انطلقت أمس الانتخابات البرلمانية العراقية 2025 من أجل اختيار أعضاء مجلس النواب العراقي البالغ عددهم 329 نائبًا، في استحقاق انتخابي حمل معه تغيرات جوهرية في موازين القوى السياسية، وملامح جديدة لمستقبل الحكم في البلاد. غياب التيار الصدري ومشهد انتخابي متنوع اتسمت الانتخابات بمقاطعة التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، وهو ما أوجد فراغًا سياسيًا كبيرًا في الشارع الشيعي، مقابل مشاركة مكثفة لتحالفات وأحزاب متعددة الاتجاهات. وبرز في مقدمتها تحالف "الإعمار والتنمية" بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي ضم عدة قوى من أبرزها تيار الفراتين، وحركة عطاء، وكتلة صادقون، إلى جانب ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتحالف "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي. وشاركت القوى الكردية الرئيسية — الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني — بقوائم منفصلة، فيما خاضت قوى مدنية علمانية السباق عبر تحالف البديل بقيادة عدنان الزرفي، وضمّ الحزب الشيوعي العراقي وعددًا من التيارات المدنية. كما نشط تحالف قوى الدولة الوطنية بقيادة عمار الحكيم في بعض الدوائر الانتخابية ذات الثقل الشيعي. إقبال شعبي متوسط وتقدم ائتلاف السوداني أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة بلغت 56.11%، وهي نسبة تعكس قدرًا من الثقة الشعبية بالمناخ الانتخابي رغم الدعوات إلى المقاطعة. ووفق النتائج الأولية التي نقلتها وكالات أنباء دولية، تصدر ائتلاف "الإعمار والتنمية" بقيادة السوداني المشهد، يليه تحالف "تقدم" لمحمد الحلبوسي، وائتلاف دولة القانون، ثم الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان. وأكدت مصادر في المفوضية أن ائتلاف السوداني حقق تقدمًا ملموسًا في أغلب المحافظات الشيعية والوسطى، بينما حافظت القوى السنية والكردية على نفوذها التقليدي في مناطقها. ومن المقرر إعلان النتائج النهائية الرسمية مساء اليوم. خارطة تحالفات جديدة لتشكيل الحكومة وفق الدستور العراقي، يُكلف رئيس الجمهورية، الذي ينتخبه البرلمان الجديد، رئيس الوزراء من الكتلة البرلمانية الأكبر لتشكيل الحكومة المقبلة. وبالنظر إلى طبيعة التوازنات الحالية، فإن السوداني — الذي يقود الائتلاف الأكبر وفق النتائج الأولية — يُعد المرشح الأوفر حظًا لتجديد ولايته، في حال نجح بتحقيق توافق مع الكتل الشيعية والكردية والسنية. ويرى مراقبون أن المرحلة المقبلة ستشهد مفاوضات معقدة بين القوى السياسية، خصوصًا مع غياب التيار الصدري الذي كان يشكل عاملًا حاسمًا في تشكيل الحكومات السابقة.
تحديات اقتصادية وسياسية أمام الحكومة المقبلة سيواجه البرلمان والحكومة الجديدة ملفات داخلية شائكة، أبرزها: نقص فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب. تدهور البنية التحتية والخدمات العامة، لا سيما في قطاعي التعليم والصحة. ملف الفساد الإداري والمالي الذي ما زال يشكل عقبة أمام التنمية. كما يبرز تحدٍ آخر يتمثل في الحفاظ على التوازن الدقيق في العلاقات الخارجية، خصوصًا مع إيران والولايات المتحدة، في ظل التحولات الإقليمية منذ اندلاع حرب غزة عام 2023، وما رافقها من إعادة تشكيل للتحالفات في المنطقة. تركيبة الحكم وتوازن المكونات منذ أول انتخابات حرة عام 2005، استقر العرف السياسي في العراق على نظام المحاصصة بين المكونات الرئيسية: رئيس الجمهورية من الأكراد. رئيس الوزراء من الطائفة الشيعية. رئيس مجلس النواب من الطائفة السنية. ومن المرجح أن تستمر هذه الصيغة في البرلمان الجديد، رغم الأصوات المتزايدة المطالبة بإصلاح النظام السياسي نحو نموذج مدني أكثر شمولًا وتمثيلًا.
خلاصة المشهد تؤكد نتائج انتخابات 2025 أن العراق يقف أمام مرحلة انتقالية دقيقة؛ فنجاح السوداني وتحالفه في تحقيق أغلبية نسبية يفتح الباب أمام استقرار سياسي محتمل، لكنه لا يلغي التحديات البنيوية التي تواجه النظام السياسي منذ عقدين. أما غياب التيار الصدري، فقد أوجد فراغًا مؤثرًا لكنه أتاح في المقابل فرصة لإعادة ترتيب الخريطة الحزبية وبناء توازنات جديدة بين القوى التقليدية والمدنية. وفي انتظار إعلان النتائج النهائية وتسمية رئيس الوزراء الجديد، يبقى التحدي الأكبر هو قدرة البرلمان المقبل على تحقيق إصلاحات حقيقية واستعادة ثقة الشارع العراقي الذي أنهكته الأزمات المتتالية.