كان من اهم واكبر رجال الاعمال وصاحب انجح شركات القطن قبل ثورة 1952، رفض مغادرة مصر بعد تأميم شركاته وفرض الحراسة على كل ممتلكاته مفضلا العمل مستشارا لمؤسسة القطن فى مصر براتب 100 جنيه على العمل مستشارا لاحد البنوك الانجليزية فى لندن براتب 25 الف جنيه.. انه «ملك القطن» محمد احمد فرغلى باشا .. ولد بالاسكندرية عام 1901 لاسرة ميسورة الحال تعمل بتجارة الحبوب ذات اصول صعيدية من مدينة أبو تيج بمحافظة اسيوط، وقد حمل الشارع الذى ولد فيه اسم اسرته شارع فرغلى بين المنشية والجمرك. تعلم بمدرسة «الجيزويت» الفرنسية ثم التحق بكلية فيكتوريا حيث يتعلم ابناء صفوة المجتمع. ومن ابرز اصدقائه بها امين عثمان باشا الذى قتل 1946 . ثم سافر الى انجلترا لاستكمال دراسته الاقتصادية ولكن مرض والده اضطره إلى العودة للاسكندرية ليباشر تجارة اسرته. فى هذا الوقت كان رأس مال والده30 الف جنيه.. بدأ محمد فرغلى يتردد على بورصة مينا البصل فكانت بؤرة النشاط التجارى فى مصر كلها ويسيطر عليها الاجانب محققين ارباحا طائلة اما المصريون ما كانوا يعملون الا فى «العتالة»! عرض على والده فكرة العمل بالتصدير لكنه رفض فنشأ خلاف بينهما فقرر ان يبدأ مشروعا خاصا به فأنشأ مزرعة للخنازير على 900 فدان تمتلكها الاسرة بالمنصورة واستمر المشروع سنتين حين استدعاه والده فصفى مشروعه وعاد الى الاسكندرية وقد حقق ربحا قدره 3 الاف جنيه واستطاع إقناع والده بالتصدير ووافق الاب ولكن الصفقة الاولى حققت فى حياته خسارة بلغت 4 الاف جنيه فكان الدرس الاول فى حياته العملية. البداية بدأت رحلة محمد فرغلى مع النجاح والشهرة بعد موت والده عام 1927 فكان اول مصرى يدخل مجال تصدير القطن بحصة اقل من 25٪. من المحصول المصرى وبعدها ب 11 سنة ارتفعت الى 15 ٪ وهو اعلى رقم يصدره سواء مصرى او اجنبى. انتخب وكيلا لبورصة مينا البصل 1935 وكان اول مصرى وفى نفس العام حصل على «البكوية» من الملك فؤاد ثم حصل على «الباشوية» 1941 فى ظل وزارة حسين سرى. ثلاث أزمات قاسية ارتفعت اسعار القطن عام 1934 فى بورصة نيويورك وكان فرغلى باشا مضطرا لتوريد كميات كبيرة من القطن سبق التعاقد عليها مما كلفه خسارة 600 الف جنيه الا ان حصوله على 100 الف جنيه قرضا من البنك الايطالى بدون فوائد انقذه من ورطة مالية شديدة ومرت الازمة الاولى بسلام ثم كان الصعود هائلا وسريعا واصبح من كبار المساهمين فى عدد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية وفى مجالس ادارات البنوك وتوسعت شركة فرغلى للاقطان فى اعمالها حتى تعدت ارباحها المليون جنيه الى ان لحقت به الازمة الثانية عام 1949 وكانت بسبب عجز صغار ومتوسطى التجار عن توريد الكميات المطلوبة فى التوقيتات المحددة لكمية هائلة تم الاتفاق بشأنها بين فرغلى واخرين للافلات من الحصار الذى يهددهم وتقدم التجار بشكوى الى الحكومة وكانت المفاجأة فى فتوى مجلس الدولة بامكان تسليم التجار الاقطان غير مطابقة للمواصفات واستمرت القضية سنوات وانتهت بصدور الحكم لصالح فرغلى والاخرين متضمنا ان فتوى مجلس الدولة بعدم شرعية اعمال البورصة التى تتم يوميا فى ملايين الجنيهات تضر بالاقتصاد الوطنى ضررا بالغا. وكانت الازمة الثالثة وهى الاشد عام 1951 التى دفعته للبكاء امام زوجته حيث تعاقد على بيع ربع مليون قنطار من القطن بسعر 8 جنيهات للقنطار لتصل قيمة الصفقة الى 2 مليون جنيه، وبعد ان تم التعاقد رفض خبراء بورصة القطن العقد الذى قدمه فرغلى لانه ليس مطابقا للمواصفات، وعندما احتج فرغلى شكلت لجنة ثانية ولكنها ايدت قرار الاولى، ويعترف محمد فرغلى فى مذكراته انه دفع 5 آلاف جنيه لاحد كبار الصحفيين ممن يملكون دارا صحفية ليكتب مقالا موقعا باسم فرغلى باشا بعنوان «انى اتهم» ولم ينقذه من هذه الازمة سوى حريق القاهرة 1952 فقد سقطت الوزارة الوفدية وتشكلت وزارة جديدة قبلت القطن الذى سبق رفضه. 2.5 جنيه مرتب بعد التأميم فى لقائهما الاول قال محمد فرغلى للرئيس جمال عبد الناصر: «يا رفعة الرئيس كيف لا أؤيد تغييرا يسعى الى تحقيق الافضل، لقد كنت اتوقع مثل هذا التغيير بدءا من عام 1949 وكان خوفى ان تقع السلطة فى ايدى الاخوان المسلمين فيعودوا بالمجتمع للوراء». وتم تقديم محمد فرغلى وعلى يحيى واحمد عبود واحمد عبد الغفار للمحاكمة بتهمة التلاعب فى بورصة الاقطان بناء على مذكرة من مجموعة تجار قدمت لمجلس قيادة الثورة وفى اول جلسة للمحاكمة قال رئيس المحكمة وكان عبد اللطيف البغدادى ان السيد محمد فرغلى اخرج من القضية لعدم توفر اى ادلة تدل على ادانته. وجاءت الرياح بما لا تشتهيه السفن فكانت قرارات التأميم 19A61 وعند التأميم قدرت قيمة شركات فرغلى بمبلغ مليونى جنيه فى حين قيمتها الحقيقية اربعة اضعاف ذلك وفرضت على املاكه الحراسة وخصص له راتب شهرى جنيهين ونصف!! وفى الستينيات تلقى محمد فرغلى عرضا للعمل مستشارا فى احد البنوك الانجليزية فى لندن براتب 25 الف جنيه بالاضافة الى مسكن وسيارة وسائق لكنه رفض العمل خارج مصر ووافق على العمل مستشارا لمؤسسة القطن فى مصر براتب يعادل رئيس مجلس الادارة ولكن المجلس رفض وقرر الا يزيد على 100 جنيه . وعن التأميم قال محمد فرغلى لا يستطيع احد ان يجادل فى حق الدولة فى التأميم فهو من الحقوق السيادية ولكن الذى يمكن الجدال فيه هو اسلوب التأميم وكيفية التقييم والتعويض عن الشركات المؤممة ويكون التقييم على اساس سعر سهم الشركة فى البورصة. لقد وقع التأميم على مصريين واجانب ولكن الاجانب حصلوا على تعويض مجز وعلى معظم حقوقهم ولم يوضعوا تحت الحراسة ولم يحدث ذلك مع المصريين. ان التأميم وقع بطريقة عشوائية اما الحراسة على اموال وممتلكات الاغنياء فانها اقرب الى الاعمال الانتقامية التى تنتهك كرامة الانسان. وانتهت رحلة ملك القطن الانيق شكلا واخلاقا صاحب الطربوش الطويل والقرنفلة فى عروة البدلة عام 1987 .