هوالملك المؤيد أبو النصر شيخ المحمودى الجركسى الأصل. ولد عام 770ه - 1368م. قدم القاهرة سنة 782ه - 1381م. وكان عمره اثنتى عشرة سنة. فاشتراه الخواجه محمود شاه البيزدى تاجر المماليك. فعرف بالمحمودى. ثم قدمه إلى الأمير برقوق وكان وقتها كبير الأمراء. فأعتقه وعنى به وبتربيته وكان ذكيا، فتعلم الفروسية واللعب بالرمح ورمى النشاب والضرب بالسيف والمصارعة وسباق الخيل. تدرج فى الوظائف وأنعم عليه بإمرة عشرة فى دولة الظاهر برقوق. ثم عين نائباً لطرابلس، فنائباً للشام. وفى أول شعبان سنة 815ه - 1412م ولى ملك مصر. وما زال سلطاناً بها إلى أن توفى فى التاسع من محرم سنة 824ه - 1421م. وعلى الرغم من أن بعض مؤرخى عصره وصفوه بالبخل وبعض الصفات. فإن الكثير منهم أجمع على اشتغاله بالعلم وحدبه على العلماء وأنه كان يباشر الأحكام بنفسه. وينزل الناس منازلهم. كما نعته بعضهم بقوله: «وكان ملكاً مهيباً ماجداً أديباً جواداً عالى الهمة . جليل القدر يملأ العين.. ويرجف القلب». كان المؤيد مغرماً بالعمارة. أنشأ منارة بالأزهر وجدد مسجد المقياس. وأنشأ الخانقاه الخروبية. وأنشأ عدة مساجد وأسبلة ومكاتب ومناظر بمصر والشام ولم يبق من منشآته إلا بقايا سبيل ومصلى بالقلعة والبيمارستان بالمحجر والحمام بشارع تحت الربع ومسجده هذا بشارع المعز لدين الله بالسكرية بالقاهرة. وهذا المسجد داخل باب زويلة وملاصق له وهو فخر المساجد فى دولة المماليك الجراكسة فقد أجمع المؤرخون على أهميته.. فنرى السخاوى المؤرخ يصفه بقوله «قيل إنه لم يعمر فى الإسلام اكثر منه زخرفة ولا أحسن ترخيماً بعد الجامع الأموى..» أما عميد مؤرخى مصر «المقريزى» فيقول عنه: «فهو الجامع.. الجامع لمحاسن البنيان الشاهد بفخامة أركانه وفخامة بنيانه أن منشئه سيد ملوك الزمان. يحتقر الناظر له عند مشاهدته عرش بلقيس وإيوان كسرى أنو شروان. ويستغفر من تأمل بديع أسطوانه الخورنق وقصر غمدان». مكان هذا المسجد من قبل كان سجناً عرف ب «خزانة شمائل» سجن فيه المؤيد وقت كان أميراً. وقاسى فيه شدائد. فنذر حينئذ إن نجاه الله تعالى ليبنينه مسجداً. وقد وفى بنذره حين ولى ملك مصر. فاشترى قيسارية الأمير سنقر الأشقر وأضاف إليها خزانة شمائل.. وعدة دور وحارات وهدمها.. وأقام مسجده الذى جعل وقفاً لله تعالى بالإضافة إلى بعض مواضع بمصر والشام» وقد انتهز مهندسه فرصة وجود باب زويلة ملاصقاً له حتى اتخذ من بدنتين قاعدتين لمنارتيه. وإن كان هذا يعد اعتداءً صارخاً فى نظر الأثريين. إلا أنه كان موفقاً فيه كل التوفيق.