يأتون إليها من كل فج عميق، ينبهرون بعظمتها وجمالها، لا تتوقف الأعين عن النظر إلى المآذن العالية، فهي مدينة الألف مأذنة نسبة إلى مساجدها الأثرية التي شيدت على العمارة الإسلامية. لا تتوقف الحركة بتلك المناطق القديمة التي تتزاحم فيها المساجد، فهي الملاذ، الحرم الآمن، راحة النفس، الخلوة مع الله في السراء والضراء، قد تتعدد الزيارت لأغراض مختلفة، لكن الله يستقبل الجميع باختلافاتهم. يتجلى الجمال في تلك العمارة الإسلامية التي بنيت بها المساجد، تتسائل كيف صمدت آلاف السنين رغم الإهمال؟ كيف واجهت عوامل التعرية؟، هل كان التفكير المستنير أم كان الخوف من الله؟، مهما اختلفت الإجابات، فالجمال هو المحصلة النهائية. في القاهرة القديمة، حكايات المساجد تتجلى في معالمها الطاغية، في التفاصيل الصغيرة، في الزخرفة، الدقة والرسم، البهجة التي تبعث في النفس السلام. في منطقة المعز تجد مسجد المؤيد شيخ ملاصقا لباب زويلة، أنشأه المؤيد أبو النصر شيخ بن عبد الله المحمودي الجركسي، يقول المقريزي "فهو الجامع لمحاسن البنيان، الشاهد بفخامة أركانه، وضخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان، يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنوشروان، ويستصغر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان". لا تتوقف الحكايات عن الانتهاء حين تلمح عيناك الجامع الأزهر، صحنه الداخلي المزين بالبلاط الأبيض، أروقته التي احتضنت العلم، علماؤه، الثورة التي خرجت منه في مواجهة الفرنجة. لا تخرج من المنطقة قبل أن تطأ قدمك مسجد الحاكم بأمر الله، لتروي ظمأك، تجلس بالبهو، تشاهد الحمام يتطاير في السماء مسبحا بحمد الله. من المعز لمنطقة الدرب الأحمر بالخليفة، حيث مسجد الصالح الطلائع، ومسجد أبو حربية، ومساجد أخرى بشوارع المحروسة مثل السلطان الأشرف برسباي، ومسجد السلطان الغوري، حكايات مرت عليها سنين، لكنها صامدة تصدح الآيات والصلوات بين جدرانها.