الدولة قبلت تقسيط «غرامة عز» ورفضتها لمتظاهرى الأرض ■ إيداع 10 ملايين جنيه خلال شهر بخزينة «العدل» تذهب مكافآت ونصفها يدخل خزانة الدولة ■ مفرج عنها هربت من منزلها وتركت عملها لعدم قدرتها على السداد ■ 3 جهات تتحمل الدفع: الأسرة ومتطوعون وجبهة تحرير الأرض تتعامل الدولة بقسوة شديدة مع الشباب الذين استخدموا حقهم الدستورى فى التعبير عن رفضهم فى العديد من القضايا، ولم يتسع صدر الدولة لهؤلاء بنفس القدر الذى لاقاه ناهبو المال العام وممارسو الدعارة والنصابون، ففرضت عليهم غرامات وكفالات كانت عقوبة أقرب منها إلى وسيلة لنيل الحرية والابتعاد عن الزنازين. ولعل رفض الدولة تقسيط قيمة الغرامة التى فرضت على 79 متظاهرا بقيمة 100 ألف جنيه للشاب الواحد، تؤكد حالة التربص التى تنتهجها الدولة ضد المعارضين، فقد طلب 47 متمهاً تقسيطها، ولكن رئيس محكمة جنح مستأنف شمال الجيزة، رفض جميع الطلبات، فى المقابل يتسع صدر العدالة لرجل أعمال أثبتت الأحداث فساده السياسى، مثل أحمد عز، حيث قبلت المحكمة الاقتصادية، تقسيط 100 مليون غرامة مستحقة عليه، على 9 أشهر، وذلك بعد الحكم على رجل الأعمال ب152 مليون جنيه، كفالات مستحقة فى قضايا الكسب غير المشروع والتربح. والمؤكد أن ارتفاع قيمة الغرامات، والكفالات التى وصلت ل20 ألف جنيه، فى القضايا السياسية، كان أقرب إلى حكم بالسجن، خاصة أنها لا تتناسب مع حجم تهمة خرق قانون التظاهر، ولا مع الحالة الاجتماعية للمتهمين فى قضية تخص الرأى والتعبير عنه بالدرجة الأولى، وحسب عصام الإسلامبولى، الفقيه القانونى والدستورى، إن القاضى فى هذه الدعاوى قرر الكفالة، رغبة منه فى عدم إخلاء سبيل المتهمين، بطريقة غير مباشرة، حيث سيستمر حبس الشباب لأنهم لم يدفعوا. الإسلامبولى، لاحظ أن قيمة الكفالات، ارتفعت بطريقة ملحوظة فى القضايا المتعلقة بخرق قانون التظاهر، حيث بدأت من 500 جنيه، وصولاً إلى 20 ألف جنيه، والأولى أن يتم تغليظ هذه العقوبة التى تأتى فى صورة قرار برىء، على رجال الأعمال الذين استولوا على المال العام، أو المسئولين الذين تورطوا فى جرائم كسب غير مشروع، أو حتى الجرائم العادية مثل الدعارة والنصب. ولفت الإسلامبولى، إلى أن عقوبة الغرامة التى عوقب بها المتهمون بخرق التظاهر والتى وصلت ل100 ألف جنيه، مبالغ فيها للغاية، إلى جانب السجن 5 سنوات مع الشغل، وهو الحكم الذى ألغته محكمة الاستئناف مكتفية بالغرامة التى ستؤدى إلى المطلوب بسجن الشباب لأنهم غير قادرين على السداد. نجلاء أحمد، أحد المحكوم عليهم فى القضية، قالت إنها هربت بعيداً عن منزلها، وأولادها، ولم تعد تذهب إلى عملها من خوفها من القبض عليها والزج بها فى السجن مجدداً، لأنها تخشى البقاء فى الزنازين ولن تستطيع دفع الغرامة أو نصفها لأن حالتها المادية لا تسمح، خاصة أنه تم القبض عليها والزج بها فى القضية لمجرد أنها حاولت معاونة بعض الشباب الذين كانوا محتجزين فى ميكروباص بوسط البلد، عن طريق الاتصال بذويهم لإبلاغهم نبأ القبض عليهم، فأمسك بها أحد أمناء الشرطة ووضعها فى نفس السيارة حيث تم اصطحابها لقسم شرطة الدقى، وضمها لقائمة المتهمين، حيث خرجت بكفالة 500 جنيه، ثم تم الحكم عليها ضمن 79 متهماً بالسجن 5 سنوات و100 ألف جنيه غرامة. خالد راشد، نقيب المحامين بمحافظة المنوفية، قال إن المحكوم عليه، سيقضون فى السجن ما لا يزيد على 3 سنوات، إذا لم يدفعوا الغرامة بها، لأنها عقوبة منفصلة مثل الحبس تماماً، مشيراً إلى أن الكفالات بمثابة وقف تنفيذ حكم الحبس، لحين الاستئناف وفى حالة عدم دفعها، يظل المتهم محبوساً لحين النظر فى الاستئناف المقدم منه وإصدار حكم نهائى فى قضيته سواء بالحبس أو إخلاء السبيل، أى أنها بمثابة ضمان الحرية المؤقت. راشد، يرى أن الملاحظ فى قرارات إخلاء السبيل، منذ مايو 2015 إلى مايو الماضى، على ذمة قضايا الرأى، أن بها مغالاة بالمقارنة مع الكفالات المعروفة فى القضايا الجنائية مثل، النصب والدعارة والاختلاس والأموال العامة، حيث تم إخلاء سبيل 32 شاباً وفتاة، فى نوفمبر 2015، بكفالة 100 جنيه على ذمة قضية دعارة، بعد ضبطهم يمارسون أعمالاً منافية للآداب، فى فيللا بمدينة العبور، رغم أن قضايا الدعارة والرشاوى والاختلاس والمخدرات، تحتاج إلى الردع. ويؤكد راشد، أن الكفالات التى يتم دفعها من المتهمين تذهب إلى ميزانية وزارة العدل، وتدخل فى بند مكافآت ويذهب جزء منها لميزانية الدولة. وارتفاع قيمة الكفالات فى القضايا المتربطة بالسياسة، أو بالتعبير عن الرأى، يواكبه انخفاض لافت للنظر، فى الجرائم، حيث خرج المتهمون، فى قضية «ذبح الحمير وتوزيع لحومها على المطاعم بالقليوبية، فى يناير الماضى، بكفالة 500 جنيه، بالتزامن مع إخلاء سبيل شريف الروبى، المتحدث باسم حركة 6 إبريل، بعد دفع ألفى جنيه، ثم تم القبض عليه مرة أخرى قبل 25 إبريل الماضى والإفراج عنه بكفالة قدرها ألف جنيه، كما دفعت أسرة الطفل محمود محمد، المعروف ب«سجين التى شيرت»، ألف جنيه، والذى قضى سنتين فى السجن لارتدائه تى شيرت مكتوباً عليه «لا للتعذيب»، فيما دفع المندوه الحسينى، عضو مجلس إدارة نادى الزمالك، فى يناير الماضى، كفالة للإفراج عنه على ذمة قضية رشوة، 20 ألف جنيه، فيما دفع مدير إدارة الأمن بهيئة ميناء دمياط، ألف جنيه لإطلاق سراحه فى قضية دعارة. وتواصلت قرارات إخلاء السبيل، بعد الدفع، منها المتعلقة بعمرو عز، العضو السابق، بحركة 6 إبريل، وأحمد عبدالسلام، بكفالة ألفى جنيه لكل منهما، بعد القبض عليهما من مقهى بشارع فيصل، قبل مظاهرات 25 إبريل، تبعه إخلاء سبيل 12 محامياً بشبين القناطر، بكفالة ألفى جنيه لكل منهم على ذمة اتهامهم بالتظاهر ضد ترسيم الحدود البحرية، ثم تم إخلاء سبيل محمود فرغلى، المتحدث باسم 6 إبريل بالاسكندرية ومجدى النقيب، القيادى بحزب العيش والحرية (تحت التأسيس) بكفالة 5 آلاف جنيه، على ذمة اتهامهم بالتعاون مع عناصر من جماعة الإخوان، لتنفيذ مخططات إرهابية وقلب نظام الحكم، إثر مشاركتهم فى مظاهرات تيران وصنافير. ووصلت الكفالات إلى 5 آلاف جنيه لكل متهم، بالنسبة إلى 9 متظاهرين بدمياط، منهم عضوان بحزبى الدستور والمصرى الديمقراطى الاجتماعى، ومنسق حملة حمدين صباحى. وقالت هالة فودة، أمين الحقوق والحريات، بالحزب المصرى الديمقراطى، إن فرض الكفالات الباهظة بدأ بشباب المحافظات وذلك لتعجيزهم والضغط عليهم واستمرار حبسهم بطريقة مقننة، لأنه ال5 آلاف جنيه، مبلغ كبير جداً بالنسبة إليهم، مستشهدة بإخلاء سبيل عضو الحزب بالشرقية، يوسف الشافعى، بكفالة 5 آلاف جنيه، وعضو آخر بالحزب فى دمياط، الأمر الذى اضطر أعضاء الحزب لجمعه من خلال التبرعات لهما ول5 شباب آخرين وصلت كفالة الواحد منهم لألف جنيه، مشيرةً إلى أن المبالغ الطائلة للكفالات يتم دفعها من خلال 3 جهات، أولها أسرة المتهم أو الحزب الذى ينتمى إليه، أو من خلال متطوعين متضامنين مع الشباب أو جبهة الدفاع عن الأرض. وتخطت الكفالات، حاجز المعقول فى إخلاء سبيل أحد أعضاء فرقة «أطفال شوارع» الذى تم القبض عليه مؤخراً بتهمة نشر فيديوهات مسيئة لمؤسسات الدولة، حيث كان مطلوباً أن يدفع ليعود إلى الشارع كفالة 10 آلاف جنيه، رغم أن تهمته لا تتجاوز تصوير فيديوهات لأغانى أصدقائه بكاميرا الموبايل ونشرها على موقع فيسبوك، ليس بهدف الربح ولكن للتعبير عن آرائهم وشغل أوقات فراغهم، لأنهم يعتبرون عاطلين. ولم تكن ال10 آلاف جنيه المفروضة على عضو «أولاد الشوارع» هى الأكبر من نوعها، ولكن ال19 متهماً المقبوض عليهم على ذمة التظاهر بدون تصريح فى 25 إبريل الماضى، حصلوا على قرار بإخلاء السبيل ب20 ألف جنيه. وأفاد أحمد عاطف، الباحث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، المسئول عن الاحصائية التى أطلقتها المؤسسة عن حالات الاستيقاف والقبض على الشباب، بأنه فى الفترة من 15 ل27 إبريل الماضى تجاوزت حالات القبض والاستيقاف 1277 شاباً، تم اطلاق سراح 619 منهم دون توجيه تهم، واتهام 577 شاباً، واختفاء 81 آخرين طبقا لمحاضر الشرطة والبلاغات المقدمة بفقدان أشخاص فى تلك الفترة. وأكد عاطف، أن حالات القبض والاستيقاف فى تلك الفترة كانت من خلال 91 قسم شرطة، أبرزها أقسام قصر النيل، حيث تم القبض على 404 من الشباب، يليه قسم الدقى، ب231 شاباً وفتاة ثم قسم العجوزة 40 شاباً، وتتعدى نسبة الفتيات من إجمالى المقبوض عليهم 107 فتيات فى المحافظات، والنسبة الأكبر فى القاهرة. وتعدى حجم الكفالات فى تلك الفترة، ملايين الجنيهات تم إيداعها بوزارة العدل، ومنها 15 متظاهراً فأكثر وصلت كفالتهم لألفى جنيه و15 دفعوا 5 آلاف، و19 وصل مجموع كفالاتهم ل380 ألف جنيه.