من برشلونة وهولندا إلى قصر باكنجهام.. التنظيم يصطاد السياح لإيقاع أكبر عدد ممكن من الجنسيات التنظيم يختار أهدافه بدقة بالغة لإنهاك أجهزة الأمن وتحقيق دعاية بتفوق أعضائه «عطلة الصيف فى أوروبا هذا العام، ستكون عطلة الموت!».. هكذا كانت تحذيرات الخارجية الأمريكية لرعاياها قبل شهور محددة وواضحة تماماً.. تنذر بأن أوروبا ومدنها الترفيهية ومزاراتها السياحية الأهم ستكون مسرحاً لهجمات إرهابية كبرى بتوقيع تنظيم «داعش». غير أن «العدد الكبير من السياح الذين يزورون أوروبا فى شهور الصيف سيمثل هدفاً أكبر للإرهابيين الذين يخططون لهجمات فى الأماكن العامة خاصة فى المناسبات الكبيرة». المراكز التجارية والمنشآت الحكومية والفنادق والأندية والمطاعم وأماكن العبادة والمتنزهات والمطارات ووسائل النقل، والحفلات أيضاً، جميعها كانت أهدافاً محتملة وفقاً للتحذير الرسمى الذى أطلقته وزارة الخارجية الأمريكية فى مايو الماضى، تطلب فيه من رعاياها بشكل مباشر الامتناع عن قضاء عطلتهم الصيفية هذا العام فى دول أوروبا التى باتت هدفاً لانتقام التنظيم الإرهابى، الذى يعانى حالة من الهياج والرغبة فى الثأر والانتقام، وإثبات الوجود أيضاً بعد سقوط معاقله المركزية فى سوريا والعراق. وهو السيناريو الذى يبدو أنه يتحقق على قدم وساق منذ مطلع فصل الصيف فى شتى دول القارة العجوز، التى تتوالى الهجمات على مدنها السياحية الكبرى، بشكل مكثف ومتلاحق يستهدف إنهاك أجهزة الأمن، وبكتالوج للعمليات، يختار الأهداف بعناية فائقة أيضاً، بحيث يحقق للتنظيم أكبر دعاية إعلامية ممكنة، نظراً لحساسية هذه الأماكن المستهدفة وخطورتها، أو لأهميتها ورمزيتها التاريخية، كما هو الحال فى الهجوم الأخير على أعتاب قصر باكنجهام فى لندن مؤخراً، ومن قبله حادث الدهس والطعن بجسر ويستمنستر الشهير، على بعد خطوات فقط من مقر البرلمان البريطانى أو الهجوم على بوابات متحف اللوفر على سبيل المثال. على مدى عشرة أيام فقط شهدت أوروبا أيضاً سلسلة من الهجمات الإرهابية المروعة من هذا النوع، بدأت من إسبانيا بحادثتى دهس فى اثنتين من أكبر المدن السياحية فى إقليم كتالونيا، برشلونة وكامبرليس، ونفذتهما خلية إرهابية كانت تخطط لتفجير أماكن سياحية وتاريخية مهمة فى برشلونة أبرزها كنيسة سارجادا فاميليا الشهيرة. وذلك فى نقلة نوعية لتنظيم داعش فى أوروبا، طور بها عملياته ونقلها إلى دول جديدة لم تكن من قبل فى نطاق أهدافه المعتادة، وتوسع خارج حدود دول الحرب المباشرة معه فى سوريا والعراق، ودشن بهما أيضاً «غزوات الخلافة» فى بلاد الأندلس وفقاً لفيديو نشره التنظيم بعد ذلك. وقامت السلطات الهولندية بإلغاء حفل غنائى ضخم لفرقة الروك الأمريكية (الاه لاس)، فى قاعة (ماسيلو) للحفلات الغنائية، بمدينة روتردام، وذلك على خلفية تحذير من الأمن الإسبانى بوجود تهديد إرهابى، وفى أعقاب ذلك ألقت الشرطة الهولندية القبض على سائق شاحنة صغيرة محملة باسطوانات غاز، تواجدت قرب مكان الحفل الغنائى الذى تم إلغاؤه. وذلك بفاصل ساعات فقط، مع هجومين متزامنين، الأول نفذه بلجيكى من أصل صومالى ضد عنصرين بالشرطة فى العاصمة البلجيكية بروكسل، فى منطقة شارع نيوسترات، وهى منطقة مكتظة بالمارة والمحال التجارية وقريبة من محطة قطار شمال بروكسل، فيما وقع الهجوم الثانى بالقرب من مقر قصرباكنجهام الملكى فى لندن حيث هاجم أحد الإرهابيين قوات الأمن بسيف ضخم كان بحوذته. وهو الأمر الذى لا يزال يطرح علامات الاستفهام بشأن احتمالية التنسيق بين العمليتين اللتين تم تنفيذهما فى نفس التوقيت تقريباً، وبفاصل زمنى يقل عن الساعة. استهداف «السياح» تحديداً أيضاً، وفقاً لاستراتيجية «داعش» فى الهجمات الصيفية الأخيرة له فى أوروبا، يعلن عن نفسه بوضوح كهدف مستحدث شديد «الإغراء» للتنظيم، يتجاوز به مجرد توجيه ضربات موجعة فقط للدولة المستهدفة، عبر زعزعة اقتصادها وأمنها الداخلى، أو إصابتها فى مقتل بإسقاط أكبر عدد ممكن من رعاياها بعمليات متتالية، إلى هدف أوسع من ذلك، يتحقق للإرهابيين عند استهداف المدن والأماكن السياحية تحديداً، وهو التنوع لأقصى حد ممكن فى جنسيات الضحايا، وقد ظهر ذلك واضحاً فى عملية هجوم برشلونة الأخيرة، التى أسقطت نحو 15 قتيلا و130 جريحا من 34 دولة. بتلك النوعية من الأهداف يعلن داعش «عولمة» هجماته الأخيرة، والتركيز على أنها هجمات «دولية» لا تقف عند حدود النطاق الجغرافى للدولة مسرح العملية فقط، ولكن تتجاوز ذلك إلى «المواجهة المفتوحة»مع كافة دول الغرب المتحالفة لضرب «الخلافة» عبر استهداف رعاياها من السياح، وأن المسألة هى مجرد مسألة ترتيب فى العمليات ضد تلك الدول التى أعلنها داعش جميعاً جبهات «جهاد» مفتوحة ضد أعداء الخلافة. فى سياق متصل، فإن أجهزة الأمن الأوروبية، أصبحت تتعامل بجدية مع احتمالات بأنها ربما تواجه على الأرض الآن خطراً يتجاوز «الذئاب المنفردة» الوحيدة أو الخلايا الإرهابية المحلية الموالية لداعش، إلى وجود «شبكات» داعشية، لها امتدادات عابرة للحدود فى دول أوروبا. وهو ما يجرى التحقيق بشأنه الآن فى أعقاب هجومى برشلونة وكامبريلس الأخيرين فى إسبانيا، بعد أن ثبت أن قائد الخلية والعقل المدبر لها الإمام عبدالباقى الساتى، صاحب الصلات الممتدة بين تنظيمى القاعدة وداعش فى أوروبا، قد قضى الفترة من يناير وحتى نهاية مارس 2016 فى العاصمة البلجيكية بروكسل، ولا يعرف أحد حتى الآن شيئاً عن اتصالاته أو تحركاته خلال هذه الفترة هناك، وذلك ناهيك عن تسريبات أخرى بأن الساتى قد انتقل إلى فرنسا لفترة أخرى أيضاً. معلومات مؤكدة أيضاً تفيد بأن كلاً من عمر هشام ويونس أبو يعقوب عضوى «خلية برشلونة»، قد سافرا إلى باريس لمدة يومين، ورصدتهما الكاميرات فى محل للإلكترونيات والكتب هناك، فيما لم يتم التوصل حتى الآن لماهية المهمة التى كانت السبب وراء الزيارة الخاطفة للشابين إلى باريس والعودة سريعاً بعد يومين فقط إلى برشلونة. ما يعيد إلى الأذهان بقوة نموذج الخلية التى خططت ونفذت هجمات باريس نوفمبر2015 بقيادة عبدالحميد أباعود مسئول اتصال تنظيم داعش فى أوروبا فى ليلة أربعاء دام وصفت بأنها «11سبتمبر الفرنسي» وأسفرت عن مايزيد علي 160 قتيلا والمئات من الجرحى، ثم اتضح بعد ذلك أنها جزء من شبكة كبرى، تمتد إلى بلجيكا ، ونفذ أعضاؤها هجمات بروكسل فى مارس 2016. وهو ما تكرر بعد ذلك مع التونسى أنيس العامرى منفذ واقعة الدهس المروعة فى سوق أعياد الميلاد فى العاصمة الألمانية برلين ، ولقى مصرعه فى رحلة هروبه بعد ذلك برصاص الشرطة الإيطالية على أحد حواجز التفتيش هناك، واتضح أيضاً أنه كان له شريك أو أكثر فى إيطاليا. الوقائع التى أصبحت تبرهن الآن على صحة ما سبق أن حذرت منه المخابرات المركزية الأمريكية (سى.آى.إيه)، قبل عامين، من أن أوروبا تواجه خطر وقوع هجمات «منسقة» على أراضيها. عندما أطلقت وزارة الخارجية الأمريكية، قبل شهور، تحذيرها من الهجمات الصيفية فى دول أوروبا نبهت إلى أن مواطنين من «دول الشرق الأوسط» يسافرون إلى أوروبا عادة للسياحة وقضاء بعض الصيف هناك، ماقد يسمح بتسلل الإرهابيين وسطهم بهذه الصفة، ناهيك عن خطر اللاجئين، الصداع الأكبر فى رأس أوروبا، وتستقبل أعداداً ضخمة منهم قد تشمل ضمنها دواعش متخفين، وفضلاً عن الخطر الأكثر فزعاً الذى يمثله المقاتلون الأجانب العائدون من مناطق نفوذ داعش السابقة فى سوريا والعراق ، وأصبحوا الآن على أعتاب أوروبا. وذلك فى ظل موضة جديدة من إرهاب «الدهس» و»الطعن» لا يمكن السيطرة عليها، أسس لها فى السابق المنظر الحركى الأشهر للقاعدة «أنور العولقي»، وأحياها المتحدث السابق باسم «خلافة داعش» أبو محمد العدنانى، ومازال داعش يزكيها ويباركها ويطلق على عناصرها فى أوروبا «الخيل المسومة». وأيضاً فى ظل خلايا إرهابية داعشية جديدة قررت أن تتفادى الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى التى باتت وسيلة الأمن الأوروبى فى كشف الإرهابيين وتتبعهم، وأن تعود إلى استراتيجية «الجيتو العائلي» وخلايا الأصدقاء والأشقاء على نمط تنظيم «القاعدة» فى هجمات 11سبتمبر 2001، ومدريد2004، لضمان الثقة. وهى الظاهرة التى عادت للظهور بوضوح فى «خلية برشلونة» الأخيرة ، التى ضمت 12 من الشباب والمراهقين، 9 منهم أشقاء موزعون على أربع عائلات، التفوا جميعاً حول إمام مسجد هو عبدالباقى الساتى، نجح فى تجنيدهم بشكل مباشر، اعتماداً على المعرفة الشخصية.