ألقى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، كلمة خلال تجمع شعبي بساحة محمد علي بالعاصمة التونسية، وذلك بمناسبة الذكرى الثامنة للثورة. وقال الطبوبي:"مرحبا بكم مجدّدا في رحاب ساحة محمد علي رمز الصمود والنضال، ساحة محمد علي التي دوّت فيها ومازالت شعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، شكرا لكم على وفائكم وعلى حضوركم في الموعد ككلّ سنة في مثل هذا اليوم، لنحيي معا عيد الثورة، ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وَلْنَقِفْ في خشوع وإجلالٍ وفاءً وعِرفانا لدماء الشهداء ولجرحى ثورتنا المجيدة ولشهداء الإرهاب شكري بلعيد ومحمد البراهمي وكافة الأمنيين والعسكريين والمدنيين، وَلْنَستمدّ من سَخَاءِ عَطائهم ومن شجاعة وثبات مواقِفِهم القوّة والإرادة لاستكمال الأهداف التي ضحّوا من أجلها". وأضاف:"نلتقي يا أخواتي ورفاقي في النضال، حتّى لا ننسى ولن ننسى أنّ ما حصل في مثل هذا اليوم من سنة 2011 هو كسب تاريخي عظيم وثمرة تراكم نضالي طويل وَنِتَاجُ نضال شعبي أصيل ومتجذّر في عمق الحركة الوطنية، وإنْ كَرِهَ الجاحدون"، متابعا:"حراك انتفض انتصارا لحرية التونسيات والتونسيين، ونهض لتغيير الحُكم الفاسد ومنواله التنموي المُكرِّس للهشاشة والحَيْف والتمييز، والسالب للكرامة والحرية. فأنهى بطريقة سلمية، وفي سابقة فريدة من نوعها، أحد أَعْتَى نُظُمِ الحكم. نظام سيطر على المجتمع لعقود وتغلغل في مفاصله فأفسده، وحوّل مواطنيه إلى مجرّد رعايا يحكمهم الخوف ويَسكُنهم الخنوع". وتابع الطبوبي، لم تعد هناك ضرورة للتحفّظ في الخطاب وقد آن الأوان اليوم، أن نسمّي، نحن معشر النقابيين، الأشياء بأسمائها، فالتقشّف الذي تعمل الأوساط المالية على فرضه عبر المقايضات والمساومات والذي انصاعت إليه حكوماتنا المتعاقبة على امتداد السنوات الثماني الأخيرة وما قبلها، أصبح عند هذه الحكومات قيمة عليا، فلم يصمد أمامها القرار السيادي الوطني ولا مطالب الثورة ولا استحقاقات التنمية ولا حتّى المقتضيات الأساسية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، كيف لا وقد مرّت ثماني سنوات من عمر الثورة ونحن نُساس وِفْقَ نفس المنوال التنموي المُمْلَى من قبل تلك الأوساط والمكرّس للحيف والتفاوت الجهوي والمغيّب للحماية والسالب للكرامة. وإستكمل أمين إتحاد الشغل، كيف لا وقد مرّت ثماني سنوات من عمر الثورة والحالة هي الحالة، بل ازدادت سوءً.. مزيدٌ من التفاوت بين الجهات وفيما بين الجهة الواحدة.. مزيدٌ من الفقر والغُبن.. مزيدٌ من البطالة والتهميش والإقصاء.. مزيدٌ من تحكّم أباطرة التهريب والاقتصاد الموازي في مسالك التوزيع إلى حدّ ارتهان معيشة المواطن واستباحة هيبة الدولة وسلطان القانون.. مزيدٌ من الفساد والنهب المُمَنْهَج، كيف لا وقد مرّت ثماني سنوات من عمر الثورة والتجاذبات هي التجاذبات تحكُمها مصالحٌ وأطماعٌ فئويةٌ ضيّقة وكثيرا ما يُغذّيها المال الفاسد وتحكُمها أجندات مالية وجيوسياسية دولية لا همّ لها إلاّ مُصادرةُ قرارِنا وارتهانُ سيادتنا، كيف لا والبلاد ما تزال، باسم التقشّف والصرامة المالية، مشدودةً إلى إرهاصات الماضي البغيضة.. وما تزال مشاعرُ اليأسِ والإحباط والغضب تعصف بشعبنا وتغذّي لدى شبابنا شتّى مظاهرِ العنف والإدمان وتدفع بالكثيرَ منهم إلى ركوب قوارِب الموت بحثا عن حلم مفقودٍ وتُوَلِّدُ مشاعرَ الحقدِ والكراهية لديهم. وأوضح الطبوبي، أن نفس المنطق الليبرالي الجائر ما انفكّ يقود حكوماتِنا المتعاقِبة ويدفعها باسم التقشّف والصرامة المالية إلى التنكُّر لالتزاماتها وتعهّداتها تجاه الأجراء وتجاه الفئات والجهات المحرومة والمفقّرة والمهمّشة، متابعا نفس المنطق الليبرالي السافرِ دفع بالحكومة الحالية إلى الكيل بمكيالين فأقصت أعوان الوظيفة العمومية من حقّهم في الزيادة ضمن ميزانية 2019 منفّذة إملاءات صندوق النقد الدولي ضاربةً عرض الحائط بالحوار الاجتماعي وبكلّ التزاماتها وتعهّداتِها مع الاتحاد العام التونسي للشغل. وذكر قائلا:"قُلنا وما زِلنا نقول إنّ قانون المالية الحالي، كما سابقيه، غير مُنصف، وهو قانون تقوده خلفيّات انتخابية، يكرّس هيمنة لوبيات الفساد، وينحاز إلى العائلاتِ المُتنفِّذة، وينصاع إلى دوائر القرار الدولية على حساب القرار السيادي الوطني والمصلحة العليا للبلاد، وهو قانون مَبنِي على حساب استحقاقات الفئات الفقيرة والمتوسّطة.. فهو بذلك قانون متعارض مع روح الدستور ومع أهداف ثورتنا المجيدة، وهو مجرّد إعادة انتاج لمقاربات وسياسات العهد البائد المَقِيتْ". وأبدى امين إتحاد الشغل، تخوفه إزاء إصرار الأوساط المالية الدولية على مزيد إخضاع بلادنا لقوانين السّوق الرأسمالية، مؤكدًا انه انقلاب على استحقاقات الثورة والالتفاف على ما اكتسبه الشعب من حقوق دستورية ومن تقاليد تشاركية وتوافقية، بكثير من التضحية والمعاناة، وهو بذلك تعطيل لمسار الإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي اللذيْن نادى بهما شعبنا على امتداد السنوات الثماني الأخيرة. وتابع:"نقول ونعيد، مُسْتَلْهِمِينَ من فكر حشّاد العظيم، لا خيْر في سياسة أو في اقتصاد لا يكون في خدمة المواطن ولا يلبّي حاجيات هذا الأخير، في العيش الكريم، وفي التمتّع بثمار الثروة الوطنية على قاعدة العدل والإنصاف، ولا يوفّر له الحماية ضدّ غلاء المعيشة وضدّ البطالة وضدّ المرض والشيخوخة والعجز وبعد الوفاة، وضدّ الفقر والخصاصة، وضدّ التمييز والحيف، وضدّ الاستبداد والتسلّط والفساد"، موضحا لقد نبّهنا عديد المرات، ونعيد ونكرّر، إنّ تواصل انحدار المؤشّرات الاقتصادية كتزايد نسب التضخّم وتفاقم العجز التجاري وتراجع مخزون العملة الصعبة وانحدار قيمة الدينار واستمرار الصعوبات المالية التي تعاني منها جلّ البنوك العمومية والمنشآت العمومية من شأنه أن يعيق تمويل الاقتصاد ويُفاقم من الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد. وتابع الطبوبي، كما نبّهنا في السابق، فإنّنا نعيد ونكرّر إنّ تفاقم ظاهرة الإرهاب والسكوت عن ملفّات الاغتيالات وتسفير الشباب إلى بؤر التوتّر وتواصل الأزمة السياسية وغياب الوعي والمسؤولية لدى أغلب الأطراف السياسية بمقتضيات المرحلة وانعدام التوافق وتغييب المصلحة الوطنية واللهث وراء المُحَاصَصَات الحزبية إنّما هي من قبيل اللعب بالنار وهي تعبيرٌ صريح عن عجز نُخبنا السياسية على استكمال استحداث أو تجديد الهيئات الدستورية وخاصّة منها المحكمة الدستورية والهيئة العليا للانتخابات، كمحطّة ضرورية وملحّة على درب الإصلاح السياسي والاستقرار الاجتماعي والانتقال الديمقراطي، إنّها رسائل سلبية ومُحبِطة من شأنها أن تؤبِّد الأزمة وتزيد من عزوف الشباب عن المساهمة في إدارة الشأن العام، من ونُفورِ المستثمرين المحلّيين والأجانب ممّا أفقد المسار الانتقالي الكثير من الفرص المحفّزة والداعمة للأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وختم أمين إتحاد الشغل كلمته قائلا :"قد طالبنا من جهتنا وفي عديد المرّات بالتدقيق في المديونية والمالية العمومية وفي منظومة دعم المحروقات والمواد الأساسية ومنظومة دعم التشغيل والتكوين المستمرّ ككلّ ومنظومة إسناد القروض الصغرى. والإسراع بتقييم سياسات التشغيل المعتمدة والاتفاقيات التجارية الحالية والمنظومة الديوانية ومنظومة العائلات المعوزة، وذلك تمهيدا لوضع استراتيجية وطنية وفق مقاربة تشاركية تأخذ بوجهات نظر كلّ الأطراف وتراعي مصالح الجميع".