انتهى قسم التشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار أحمد أبو العزم، نائب رئيس المجلس، من مراجعة مشروع قانون العمل الجديد، وأعاده إلى مجلس الوزراء مرة أخرى لوجود شبة عدم دستورية. وذكر قسم التشريع في ملاحظاته علي القانون، أن الأحكام التى يتعين أن يتضمنها المشروع، يجب أن تكون غايتها إقامة علاقة متوازنة بين أطراف علاقات العمل، تنفيذًا للمادة 13 من الدستور، فتحفظ لكل طرف حقوقه، فلا يتم تقييد صاحب العمل فى ملكه إلا بما يكون لازمًا من القيود، ولمصلحة الجماعة، ولا يثقله بالتزامات تضعف منتجاته فى مضمار المنافسة مع المنتجات الأخرى، فيعزف عن الاستثمار وينفر غيره بما يضر بالمصلحة العامة، ويتعارض مع التزام الدولة الدستورى بتشجيع الإنتاج باعتباره أول السبل لزيادة الناتج القومى ورفعة الاقتصاد، ومن جهة أخرى يجب أن تحفظ الأحكام للعامل حقوقه لدى صاحب العمل، باعتباره الطرف الأضعف فى العلاقة، فتتضمن ما يكفل تقاضيه أجرًا عادلاً يكافئ ما ساهم به فى العملية الإنتاجية، فلا يحرم منه سُخرة ولا يُنتقص بعضه عسفًا، فيثرى صاحب العمل على حسابه ظلمًا، ولا يتقاضى إلا مقابل ما يؤديه فعلاً من عمل، ومن جهة ثالثة يجب أن تكون الأحكام كافلة للدولة حقها فى استمرار الإنتاج، الذى يعد جزءا من الناتج القومى وموردًا أساسيًّا من موارد الدولة، متمثلا فيما يؤديه صاحب العمل من ضرائب، ومن جهة أخيرة تكفل حقوق المواطنين فى استمرار تدفق المنتجات الملبية لاحتياجاتهم.
وفيما يخص باقى تفاصيل مذكرة قسم التشريع بمجلس الدولة، جاءت أبرز ملاحظات القسم على المواد المتعلقة بتنظيم "الإضراب السلمى" للعمال، التى جاءت فى المواد من 200 حتى 204 من المشروع، ونظرًا للأهمية البالغة للإضراب فى الدستور والاتفاقيات الدولية، فقد أجرى قسم التشريع دراسة مستفيضة لهذه الجزئية من المشروع، وذكر أن تعريف الإضراب السلمى كما جاء بأنه "اتفاق جميع العمال أو فريق منهم على التوقف عن أداء أعمالهم بمقر العمل، للمطالبة بما يرونه محققًا لمصالحهم المهنية، بعد تعذر التسوية الودية، فى حدود الضوابط والإجراءات المقررة قانونًا"، ورأى قسم التشريع أن التعريف هذا "غير جامع ولا مانع"، إذ يفتقر لخاصتى "الجمع والمنع"، فمن ناحية هو تعريف "غير جامع" لأنه لا يعتبر التوقف عن العمل خارج مقر العمل إضرابًا، ومن ناحية أخرى "غير مانع" لأنه لم يضع حدًّا محكمًا لسلمية الإضراب، كما أنه لم يبين كيفية التوقف عن العمل.
كما لاحظ القسم، أن تعريف الإضراب فى مشروع القانون، جعل الإضراب السلمى يتم داخل "مقر العمل" دون بيان ضابط ذلك، خاصة أنه قد يتداخل مع أحد أشكال الإضرابات التى تعرف ب"الإضراب مع احتلال الأماكن" أو "الاعتصام داخل مقر العمل"، وهو ما انقسم حوله الفقه القضائى، حول مدى مشروعيته بين مؤيد ومعارض، إذ يرى المؤيد أن ذلك شكل من أشكال ممارسة الإضراب، أما الاتجاه المعارض فيرى أن ذلك يمس حق الملكية لصاحب العمل، ويحول دون انتفاعه به على الوجه الأمثل، كما يمس بحق العمال الآخرين غير المضربين والراغبين فى أداء أعمالهم، ويتعارض أيضًا مع حق الدولة فى الضرائب على الإنتاج، والتى يعطل الإضراب فى مقر العمل دفعها.
بشان مسألة الإضراب أيضًا، لاحظ القسم أن المادة 203 من مشروع القانون، نصت على أن يُحظر الإضراب أو الدعوة إليه أو إعلانه بالمنشآت الاستراتيجية أو الحيوية التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء، ويرى القسم أنه يتعين تحديد مفهوم تلك المنشآت، أو بيان معايير تحديدها بموجب القانون، دون الاكتفاء بمجرد تحديدها بقرار يصدر من رئيس مجلس الوزراء، نظرًا لمساس هذا الحكم بأصل الحق.
وأشار القسم فى ملاحظاته، إلى ضرورة تدخل المشرع بتنظيم الحق فى الإضراب بالنسبة للموظفين العموميين، فى ظل خلو قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 من أيّة أحكام تتعلق بتنظيمه، وعدم خضوع الموظفين لأحكام هذا القانون، حتى لا تكون الدولة أمام حالة فراغ تشريعى فى هذه النقطة.
كما وضع القسم ملاحظاته على المواد من 250 حتى 264، المتعلقة بالعقوبات، ورأى أن المشروع أسرف فى تجريم كثير من الأفعال التى هى بطبيعتها ناتجة عن التزامات فى علاقات عقدية مدنية، لم يتوافر فيها المبرر المشروع للتجريم والعقاب، إذ لا يجوز أن يُؤثّم المشرع أفعالاً فى غير ضرورة اجتماعية، ولا أن يقرّر عقوباتها بما يجاوز قدر هذه الضرورة.
واقترح القسم إعادة النظر فى كل مواد العقوبات، وإلغاء ما لا توجد ضرورة لتجريمه من أفعال لا تعد عدوانًا على المجتمع، أو على سلطة الدولة فى الرقابة على التشغيل والتفتيش، وعلى الأخص يجب إلغاء التجريم على المخالفات المتعلقة بإخلال صاحب العمل بالتزاماته العقدية تجاه العامل، كونها ليس فيها اعتداء على المجتمع بشكل يبرر تجريمها، ويمكن الاستعاضة عنها بالنص على حق العامل فى استصدار أمر وقتى من القاضى بإلزام صاحب العمل بما يدعيه من حق.
ووضع القسم عدة ملاحظات حول تعريفى كل من "هروب العامل الأجنبى" واتفاقية العمل الجماعية"، مؤكّدًا أنه وفقًا للأحكام الدستورية السابقة، لا يجوز تحصيل أية رسوم من العمال وصاحب العمل دون تقديم خدمة، وهو ما يهدد المواد 18 و19 و22 و32 من مشروع القانون، إذ نصت المادتان 18 و19 على إنشاء صندوق لتمويل التدريب والتأهيل، ومن بين مصادر تمويله نسبة 1% من إجمالى الأجور الأساسية الشهرية، وهو حكم مشوب بعدم الدستورية، إذ لم يحدد القانون الخدمات التى يؤديها الصندوق للمنشآت مقابل الرسم المشار إليه، وهو الأمر نفسه بشأن صندوق "تشغيل العمالة غير المنتظمة" المنصوص عليه فى المادة 32، إذ خلا القانون من بيان الخدمة التى يؤديها الصندوق لصاحب العمل "الملتزم بسداد رسوم لا تقل عن 1% ولا تزيد على 3% مما تمثله الأجور"، كما خلت المادة من بيان اختصاصات الصندوق وأوجه الحماية ونوع الخدمات التى يؤديها للعمالة غير المنتظمة.
كما رأى القسم أن المادة 43 من القانون، التى حددت حالات إلغاء تراخيص وكالة التشغيل الخاصة، ومنها حالة مخالفة حكم من الأحكام "الجوهرية"، إذ أشارت مذكرة قسم التشريع بمجلس الدولة إلى أن كلمة "الجوهرية" فضفاضة وغير منضبطة، مقترحًا وجوب تحديد هذه المخالفات تحديدًا دقيقًا، حتى يخلو النص من شبهة المخالفة الدستورية".
وأشار قسم التشريع فى ملاحظاته، إلى أن ما تضمنته المادة 44 من الحظر على صاحب العمل، بشأن تشغيل عمال عن طريق متعهد أو مقاول توريد عمال، تشوبه شبهة عدم دستورية، للمساس بكل من الحرية الشخصية وحق الملكية لصاحب العمل، كما أن المادة حوت تناقضًا مع ما جاء بالمادة 39 من القانون نفسه، حول الجهات المسموح لها بإنشاء مكاتب لتشغيل المتعطلين".
وطالب قسم التشريع بمجلس الدولة، بتحديد "الجهات المعنية" المنصوص عليها فى المادة 48، التى أجازت للمنظمات الدولية مزاولة عمليات إلحاق العمال المصريين بالخارج، بعد موافقة الجهات المعنية، إذ رأى القسم ضرورة تحديد هذه الجهات. وفيما يتعلق بإجازة الوضع، اكتشف قسم التشريع وجود تعارض بين مشروع القانون المقدم وقانون الطفل، كما رأى أن طلب مجلس الوزراء بألا تكون إجازة الوضع أكثر من مرتين، أمر مخالف للمادة 70 من قانون الطفل، التى جعلتها 3 مرات، كما يتعارض أيضًا مع مواد قانون الطفل فيما يتعلق بتحديد شروط وأوضاع إلحاق أطفال العاملات بدور الحضانة".
ولاحظ القسم خلو المواد من 63 حتى 67، "فصل تنظيم عمل الأجانب"، من تنظيم حقوق والتزامات العمال الأجانب، وهو قصور يرى القسم أنه يعيب المشروع، كما أن المادة 71 ألزمت صاحب العمل بتحرير عقد العمل، وأعطت العامل وحده الحق فى إثبات علاقة العمل، وهو ما يشوب المادة بشبهة عدم الدستورية، إذ حرمت صاحب العمل من إثبات هذه العلاقة رغم كونه طرفها الأول، وهو ما يعد إخلالا بمبدأ المساواة الذى كفله الدستور، ويتنافى مع التزام الدولة ببناء علاقات عمل متوازنة بين الطرفين، ويخالف الاتفاقية العربية لمستويات العمل، كما حرمت المادة 115 صاحب العمل من التحقيق مع العامل بنفسه، دون وجود مبرر لذلك، وهو حرمان فيه إخلال بحق صاحب العمل فى محاسبة عماله. وبناء على طلب من مجلس الوزراء، أجرى القسم دراسة مستفيضة لتحديد صاحب الحق فى فصل العامل "صاحب العمل أم المحكمة العمالية"، إذ نصت المادة 121 من مشروع القانون، على أن تختص المحكمة العمالية بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة، وانتهى القسم إلى أن الاختصاص بتوقيع جزاء الفصل من الخدمة يجب أن يظل لصاحب العمل وليس للمحكمة العمالية، وذلك لأن المادة 29 من الاتفاقية العربية لمستويات العمل، أعطت العامل الذى يتم فصله بدون مبرر حق الطعن فى قرار فصله أمام هيئة محايدة، كمحكمة أو لجنة أو غيرها، بما يفيد بأن سلطة الفصل لصاحب العمل، وللمحكمة تحديد مدى مشروعتيه، وهو أمر قبله المنطق الفعلى فى علاقة العمل الخاصة.
وأوضح القسم أيضًا، أن المادة 118 أعطت صاحب العمل حق إيقاف العامل عن عمله مؤقتًا، مع صرف أجره فى ثلاث حالات، منها حالة الوقف عن العمل إذا اتُّهم العامل بارتكاب جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة، أو أى جنحة أخرى داخل العمل، ويرى القسم أن حكم صرف الأجر فى هذه الحالة يتعارض مع الغاية التى قام عليها المشروع، وهى ربط الأجر بالإنتاج، إذ إن الموقوف لا ينتج، وليس من العدل تحميل صاحب العمل بأجر لا يقابله إنتاج، لا سيما فى حالة اتهام العامل فى جناية أو جنحة. وأيد القسم رفض وزارة المالية لإنشاء "مركز الوساطة والتحكيم" المنصوص عليه فى المواد من 187 حتى 199، لما يرتبه على الموازنة العامة من أعباء مالية، كما أيد قرار مجلس الوزراء بأيلولة حصيلة الغرامات الناشئة عن مخالفة أحكام القانون للخزانة العامة للدولة، وليس للوزارة المختصة بشؤون العمل.