»سمعت صرخات وصوت ارتطام ثم شاهدت الحشود تتفرق وهذه الشاحنة تجري بسرعة وسط لاس رامبلاس وأدركت فوراً أن هذا عمل إرهابي أو شيء من هذا القبيل.. لم تبطئ علي الإطلاق. كانت تسير بشكل مستقيم وسط الحشود في قلب لاس رامبلاس».. كلمات لشاهد عيان يُدعي توم جولر لهيئة الإذاعة البريطانية، عن حادثة الدهس التي وقعت بأحد أشهر الأماكن السياحية في قلب مدينة برشلونة الأسبانية. الحادثة التي وقعت نهاية الأسبوع الماضي أعادت للأذهان، حوادث أخري مشابهة وقعت في مدينة نيس الفرنسية، وبروكسل البلجيكية، وأوهايو الأمريكية. وآثار الاعتداء.. تساؤلات عن لجوء المتشددين إلي استخدام وسائل جديدة في ارتكاب اعتداءاتهم، لدرجة دفعت صحيفة نيويوركر الأمريكية للقول إن عامي 2016، و2017، هما أسوأ الأعوام منذ مطلع القرن العشرين، وبشكل لا يضاهيه سوء سوي 1914 الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الأولي، و1943 الذي شهد أكبر عدد من القتلي في الحرب العالمية الثانية. فخلال العام 2016 انتشر فيروس »زيكا» المُشوه للأجنة في بطون أمهاتهم، وضرب خلاله الإرهاب ممُثلاً فيما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية »داعش»، بأساليب مبتكرة، فبعد هجمات تقليدية بأسلحة نارية في مدينتي بروكسل البلجيكية وأوهايو الأمريكية، جاء الدور علي برشلونة الأسبانية ومن قبلها نيس الفرنسية وبرلين الألمانية، حيث سُحقت الجثث دهساً بالشاحنات وسالت الدماء هناك، وفي أنقرة كانت هناك واقعة أخري جديدة من نوعها بمقتل السفير الروسي علي يد ضابط شرطة تركي ينتمي فكرياً لما يُعرف بجيش الإسلام في سوريا وذلك بحسب معلومات مخابراتية غربية، وهو ما أكدته تلك الخطبة الجهادية التي ألقاها الضابط التركي عقب قتله ممثل روسيا بوتين القيصرية.. واقعة أعادت للأذهان شرارة اندلاع الحرب العالمية الأولي بمقتل ولي عهد النمسا في مدينة سراييفو عاصمة جمهورية البوسنة والهرسك حالياً، علي يد شاب صربي متعصب. القتل من خلال شاحنة تندفع بسرعة جنونية وسط حشود من البشر، هو التكتيك المفضل، الذي نظّر له ومجّده، تنظيم الدولة في أحد أعداد شهر نوفمبر الماضي من مطبوعته المعروفة باسم »رومية»، علماً بأن اسم رومية الذي أطلقه علي المجلة، هو نسبة إلي »نبوءة النبي محمد بسقوط روما عقب الفتح الإسلامي للقسطنطينية العام 1415». استراتيجية الدهس معروفة لدي التنظيمات الإرهابية منذ فترة ليست بالطويلة، بحسب ما يوضحه الخبير الأمريكي بيتر بيرجن، المتخصص في شئون الإرهاب، لصحيفة »جارديان» البريطانية، ويشير بيرجن الباحث في مركز نيو أمريكا للدراسات إلي أن »تنظيم القاعدة هو أول من دعا لتوظيف هذا الأسلوب عام 2014، وتكمن سهولته في أنه لا يحتاج لأي نوع من التدريب أو المهارات الخاصة، والشيء الوحيد المطلوب في منفذ العملية هو أن يجيد القيادة»، ففي سبتمبر 2014، وصف تنظيم القاعدة بجزيرة، من خلال الموقع الإلكتروني لمجلته الدعائية إنسباير، كيفية استخدام آليات لتنفيذ اعتداءات. وعرضت المجلة علي غلافها صورة لشاحنة فورد ضخمة مع عنوان يقول »آلة القتل القصوي»، وأوصت الإرهابيين الساعين لتنفيذ اعتداء ب»استخدام مركبة ضخمة.. يمكنكم قيادة بيك آب. وللتسبب بأضرار قصوي، عليكم أن تقودوا بأقصي سرعة ممكنة مع البقاء مسيطرين علي المركبة للحصول علي أكبر نسبة من الثبات حتي تتمكنوا من دهس أكبر عدد ممكن من الأشخاص». أما تنظيم داعش فقد أرسل العديد من الإشارات خلال الأشهر الماضية، تفيد بأنه سيستخدم هذا الأسلوب، فمع تضييق الخناق علي رجال البغدادي في مدينة الموصل العراقية، ومع تكثيف الطيران الروسي من غاراته عليهم في المدن السورية عموماً، نقرأ الأسطر التالية، الموجهة »لشباب الجهاديين المؤمنين بدولة الخلافة»، في مطبوعة رومية: » رغم أنها تمثل شيئاً أساسياً في الحياة الحديثة، فإن القليل من الناس ينتبه إلي قدرة سيارة كبيرة علي القتل والتدمير إذا أُحسن استغلالها بشكل مدروس». وكانت الخارجية الأمريكية حذرت رعاياها في أوروبا، مطلع نوفمبر 2016، من هجمات إرهابية »بأسلحة تقليدية وغير تقليدية» قد تقع في أماكن التجمهر خلال فصل الصيف الذي يشهد ازدحاماً في الأسواق والمطاعم المفتوحة في الهواء الطلق. ويمثل ضعف الدعم اللوجيستي لهذا النوع من العمليات ميزة كُبري للمنفذ، كما يجعل من الصعب علي أجهزة الأمن إحباط العملية سلفاً، حيث لا كثير من الاتصالات بين أعضاء خلية ما، ولا مخبأ لمتفجرات يمكن الاشتباه فيه أو الإبلاغ عنه قبل التنفيذ، وهو ما يؤكد عليه بيرجن بقوله » لجوء داعش للشاحنات الكبيرة هدفه تجنب رصد الاتصالات وعملية نقل المتفجرات من قبل أجهزة المخابرات الغربية.. إنه يوجه دعوة عامة من خلال أبواقه الإعلامية للمؤمنين بأفكاره ويقيمون في مدن غربية، ثم ينتظر أن يلبي أحدهم تلك الدعوة». وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلي أن الشرطة الفرنسية أعلنت، مطلع نوفمبر 2016، إحباط عملية إرهابية كُبري من خلال القبض علي عناصرها مختبئين في أحد الضواحي الباريسية ومتلبسين بحيازة الأسلحة والمتفجرات الخاصة بالعملية. وقد جاء الهجوم المسلح الذي تعرضت له مدينة برشلونة الإسبانية علي يد ثلاثة مغاربة وإسباني واحد، ليتم وضعه في أرشيف 13 عاماً من سلسلة حوادث إرهابية تتعرض لها القارة العجوز علي يد متطرفين إسلاميين ومسيحيين علي السواء، والتي أودت بحياة كثيرين رغم اختلاف أساليبها ومنفذيها، منذ 2004. في مارس 2004 تعرضت العاصمة الأسبانية مدريد لسلسلة هجمات إرهابية استهدفت 3 قطارات بالمدينة وأودت بحياة 191 شخصاً وجُرح قرابة ألفين آخرين، وهو ما تبناه تنظيم القاعدة، واعتبرت من أكثر الهجمات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وفي 7 يوليو 2005، قُتل 56 شخصاً وجرح 700 آخرين، في هجمات إرهابية نفذها 4 مسلحين، استهدفت حافلات بالعاصمة البريطانية لندن، وتبني الهجوم حينها تنظيم القاعدة أيضاً.. وفي النرويج لقي 77 شخصاً مصرعهم، وأصيب أكثر من 200 آخرين، في هجومين إرهابيين نفذهما المتطرف، أندرس بهرنج بريفيك»، بالنرويج، وذلك في 22 يوليو 2011، وهو نفس اليوم الذي شهد هجمات ميونيخ في عام 2016. وشهدت العاصمة الفرنسية باريس، في السابع من يناير 2015، أحداث عنف امتدت لثلاثة أيام بدأت باقتحام مقر مجلة شارلي إبدو الأسبوعية، بفعل تكرار نشرها لرسوم مسيئة للنبي محمد، وانتهت العملية باحتجاز رهائن علي يد مواطن فرنسي من أصل مالي يدعي آميدي كوليبالي في متجر للأطعمة اليهودية، وأسفرت الأحداث عن مقتل 17 شخصا إضافة إلي منفذي الهجمات، وهم »كوليبالي»، والأخوان سعيد وشريف كواشي اللذان نفذا الهجوم علي المجلة. واهتزت العاصمة الفرنسية باريس، يوم 13 نوفمبر 2015، علي وقع سلسلة هجمات إرهابية، شملت تفجيرات انتحارية بالقرب من استاد دو فرانس في أثناء مباراة ودية بين منتخبي فرنسا وألمانيا كان يحضرها الرئيس السابق فرانسوا أولاند، فضلاً عن احتجاز رهائن ثم قتلهم في مسرح باتاكلان، وهو ما سفر عن مصرع 130 شخصاً في العموم، وإصابة 368 آخرين بجروح، وتبني الهجمات حينها تنظيم داعش. وفي 22 مارس 2016، تعرضت محطة مولينبيك لمترو الأنفاق، ومطار زافينتيم، بالعاصمة البلجيكية بروكسل، لهجمات تبناها داعش، وأسفرت عن مقتل 32 شخصاً، وإصابة 270 آخرين. وفي وقت متأخر من مساء الخميس 14 يوليو 2016، دهس محمد لحويج بوهلال وهو سائق شاحنة تونسي مقيم بفرنسا، حشداً من الناس تجمعوا لمشاهدة الألعاب النارية خلال الاحتفالات بالعيد الوطني بمدينة نيس الواقعة جنوبي البلاد قبل أن تتمكن الشرطة من قتله، وتسبب الاعتداء في مقتل 84 شخصاً وإصابة 150، مازال 18 شخصاً منهم يصارعون الموت. ويوم الاثنين 18 يوليو 2016 قام مراهق أفغاني (17عاماً) طالب للجوء بألمانيا بالهجوم علي ركاب قطار في مدينة ميونيح بفأس وسكين فأصاب 5 أشخاص من بينهم 4 سائحين من هونج كونج. وفي 22 يوليو 2016، سقط 9 قتلي، في هجوم شنه شاب ألماني من أصول إيرانية يبلغ من العمر 18 عاماً، علي رواد مركز أوليمبيا التجاري، قبل أن يلقي الشاب نفسه مصرعه ورجحت الشرطة الألمانية فرضية انتحاره بإطلاقه النار علي نفسه. وفي التاسع عشر من يونيو 2017، وتزامناً مع العشر الأواخر من شهر رمضان المنقضي دهست شاحنة فان، يقودها شخص إنجليزي معاد لوجود الأجانب، مصلين قرب مسجد فينسبري بارك بالعاصمة البريطانية لندن ما أسفر عن سقوط قتيل و10 جرحي. وأخيراً سقط 14 قتيلاً و130 مصاباً في بلدة كامبريلس بإقليم كتالونيا بمدينة برشلونة الأسبانية.