ينتمي محمد أحمد فرغلي باشا ملك القطن إلى أسرة من أصول صعيدية فهي من مدينة أبو تيج ون زحت إلى الإسكندرية و إستقرت بها كانت أسرته محسوبة من الصفوة حيث الثراء المادي الإقتصادي بل إن الشارع الذي ولد فيه حمل إسم أسرته وهو شارع فرغلي , توارثت الأسرة العمل التجاري فالجد و الإبن من بعده يعدان من كبار تجار الحبوب و كانا يتاجران في القطن على الجانب المحلي وحده ولا يخوضان تجربة التصدير إلى الخارج. تلقى محمد فرغلي تعليمه في مدرسة الجيزويت و هي مدرسة فرنسية ثم بعد ذلك إلتحق بكلية فيكتوريا ذائعة الصيت و كان من أبرز أصدقائه فيها أمين عثمان الذي اغتيل عام 1946م. سافر فرغلي بعد ذلك إلى إنجلترا لإستكمال دراسته في مدرسة لندن للدراسات الاقتصادية لكن مرض الأب إضطره إلى العودة إلى الإسكندرية لتحمل أعباء العمل التجاري للعائلة. كان رأسمال الأب في تلك الفترة يقترب من 30 ألف جنيه وهو رقم كبير آنذاك لكن طموح الإبن تجاوز ذلك بكثير بفعد فترة حاول العمل مستقلاً لمدة عامين إذ أنشأ مزرعة لتربية الخنازير فوق أرض مستصلحة تبلغ مساحتها 900 فدان كانت تملكها العائلة في منطقة أبو الشقوق بالقرب من المنصورة ثم قرر تصفية مشروعه الذي حقق من ورائه ربحاً صافياً يقترب من ثلاثة آلاف جنيه و هو مبلغ ضخم بمقاييس عشرينيات القرن الماضي. و تحت إلحاح الإبن محمد سرعان ما بارك الأب تحول جزء من نشاط الأسرة التجاري إلى مجال تصدير الأقطان الذي كان حكراً على الأجانب فقط. تكبدت الصفقة الأولى في مجال تصدير القطن خسارة فادحة تزيد على أربعة آلاف جنيه غير أن محمد تعلم من التجربة جيدًا. بدأت رحلة ملك القطن الذي توفي والده عام 1927م مع التصدير بحصة لا تتجاوز 0,25 % من إجمالي المحصول المصري من القطن و بعد ما يزيد قليلاً عن عشر سنوات كان محمد فرغلي يصدر 15 % من جملة المحصول وب هذه النسبة كان يحتل المركز الأول في قائمة المصدرين فضلاً عن أن نجاحه شكل دافعاً لأن يقتحم مصريون آخرون مجالاً كان مغلقاً دونهم. و في عام 1935م إنتخب محمد فرغلي وكيلاً لبورصة مينا البصل و كان أول مصري ينهي سيطرة الأجانب الطويلة على المناصب القيادية. و في مقابلة مع الملك فؤاد بعد إتخابه ودعه الملك مخاطباً بكلمة بك , و لما كان نطق الملك سامياً لا عودة فيه فقد حاز محمد أفندي فرغلي رتبة البكوية و في عام 1941م في ظل وزارة حسين سري حصل فرغلي على رتبة الباشاوية غير أن محمد أحمد فرغلي باشا عاش كثيراً من الأزمات و المحن ففي عام 1934م أدى إرتفاع أسعار القطن في بورصة نيويورك إلى توريده كميات كبيرة كان متعاقداً عليها بأسعار كلفته خسارة قدرها 600 ألف جنيه غير أن حصوله على قرض من البنك الإيطالي بقيمة 100 ألف جنيه دون ضمان أنقذه من ضائقةٍ مالية شديدة. و عاد الخط البياني إلى الصعود السريع حتى جاءت الأزمة الثانية عام 1949م وخلال السنوات الفاصلة بين الأزمتين كان فرغلي قد أصبح من كبار المساهمين في عدد كبير من الشركات و عضواً في مجالس إدارات عدد من البنوك و المؤسسات الإقتصادية وت وسعت شركة فرغلي للأقطان في أعمالها حتى وصلت أرباحها السنوية إلى ما يزيد عن مليون جنيه و في الأزمة الثانية عجز صغار و متوسطو التجار عن توريد الكميات المطلوبة في التوقيتات المحددة لمجموعة شرائية عملاقة تم الاتفاق بشأنها بين محمد أحمد فرغلي وعلي يحيى و آخرين للإفلات من الحصار الذي يهددهم لجأ هؤلاء التجار إلى تصعيد الأمر بالشكوى إلى الحكومة و كانت المفاجأة في فتوى وزارة المالية بإمكان تسليم التجار لأقطان لا تطابق المواصفات. و يروي ملك القطن في مذكراته كيف اتفق كبار المصدرين على تحرك مضاد و فوضوا علي يحيى بالسعي إلى استمالة الملك و الحصول على دعمه و كان إلياس أندراوس باشا هو الوسيط و طالب بأن يحصل الملك على ربع مليون جنيه أما الحاشية فحصة أفرادها من الرشوة 25 ألفاً. و يؤكد فرغلي أن الملك فاروق مارس ضغوطاً على الحكومة الوفدية حتى تراجع وزير المالية زكي باشا عبد المتعال عن موقفه و بفضل الحيلة و التلاعب إلتف كبار مصدري القطن على مجلس الدولة و رئيسها آنذاك عبد الرزاق السنهوري باشام ع أن فتوى مجلس الدولة جاءت لمصلحة صغار التجار و لكن بعد فوات الأوان . إنتقلت القضية بعد ذلك إلى ساحة المحاكم و ظلت مستمرة نحو 20 عاما ليكسبها في النهاية فرغلي باشا و من معه . يقول محمد أحمد فرغلي باشا بوضوح ... رجل أعمال لا ينكر اللجوء إلى سلاح الرشوة و إنتهت هذه الأزمة عام 1950م بعد ضجه إعلامية كبيرة على صفحات الصحف و في المنتديات العامة و لقد كسبت بعض الصحف نتيجة مساندتها لنا آلاف الجنيهات كما كسب المحامون مبالغ طائلة. و سميت هذه العملية أيامها بعملية الزاويه و لم تكن تلك واقعة الرشوة الوحيدة التي كان تاجر القطن الشهير طرفاً فيها فقد حدث في دائرة مينا البصل بمحافظة الإسكندرية أن رشح أحمد فرغلي نفسه يومها دفع فرغلي باشا أكبر رشوة انتخابية وهي جنيه مصري كامل لكل من يمنحه صوته و كان مندوب الباشا يعطي الناخب نصف ورقة الجنيه فإذا خرج من اللجنة الانتخابية و أعلن أنه انتخب الباشا حصل على نصف الورقة الآخر و كان مندوب الباشا داخل اللجنة يعطي الناخب ورقة تؤكد أنه نفذ المطلوب و انتخب تاجر القطن و لم ينجح الباشا بل سقط أمام مرشح الوفد رغم الجنيهات الكثيرة التي دفعها لأن الوفد في ذلك الزمان كان يكسب في كل انتخابات لم تمتد إليها يد التزوير في النتائج. و في عام 1951م تعرض فرغلي باشا لأزمة ثالثة دفعته إلى البكاء أمام زوجته فقد تعاقد على بيع ربع مليون قنطار من القطن بسعر ثمانية جنيهات للقنطار لتصل قيمة الصفقة إلى مليوني جنيه بعد أن تم التعاقد رفض خبراء البورصة القطن الذي قدمه فرغلي لأنه ليس مطابقاً للمواصفات و عندما احتج الباشا على القرار تشكلت لجنة ثانية أيدت ما و صلت إليه اللجنة الأولى. و يعترف محمد أحمد فرغلي بأنه دفع خمسة آلاف جنيه لأحد كبار الصحفيين ممن يملكون داراً صحفية ليكتب مقالاً موقعاً باسم فرغلي باشا حمل عنوان إني أتهم و كان يتهم فيه مندوب الحكومة في البورصة بالتحيز ولم ينقذ فرغلي باشا من المحنة الثالثة سوى حريق القاهرة ففي أعقاب حريق القاهرة الذي شب في 26 يناير كانون الثاني 1952م سقطت الحكومة الوفدية وت شكلت وزارة جديدة قبلت القطن الذي سبق رفضه و بدلاً من خسارة المليونين حقق فرغلي ربحًا جديدًا. ثم وقعت ثورة يوليو 1952م التي أعادت رسم ملامح مصر سياسيًا و إقتصاديًا. في لقائهما الأول قال محمد أحمد فرغلي للرئيس جمال عبد الناصر ...يا رفعة الرئيس كيف لا أؤيد تغييراً يسعى إلى تحقيق الأفضل لقد كنت أتوقع مثل هذا التغيير بدءاً من سنين طويله و كان كل خوفي أن تقع السلطة في أيدي الإخوان المسلمين فيعودوا بالمجتمع إلى الوراء. غير أن الثورة حملت معها رياح التأميم الذي يرى الباشا أنه تم بطريقة عشوائية أما فرض الحراسة على أموال ممتلكات الأغنياء فهي في تصوره أقرب إلى الأعمال الانتقامية التي تنتهك كرامة الإنسان. تم تقدير قيمة شركات فرغلي بمبلغ مليوني جنيه على الرغم من أن قيمتها الحقيقية تزيد عن ذلك بأربعة أضعاف أما أول مرتب شهري حصل عليه بعد فرض الحراسة على أمواله فلم يزد عن جنيهين ونصف الجنيه. في الستينيات تلقى محمد أحمد فرغلي عرضاً للعمل كمستشار في أحد البنوك الإنجليزية في لندن براتب يصل إلى 25 ألف جنيه بالإضافة إلى مسكن سيارة و سائق لكنه رفض العمل خارج مصر. و وافق ملك القطن على العمل مستشاراً لمؤسسة القطن في مصر بمرتب يعادل مجلس الإدارة غير أن المجلس في اجتماعه للموافقة على التعيين رفض المرتب المقترح و قرر ألا يزيد عن 100جنيه وهكذا تعامل رجال الثورة مع القطاع الخاص الوطني.