في سنة 1949 اتفق تاجر الأقطان الشهير محمد فرغلي باشا مع مجموعة من الأعيان والأثرياء وعلي رأسهم علي يحيي باشا علي تكوين مجموعة شرائية لتسويق القطن وتصديره.. وقامت المجموعة بالتعاقد علي شراء نصف مليون قنطار وتم التصديق علي هذا التعاقد في بورصة العقود قبل ان يوجد القطن في الأسواق.. وذلك مع مجموعة من صغار وكبار تجار القطن ومعظمهم من الأجانب الذين يقومون بشراء الأقطان من المزارعين وتوريدها إلي المصدرين.. وبعد فترة اكتشف التجار أنهم لن يتمكنوا من الالتزام بهذا التعاقد بالمواصفات والأوقات المحددة بالعقود.. وفكروا في الخروج من هذا المأزق وقدموا شكوي إلي البورصة بطلب اعفائهم من التسليم في الوقت المحدد. ولكن البورصة رفضت طلبهم وألزمتهم بتنفيذ التعاقد.. ولجأ التجار إلي الحكومة.. بنفس الطلب التي انحازت إليهم وصدرت فتوي تجيز تسليم التجار قطناً لا يطابق المواصفات.. ورأي التجار ان يعززوا هذا الموقف باللجوء إلي مجلس الدولة وطالبوا في دعواهم بصدور حكم بعدم شرعية المضاربات والمعاملات في البورصة. كان واضحاً ان مجلس الدولة سيصدر حكماً لصالح التجار ولهذا لجأ المصدرون إلي الملك من خلال مستشاره المالي إلياس اندراوس.. لانقاذهم من هذه الورطة خصوصاً ان وزير المالية زكي عبدالمتعال كان يميل إلي جانب التجار.. ويقول محمد فرغلي باشا في مذكراته ان إلياس اندراوس قال ان الملك موافق علي التدخل لصالحهم بشروط وهي سداد مبلغ وصل بعد المفاوضات إلي 150 ألف جنيه وللحاشية مبلغ عشرة آلاف جنيه تم دفعها.. وبالفعل ضغط الملك علي الوزارة وصدر قرار لصالح مجموعة المصدرين.. في الوقت نفسه فأنه لم يكن باقياً علي تسليم القطن سوي أيام قليلة. كان مجلس الدولة علي وشك اصدار حكمه.. ولجأت المجموعة إلي حيلة لتأخير صدور الحكم فأقاموا دعوي لطب رد المحكمة الذي يستغرق وقتاً طويلاً ونجحت هذه الحيلة حيث اثبتت البورصة عدم تسليم التجار للقطن المطلوب وأثبتت مجموعة المصدرين قدرتها علي السداد وعندما صدر حكم مجلس الدولة وكان لصالح التجار بعدم شرعية أعمال البورصة.. كانت العملية قد تم تنفيذها بالكامل. هذه الحكاية وقعت منذ أكثر من ستين عاماً عندما كان القطن المصري عماد الاقتصاد.. وله اضلاع ثلاثة المزارع والتاجر والمصدر.. وكان الثلاثة يحصلون علي أرباح طائلة.. الا في أحوال نادرة.. وفي ظل ثورة 23 يوليو قامت الحكومة بدور التاجر والمصدر.. وتحولت عمليات استيراد القطن المصري من انجلترا إلي الاتحاد السوفيتي وكانت الحكومة تقترض بضمان القطن. وفي السنوات الأخيرة تخلت الحكومة عن تسويق القطن وأصبح المزارع يواجه عادة كارثة لعدم القدرة علي التسويق.. وبالتالي امتلأت مخازن الجمعية العامة للاصلاح الزراعي بنحو 50 ألف قنطار.. من بينها 30 ألف قنطار من العام الماضي و20 ألفاً من العام الحالي.. كما امتلأت المخازن الأخري والمنازل بمئات الآلاف من القناطير التي لم يتمكن أحد من تسويقها لا داخلياً ولا خارجياً. وأخيراً قررت الحكومة ان تدخل مشترية للقطن من المزارعين بسعر يتراوح بين ألف وألف ومائة جنيه للقنطار.. ورغم ان هذا السعر لا يحقق سوي ربح هامشي إلا ان المزارع قبله.. وفي نفس الوقت يتمني ان تصدق الحكومة في وعدها وان تدفع ثمن ما تشتريه نقداً وليس "علي النوتة".