توج المؤتمر العام الثالث والعشرين للاتحاد العام للشغل، كبرى النقابات ومؤسسات المجتمع المدنى فى فى تونس، أعماله بالإعلان عن تولى «نور الدين الطبوبي» ( 55 عاما ) منصب الأمين العام خلفا لحسين العباسي، وذلك بعدما اكتسحت قائمته انتخابات المكتب التنفيذى ( أعلى سلطة للقرار بالمنظمة على المستوى الوطنى ) وفازت بكاملها. ويحظى الاتحاد العام للشغل بأهمية بالغة فى تونس حيث إنه اللاعب الذى لا يمكن تجاهله فى تقرير الشأن العام بل وسياسة الدولة مع أنه بالأصل منظمة نقابية .كما أن للاتحاد التونسى للشغل إشعاعه الإقليمى بوصفه من أبرز النقابات فى العالم العربي. وقد تخطى هذا الإشعاع النطاق العربى إلى العالمية حين فاز بجائزة نوبل للسلام لعام 2015 بعدما تصدر رباعى من منظمات المجتمع الدولى تولى إخراج تونس من أزمتها السياسية وتجنيبها مخاطر الاحتراب الأهلى وأخذ بزمام الحوار الوطنى بين الأحزاب المتنازعة وقاد تونس الى دستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية فى عام 2014. ولعل غالبية التونسيين لم ينتظروا بترقب واهتمام خبرا كنتائج انتخابات اتحاد الشغل،وذلك باستثناء متابعة مباريات فريقهم الوطني. ولأن العباسى اكتسب نوعا من «الكاريزما» المحاطة بسمعة وشهرة محلية وإقليمية ودولية لافتة، فإن شخصية خلفه «الطبوبي» أصبحت مجالا للتساؤلات والتنقيب فى ماضيها، وخصوصا وأن تقارير راجت عن صلته الوثيقة بحزب حركة «النهضة» الإسلامى . وهو ما قد يقطع فى حال صحته مع تاريخ اتحاد الشغل، ودوره التاريخى فى الاستقلال وبناء الدولة الوطنية. «والطبوبي» بالأصل هو واحد من بين تسعة استبقتهم انتخابات الجمعة 20 يناير الماضى على رأس المنظمة فى عضوية المكتب التنفيذى ( من إجمالى 13 عضوا). ولقد دخل الرجل للمرة الأولى إلى المكتب إثر مؤتمر طبرقة 2011 وبعيد الثورة التونسية .ولعل نفوذه على المنظمة يكمن فى أربعة مصادر : الأول هو أنه أمسك كأمين عام مساعد للاتحاد بقسم النظام الداخلي، وأصبحت بين يديه ملفات العضوية و خيوط الاتصالات مع اللجان والنقابات الفرعية سواء على مستوى جغرافى أو قطاعي. والمصدر الثانى يتمثل فى أن سيرته بالمهنية وداخل اتحاد الشغل ولجانه على مدى ثلاثين عاما تفيد بأنه يجمع بين القطاعين الأكثر حضورا فى سوق العمل والمنظمة .وهما تحديدا الفلاحون. وبحكم التطور الاقتصادى الاجتماعى فى تونس فإن الفلاحين وموظفى الدولة هم الأغلبية بين أعضاء الإتحاد . و«الطبوبى» بالأصل كان موظفا بشركة للحوم فى وسط الثمانينيات.وهذه الشركة ونقابتها تعد أحد أهم مراكز صقل القطاع الفلاحى الزراعى وتنظيماته النقابية .والثالث هو قرب «الطبوبي» من الأمين العام بين 2011 و 2016 العباسى .و لقد اشرف الأخير على تأليف قائمة مسماه «بالوفاقية» كى تترشح لانتخابات المكتب التنفيذى يتصدرها «الطبوبي». وهو تقليد تاريخى فى اتحاد الشغل يضعف كثيرا حظوظ المنافسة . أما المصدر الرابع لقوة «الطبوبي» فيتمثل فيما أبلغته مصادر الاتحاد «الأهرام » من أن الرجل كان على مدى السنوات الخمس الماضية بمثابة المفاوض الرئيسى والفعلى باسم الاتحاد إلى جانب «العباسى» ، سواء فى الوساطة مع الشخصيات السياسية المتناحرة لانجاز «التوافق الوطنى» أو فى المفاوضات حول الملفات الاجتماعية وحقوق العاملين ، وبما فى ذلك مفاوضات ديسمبر الماضى بشأن ميزانية الدولة الجديدة .وهى التى انتهت بدفع رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى إدخال تعديلات على الميزانية والتراجع عن التعهدات الرسمية مع صندوق النقد الدولي. ولعل دوره «كمفاوض» على هذا النحو هو الذى فتح الباب كى يقيم علاقات جيدة مع قيادة «النهضة » وتحديدا رئيسها راشد الغنوشى. وتقول المصادر المقربة من «الطبوبي» بأن الرجل كان عليه كمفاوض أن ينسج علاقات حسنة مع جميع الأطراف السياسية فى سياق «الحوار الوطنى» وخصوصا وأنه يأتى من خلفية نقابية «صرفة» لا تحمل ظلال انتماءات سياسية ،كما أنه لم يعرف عنه يوما الجمع بين الولاء لاتحاد الشغل وبين الانتماء لأحزاب يسارية أو غير يسارية. وبصرف النظر عن حقيقة علاقة «الطبوبى» بالنهضة «والغنوشى» ، فإن مسار علاقة سلفه « العباسى» معهما تفيد بأن الأمين العام السابق انتقل تدريجيا من الصدام والمواجهة إلى «الملاينة» .وهذا بحكم الدور المزدوج الذى لعبه اتحاد الشغل من المشاركة فى احتجاجات الشارع ضد حكم «الترويكا» بقيادة النهضة و لعب دور الوسيط الأول والأهم فى الحوار الوطنى بين النهضة وخصومها . وبحكم الانتقال بين هاتين المهمتين .وعلى أى حال ، فإن «الطبوبي» الأمين العام الجديد سيجرى الحكم على علاقته بالنهضة اعتبارا من الآن بما سينتهجه وهو فى موقعه من سياسات ويتخذه من مواقف .لكن جدول الأعمال الأهم الذى ينتظره ومعه المكتب التنفيذى هو قيادة مفاوضات جديدة مع القطاع الخاص بشأن زيادات الأجور . وهى مهمة لن تكون سهلة فى ظل ضغوط الأزمة الاقتصادية .لكن اتحاد الشغل الذى يحمل فوق كاهله تاريخا يمتد الى 71 عاما ويحظى بمكانة وطنية كبيرة فى ذاكرة غالبية التونسيين مرشح لأن يزداد نفوذه فى المجتمع بعدما قرر أن يخصص المكافأة المالية لجائزة «نوبل» لإطلاق إذاعة باسم «الشعب» فى غضون العام الحالى . وهى بحق نقلة اتصاليه كبيرة فى ظل إقبال التونسيين على الإذاعات بعد الثورة .