العرب في الجاهلية وقبل الإسلام وضعوا تشريعات عجيبة تخص فريضة الحج التي كانوا يعظمونها؛ فقد زادوا في شعائر الحج التي جاء بها إبراهيم عليه السلام، وحرَّفوها عن مقاصدها. فقد كانت قريش تقول عن نفسها نحن أبناء إبراهيم وأهل الحرم، وليس لأحد من العرب مثل منزلتنا، وأطلقوا على أنفسهم (الحُمْس)، فكانوا لا يخرجون من الحَرم إلى الحِل، ولا يقفون بعرفة، ولا يفيضون منها، وإنما كانوا يفيضون من المزدلفة، والصحيح وعليه الحج في الإسلام وكما جاء به إبراهيم عليه السلام؛ أن الإفاضة تكون من عرفات وليس من مزدلفة كما فعل العرب في الجاهلية. ومن تشريعات الحج العجيبة التي وضعوها أنهم قالوا لا ينبغي لهم -هم الحُمْس- أن يطبخوا أو يطعموا الأقط (اللبن المجفف) أو السمن وهم في الإحرام، ولا يدخلوا بيتا من شعر، ولا يستظلوا إلا في بيوت معينة! ومنها أنهم قالوا: لا ينبغي لأهل الحِل – الذين يعيشون خارج الحرم- أن يأكلوا من طعام جاءوا به من الحلِّ إلى الحرم، إذا جاءوا للحج أو العمرة! ومنها: أنهم أمروا أهل الحِل -الذين يعيشون خارج الحرم- ألا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في الثياب الخاصة بالحُمس، وكانت الحُمس يعطون ثيابهم للناس، يعطى الرجلُ الرجلَ الثيابَ يطوف فيها، وتعطى المرأةُ المرأةَ الثيابَ تطوف فيها، فإن لم يجدوا شيئًا كانوا يطوفون عراة!! فنزلت هذه الآية {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، وكان الذي يرفض من الرجال أو النساء أن يطوف عريانًا يطوف في ثيابه التي جاء بها من خارج الحرم، ثم يلقيها بعد الطواف، ولا ينتفع بها هو ولا أحد غيره! ومنها: أنهم كانوا لا يأتون بيوتهم من أبوابها في حال الإحرام؛ بل كانوا يأتونها من ظهورها، وكانوا يحسبون ذلك الجَفَاء برًّا، وقد نهى الله عنه في القرآن، قال تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [البقرة: 189]. وهكذا لم يبقَ من دين إبراهيم عليه السلام إلاَّ القليل؛ مثل تعظيم الكعبة والطواف بها، والحج والعمرة، مع ما فيهما من تحريف، والوقوف في عرفات والمزدلفة. أما صيغة التلبية كانت عجيبة للغاية فكانوا يقولون: لبَّيك لا شريك لك إِلا شريكا هو لك، تَملكُه وما مَلك؛ وهم بذلك يوحِّدون الله بالتلبية، في الوقت الذي يُدخلون معه أصنامهم، ويجعلون ملكها بيده. ومما زادوه في عباداتهم المُكَاء والتصدية في الحرم وهو التصفيق والصفير؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35]، إضافة لذبحهم الهَدْي عند الأصنام تعظيما لها، وغيرها من التشريعات العجيبة التي حرّفوا بها مناسك الحج التي جاء بها الخليل إبراهيم عليه السلام.