يتوجه المسلمون في هذه الأيام المباركة من كل فج عميق, من مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها إلي بيت الله الحرام, ليؤدوا هذه الشعيرة العظيمة شعيرة الحج التي فرضها الله تبارك وتعالي علي كل مسلم ومسلمة في العمر مرة مني استطاع إليها سبيلا, والحج أحد أركان الإسلام بل هو ركن الإسلام الأعظم لأنه الركن الروحيد بعد الشهادتين الذي يؤدي في العمرة مرة واحدة, كما أنه الركن الوحيد من بين الأركن الخمسة الذي نص القرآن علي المنافع المادة فيه, وهو الركن الوحيد الذي تحدث القرآن عن تفصيلاته ومايجب علي المقصر فيه ومالا يجب ومايباح ومايجوز. يقول الشيخ محمد عبد القوي, من علماء الأزهر الشريف إن الحج فريضة عظمت في مناسكها وجلت في مظاهرها, وسمت في ثمارهاعظيمة المنافع جمعة الآثار, تضمنت من المنافع والمصالح مالا يحصيه المحصون, ولا يقدر علي عده العادون, بل لقد انتظم الحج من المقاصد أسماها, ومن الحكم أعلاها,ومنالمنافع أعظمها وأزكاها. والحج له مناسك معلومة وترتيب عجيب يفعله كل الحجاج في نفس الوقت والمكان, وقد بين ذلك النبي صلي الله عليه وسلم بقول عن كل منسك من مناسك الحج: خذوا عني مناسككم فهو القدوة والمعلم, ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: حجوا كما حج النبي صلي الله عليه وسلم,ولاتقولوا هذا سنة وهذا فرض.وقد حج النبي صلي الله عليه وسلم مرة واحدة واعتمر أربعا ولأن الإخلاص هو مقصد العبادات فقد حج النبي صلي الله عليه وسلم علي رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لاتساوي, ثم قال: اللهم حجة لا رياء فيها ولاسمعة ولأن إعلاء منار التوحيد وإحياء مادرس من معالمه, من أهم مقاصد الحج وأعلاها وأزكاها فإن رسول الله صلي الله عليه وسلم أخر حجه حتي السنة العاشرة حتي تطهر الكعبة من بقايا الأصنام. وأراد النبي صلي الله عليه وسلم أن يهدم عرش الشرك ويقيم علي أنقاضه صرح التوحيد ليعلم أمته فلبي تلبية مختلفة عن المشركين تلبية ينفي فيها عن الله الشريك: لبيك اللهم لبيك, لبيك لا شريك لك لبيك, إن الحمد والنعمة لك والملك, لاشريك لك. ولأن أشرف المقامات هو مقام العبودية لله والرق لله ثال صلي الله عليه وسلم في الحج علي الخصوص: لبيك بحجة حقا تعبدا ورقا وهذا يتضخ جليا في أفعاله في الحج كرمي الجمار, والتردد بين الطفا والمروة علي سبيل التكرار, وبمثل هذه الأعمال يظهر كما الرق والعبودية لله رب العالمين. ولأن وحدة الأمة هو قوتها وسلاحها, فإن نبينا علمنا كيف نكون متحدين في أداء مناسك واحدة متفقين لا خلاف ولاتفرق بيننا, فالجميع طوفون ببيت واحد ويسعون في مكان واحدا لا إله غيره,ويتقدون بني واحد, ألوان شتي وأشكال متعددة وبلاد مختلفة, رفعت وحدة الدين اختلافها وجمعت قوة العقيدة بين قلوبها, وأعمال الحج بين أبدانها وأجسامها وأفعالها, فرفضت بالفعل فواصل القوميات والعرقيات والحزبيات, وبقي الشاهد أن هذه الأمة لايودحها إلا حداء العقيدة ونداء الإيمان كما قال تعالي: إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون وقال:إنما المؤمنون إخوة ويقول الشيخ عبد المنجي مدين من علماء الأزهر الشريف كان العرب قبل الإسلام يعطمون الكعبة ويبجلون أهلها, ويأتونها حجاجا في الموسم من أقاصي الجزيرة العربية, فكانوا من أقاصي الجزيرة العربية, فضلا عن تحريم القتال في أشهر الحج لإفساح المجال أمام موكب الحجاج موكب الله ليصل من أقاصي الجزيرة سالما ذهابا وعودة, وجعلوا ماحولها حرما آمنا, حتي لو جد أحدهم قاتل أبيه بجوار الكعبة لايتعرض له بسوء قال تعالي عن قريش ساكني مكة: أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم. والبيت الحرام بناه آدام بإرشاد الله له, ليكون مقصدا في الأرض يحج إليه البشر كما تحج الملائكة في السموات إلي البيت المعمور, فلما جاء الطوفان في عهد نوح عليه السلام تهدم البيت حتي رفع قواعده إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام, كما قال تعالي وإذ يرفع إبراهيم القواعد من ا لبيت وإسماعيل ويقول: إن إبراهيم عليه السلام بناه من صخور من خمسة جبال هي: حراء, وثبير, والخير ولبنان وهي من جبال مكة, وجبل الطور بصحراء سيناء شرق مصر, وقد تهدم البيت مرة أخري وبنته قريش قبل بعثة النبي بخمس سنوات واختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في مكانه, وكاد ينشب بينهم قتال فاتفقوا علي أن يحكموا أول قادم إليهم, فكان القادم النبي صلي الله عليه وسلم,فحكموه فأخذ ثوبه ووضع فيه الحجر وأمسكت كل قبيلة من طرف, ثم أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه ولما جاء الإسلام احتلت الكعبة المشرفة والمسجد الحرام في مكة من ا لقلوب أعلي منازلها, وأعطيت من الفضائل أغلي درها,وليس ذلك بكثر علي البيت الأول لله في الأرض الذي قال الله سبحانه فيه: جعل الله الكعبة البيت الحرام قيماما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد كما قال فيه: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركة وهدي للعالمين. ويضيف الشيخ وائل عبد المطلب أمام وخطيب بالأوقاف الحج شعيرة قديمة فقريش وسائر العرب كانوا يعظمون البيت ويحجون إليه قبل بعثة النبي صلي الله عليه وسلم, لأنه كان عندهم شيء من شريعة إبراهيم عليه السلام إلا أنهم غيروا كثيرا منها وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحيرواه الطبراني وثبت أنه كانت لهم عادات في طوافهم وإفاضتهم وغير ذلك منها ما أبطله الإسلام, ومنها ما أبقي عليه ومن ذلك مارواه البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة, وكانوا يسمون الحميس, ومان سائر العرب يقفون بعرفات, فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلي الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قول الله ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس. وكان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا قريش وما ولدت, وكان الرجل من قريش يعطي الرجل الثياب يطوف فيها وتعطي المرأة المرأة الثياب تطوف فيها فمن لم تعطه قريش طاف بالبيت عريانا. وروي مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لضمين علي شط البحر يقال لهما إساف ونائلة ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والمروة ثم يحلقون, فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية, قالت فأنزل الله عز وجل: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم وفي التلبية كانوا يأتون بكلام فيه شرك بالله, حيث كانوا يقولون: لبيك اللهم لبيك, لبيك لاشريك لك لبيك إلا واحدا هو لك تملكه وماملك.تعالي الله عما يقولون علوا كبيرا. ويقول الشيخ أحمد عبد الكريم امام وخطيب بالاوقاف: لم يكن الرسول صلي الله عليه أول من حج البيت فقد سبقه إلي ذلك كثير من أنبياء الله عز وجل, فقد روي أن آدم لما فرغ من حجته لقيته الملائكة بالمأزمين فقالوا: يا آدم فلقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام وتوجه آدم إلي ربه يطلب المغفرة والرحمة ولذريته قال: يارب إن لكل عامل أجراء فقال الله تعالي: يا آدم أما أنت فقد غفرت لك, وأما ذريتك فمن جاء منهم هذا البيت فباء( اعترف) بذنبه فقد غفرت له. ثم حج إبراهيم بعد بنائه البيت فلقيته الملائكة في الطواف فسلموا عليه فقال لهم: ماذا كنتم تقولون في طوافكم؟ قالوا: كنا نقول قبل أبيك آدم: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأعلمناه بذلك فقال: زيدوا: ولا حول ولا قوة إلا بالله فقالوها فقال إبراهيم: زيدوا فيها: العلي العظيم وعن مجاهد رحمه الله تعالي قال: حج البيت سبعون نبيا فيهم موسي صلي الله عليه وسلم عليه عباءتان قطوانيتان, وفيهم يونس يقول:لبيك كاشف الكرب وروي ابن الجوزي في المثير عن عطاف بن خالد رحمه الله تعالي قال: يحج عيسي ابن مريم إذا نزل في سبعين ألفا فيهم أصحاب الكهف فإنهم مانوا ولم يحجوا رابط دائم :