراس في داخله. فقامت السلطات بحل الاتحاد النقابي للطلاب الذي يهيمن عليه الإسلاميون في 29 مارس 1991، بناء علي اكتشاف أسلحة في مقر الاتحاد العام التونسي للطلاب وفي عدة مدن جامعية، وقتل بالرصاص ثلاثة طلبة فيما بين 29 و12 مايو أثناء المواجهات مع الشرطة في حرم الجامعة، وقتل طالبان آخران في القيروان وسوسة. وفي إطار اتخاذ الصراع بين حركة النهضة والدولة أبعادًا خطيرة، اعتقلت أجهزة الأمن التونسية قيادات وكوادر أساسية من حركة النهضة حين أعلن الرئيس «بن علي» في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة اختتام أعمال الدورة الخامسة للجنة المركزية للتجمع في 18 مايو 1991، عن اكتشاف مؤامرة جديدة لقلب نظام الحكم. وتم إلقاء القبض بعد ذلك بأربعة أيام علي 400 شخص من بينهم ما يقرب المائة من «الجناح الإسلامي الأصولي داخل المؤسسة العسكرية». «ثم تم إرسال إخطار دولي لملاحقة عشرة من زعماء حزب النهضة يوم 24 مايو، وكان من بينهم راشد الغنوشي وحبيب المكني وكركر وشمام، وفي 15 يونية تم توجيه تحريض إلي حكام الأقاليم من «أجل مواجهة تمرد الإسلام السياسي»، وطلب من الجيش يوم 24 يونية «حماية المؤسسات الدستورية». وكان الشيخ راشد الغنوشي قد نفي بشدة تورط حركة النهضة في محاولة الاستيلاء علي السلطة، معتبرًا أن مسئولية المحاولة هذه تقع علي عاتق «الأجهزة السرية» التونسية. ويبدو واضحًا أن المؤشرات والتطورات السياسية الخطيرة في تونس، جعلت الرئيس «بن علي» يعتمد نهجًا جديدًا يقوم علي- سياسة «القبضة الحديدية»- في عملية الحسم مع حركة النهضة، بعد أن توصل إلي صيغة توفيقية بين السلطة ومبادرة عبدالفتاح مورو، الذي يمثل جناحًا معتدلا داخل الحركة الإسلامية التونسية، من شأنه أن يوجد مخرجًا في إدارته لهذا الصراع، وفي رأي صالح كركر وحبيب المكني بخصوص عبدالفتاح مورو وأعضاء مجلس الشوري الآخرين الذين قطعوا صلاتهم بحركة النهضة، إن ذلك الموقف جاء نتيجة للضغوط التي مارستها الشرطة عليهم، والتي لم يكن لديهم القوة البدنية والمعنوية الكافية لمواجهتها مرة ثانية. فقد أنقذوا أنفسهم- بطريقة ما- حتي لو استدعي الأمر بعد ذلك تبرير موقفهم بنقد جناح هذا التيار الذي اشتهر بالتشدد. انشقاق مورو لم يفاجئ الانشقاق الذي أقدم عليه عبدالفتاح مورو ورفاقه فاضل بلدي وبنعيسي الدمني، ولبيدي وبحيري، المتابعين والعالمين بخفايا الأزمة والخلافات العميقة التي كانت تعيشها حركة النهضة، منذ فترة نسبية طويلة. ولم يكن وليد لحظته السياسية التاريخية الراهنة، وإن كان من الناحية الموضوعية يخدم مصلحة السلطة، التي استفادت من هذا الانشاق. من الملاحظ أيضًا، أن الحركة الإسلامية التونسية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي، حاولت أن تطور في الفكر الإسلامي السياسي مستفيدة من التطورات الاجتماعية والسياسية الموضوعة في المجتمع التونسي، وعلي صعيد الوطن العربي والعالم الإسلامي، في محاولة لبلورة رؤية سياسية متجددة، انطلاقًا من تقييم مسار الحركة، ومضامينها الفكرية، في إطار نقد ذاتي للحركة الإسلامية والتي تمثلت في المقابلات التي أجراها الغنوشي مع عدة صحف ومجلات عربية، نخص بالذكر منها المقابلة التي أجرتها معه مجلة الشراع اللبنانية، بمناسبة ندوة الحوار القومي/ الديني، التي جرت في القاهرة بتاريخ 6/11/1989. كانت أدبيات حسن البنا وقطب وأبو الأعلي المودودي، التي صدرت في ظروف سياسية تاريخية محددة- كافية لتعضيد نقد علمانية بورقيبة، وشكلت مادة أساسية في مجلة «المعرفة» خلال مرحلة السبعينات. لكن هذه السلطة المرجعية الإخوانية أصبحت عاجزة عن توفير الأسس اللازمة لمشروع سياسي يحظي بالمصداقية في مرحلة الثمانينات في تونس، نظرًا لأن الواقع التونسي وإشكالاته بدأ يفرض نفسه منذ النصف الثاني من السبعينات. فمدرسة الإخوان المسلمين لم تعد تشكل نموذجًا يحتذي به بالنسبة لحركة النهضة، لأن الإخوان المسلمين لا يمثلون الاستراتيجية والثقافة المطلوبين في المرحلة التاريخية التي تعيشها تونس. من هنا بدأت حركة النهضة تعيش أزمة مذهبية. علي الصعيد المنهجي يتمسك الشيخ راشد الغنوشي بالإطار المرجعي لفكر الحركة الإسلامية الأصولية، لكنه يقول «لم يعد هناك مجال أمامنا لتناول مشاكل الحاضر والرؤية المستقبلية بأعين الماضي، لذلك علينا أن نفجر جميع الكتب التي آلفنا أن نربي عليها مريدينا، لأنها كتب من وجهة نظره تدفع إلي الاستبداد داخل التيار الإسلامي». ويضيف قائلاً: «إذا كنا مصابين بالعجز عن فهم واقعنا، وعن إدراك تطوره، الأمر الذي جعل الحركة الإسلامية مضطربة تتقدم وتتأخر ولم تهتد إلي الطريق الأسلم، وبالتالي كانت قدرتها علي التقدم محدودة، ولا شك أن مسئولية الفكر في هذا التخلف مسئولية عظيمة. فغياب النظريات الإيديولوجية، والفكر الاستراتيجية المحدود، يجعل الحركة الإسلامية محكومة بالتراث، بأحكام مطلقة فوقية وردود أفعال وقتية».

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.