في تحرك دبلوماسي يُعدّ الأبرز منذ اندلاع الحرب في السودان، استضافت العاصمة الأميركية واشنطن جولة محادثات غير مباشرة بين الحكومة السودانية ومسؤولين في الإدارة الأميركية، بمشاركة واسعة من كبار المستشارين في البيت الأبيض، بهدف بحث خارطة طريق جديدة لإنهاء الحرب وتثبيت السلام ضمن رؤية الرباعية الدولية. محادثات ذات طابع أمني وسياسي تشكيلة الوفد السوداني المشاركة في هذه المفاوضات عكست الأهمية التي توليها الخرطوم للملف الأمني، إذ ضمّ الوفد إلى جانب وزير الخارجية المكلّف محيي الدين سالم، الفريق ركن أحمد علي صبير رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية، والعقيد عمرو أبو عبيدة، إضافة إلى الملحق العسكري والمستشار الأمني بالسفارة السودانية في واشنطن. وبحسب مصادر دبلوماسية تحدثت ل "الفجر"، فإن هذه الجولة تمثل الاختبار الأول لقدرة حكومة السودان على التفاعل مع النهج الأميركي الجديد في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تميل إلى التواصل المباشر بعيدًا عن المسارات السياسية التقليدية. صفقة "الفاشر" ومقايضات سياسية حساسة نقلت قناة "الحرة" عن مصادر سودانية أن محادثات وفد الجيش السوداني تمحورت حول مقايضات حساسة، أطلق عليها في أروقة المباحثات اسم "صفقة الفاشر". وتتضمن أبرز بنودها مقايضة دعم واشنطن لتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية، مقابل تعهد الحكومة السودانية بوقف إنشاء القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان، إلى جانب ضمان المصالح الأميركية وحلفائها في البحر الأحمر. كما عرض الوفد السوداني ملف حصار مدينة الفاشر باعتباره "دليلًا موثقًا على الممارسات الإجرامية للدعم السريع"، مطالبًا الإدارة الأميركية بالضغط على دولة الإمارات لوقف أي دعم عسكري أو مالي لتلك القوات.
اجتماع رباعي في واشنطن لدعم جهود السلام وفي السياق ذاته، أعلن مسعد بولس، كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية، عن انعقاد اجتماع رباعي في واشنطن بمشاركة مصر والسعودية والإمارات، لمناقشة تطورات الملف السوداني. وأكد بولس أن ممثلي الرباعية ناقشوا التوصل إلى هدنة إنسانية عاجلة ووقف دائم لإطلاق النار، إضافة إلى وضع آليات عملية لدفع الانتقال إلى الحكم المدني، ومنع التدخلات الخارجية في الصراع السوداني. وأوضح أن الاجتماع أسفر عن تشكيل لجنة تنسيق مشتركة بين الدول الأربع لمتابعة تنفيذ الأولويات العاجلة في السودان، مشيرًا إلى أن الرئيس دونالد ترامب وجّه بإعطاء أولوية قصوى للسلام في السودان وإنهاء معاناة الشعب السوداني. نحو مرحلة جديدة من الدبلوماسية الإقليمية تشير هذه التطورات إلى أن الولاياتالمتحدة تسعى لإعادة هندسة مسار العملية السياسية في السودان عبر ما يُعرف ب "المرحلة الثانية من خطة الرباعية"، التي تهدف إلى: 1. تثبيت وقف إطلاق النار. 2. إطلاق عملية سياسية شاملة. 3. توحيد القوى المدنية تحت مظلة انتقالية جديدة.
ويرى مراقبون أن المسار الأميركي الجديد قد يشكل نقطة تحول في مسار الأزمة السودانية، إذا ما نجحت واشنطن في تحقيق توازن دقيق بين الضغوط السياسية والدبلوماسية من جهة، واحتواء النفوذ الإقليمي من جهة أخرى. في النهاية تؤكد المعطيات أن مفاوضات واشنطن ليست مجرد جولة حوارية عابرة، بل خطوة ضمن إستراتيجية أميركية لإعادة صياغة مشهد الصراع السوداني بما يتسق مع مصالحها وشركائها في المنطقة. وبينما تترقب الأوساط السياسية السودانية مخرجات هذه اللقاءات، يبقى التحدي الأكبر في مدى قدرة الأطراف السودانية على التوافق حول مستقبل الدولة ووقف الحرب الدامية التي أنهكت البلاد لأكثر من عام ونصف.