قبل 52 عامًا من الآن، ترك النيل مساره الذي جّرى فيه آلاف السنين ليسير في مجرى جديد لأول مرة، طريق جديد حدده له عزيمة المصريين وإرادتهم القوية. حيث وقف الرئيس جمال عبدالناصر، في الشرفة المطلة على النهر ومعه الزعيم "خروشوف" وبن بيللا وعبدالسلام عارف واضعين أيديهم على الزرار لإعطاء إشارة الانفجار لتحويل مجرى النيل إلى مجراه الجديد . بدأ الماء يشق طريقه في خيط رفيع وسط تل الرمال الذي يملأ المكان من جميع النواحي، كالشريط الرفيع ثم أخذ يتسع ببطء شديد، وبدأ الشلال الذي صنعه اندفاع المياه يزداد اتساعا وبدأت المياه تعلو في قناة التحويل ببطء وبدأ السد الرملي يتشقق بسرعة كبيرة وينهار وبدأ اندفاع المياه يقوى وصوتها يعلو وهي تصطدم بالإنفاق محدثا دويا، وانهار السد الرملي بأكمله وجرفته المياه وشقت طريقها عبر الأنفاق إلى القناة الخلفية إلى السد الرملي الآخر، وتم إطلاق إشارة النسف الثانية لتنطلق المياه ومعها كميات من الرمال لتعود بها إلى النيل مرة أخرى، لتنتهي عملية تحويل مجرى النيل في عشرين دقيقة ، وبدأت المياه تسير في مجراها الجديد إلى داخل الأنفاق. أعظم مشروع هندسي في القرن العشرين بشهادة العالم أجمع يظل السد العالي من أعظم المشاريع الهندسية في القرن العشرين، إذ أعطى "عبد الناصر" إشارة بدء العمل فيه في 9 يناير 1960، ووصلت تكلفته الإنشائية 415 مليون جنيه مصري، وكان يعمل فيه 400 خبير روسي، وحوالي 36 ألف عامل مصري. وفى 15 يناير عام 1971 احتفلت مصر باستكمال العمل في مشروع السد العالي، وتكوين بحيرة ناصر بطول 500 كيلو متر منها 350 كيلو متر بجمهورية مصر العربية، و 150 كيلو متر بجمهورية السودان الشقيق بمتوسط عرض كيلو متر، فضلاً عن محطة توليد كهرباء السد العالي بقدرة 2010 ميجا وات، بقيمة 10 مليار كيلو وات ساعة سنوياً. فكرة بناء السد كانت الفكرة من بناء السد العالي في المناطق العليا من النيل بهدف خلق بحيرة صناعية من الماء العذب، واتخذ قرار البدء في بنائه عام 1953 ثم شكلت لجنة لوضع تصميم للمشروع، وفي ديسمبر 1954 تم وضع تصميم للسد العالي بإشراف المهندس المصري موسى عرفة والدكتور حسن زكي بمساعدة عدد من الشركات العالمية المتخصصة. خط الدفاع الأول أصبح السد العالي بمثابة خط الدفاع الأول لحماية مصر من الفيضانات المدمرة، كما أنه حمى مصر أيضاً لمدة 9 سنوات في الفترة من 1979 حتى 1988، حينما تعرضت القارة الإفريقية للجفاف. ظهور المعوقات ومما لا شك فيه فلابد من ظهور المعوقات التي ظهرت أمام الرئيس "عبد الناصر"، حيث واجهت مصر صعوبة في إيجاد الموارد التي تمكنها من تنفيذ المشروع، ما دفعه إلى طلب المساعدة من الدول الغربية لتوفير الجوانب المالية والفنية والتكنولوجية. ومن جانبها قامت هذه الدول برفض طلب الرئيس الراحل ومساعدة لمصر، بعدما رفضت الحكومة شروط الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا، باعتبار أن تلك الشروط كانت تمثل خطورة على مصر. وسحبت الحكومة الأمريكية القرض الذي كانت ستقدمه لبناء السد العالي بحوالي 56 مليون دولار، كما سحبت الحكومة البريطانية القرض الذي كانت ستقدمه ب 15 مليون دولار، كما رفض البنك الدولي منح الحكومة المصرية القرض الذي تم الاتفاق عليه بقيمة 200 مليون دولار، وجاء قرار سحب تمويل السد العالي بداية العداء بين مصر ودول الغرب. تأميم قناة السويس تسببت الأزمة في دفع الحكومة المصرية لتأميم قناة السويس لتستعيد استثماراتها من دول الخارج وتوفر الموارد اللازمة لبناء السد العالي، وتم توقيع اتفاقية في السابع والعشرين من ديسمبر 1958 في القاهرة تنص على أن يمد الاتحاد السوفيتي، مصر بالمساعدات المالية والاقتصادية لتنفيذ المرحلة الأولى من السد، وقبل انتهائها تم الاتفاق مع السودان للانتفاع بفائض النيل. السعة التخزينية تعد السعة التخزينية للسد العالي هي الأكبر على الإطلاق، بدليل أن السعة التخزينية لأضخم سد في العالم والذي بني في الصين عام 2010، لا تتجاوز ثلث السعة التخزينية للسد العالي التي تقدر بحوالي 162 مليار متر مكعب، والفارق بين السدين أن السد العالي هو سد ركامي من كتل الجرانيت وليس سداً خرسانياً من الأسمنت. نصيب مصر من المياه بعد بناء السد أصبح نصيب مصر من المياه بعد بناء السد العالي 55.5 مليار متر مكعب، فيما بلغ نصيب السودان 18،5 مليار متر مكعب، على أن تدفع مصر 15 مليون جنيه للسودان تعويضاً عن الممتلكات التي تغمرها مياه التخزين داخل الأراضي السودانية، وتتعهد الحكومة السودانية بتهجير أهالي منطقة وادي حلفا قبل نهاية يوليو 1963. توليد الكهرباء يعمل السد العالي في توليد الكهرباء بمصر، ويبلغ طوله 3600 متر، وعرض القاعدة 980 متراً، وعرض القمة 40 متراً، والارتفاع 111 متراً، أما حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من إسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمر خلاله تدفق مائي يصل إلى 11.000 متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة، وتم تصميمه وفقاً للدراسات والأبحاث ليكون من النوع الركامي ومزود بنواة صماء من الطفلة وستارة رأسية قاطعة للمياه. التوسع الزراعي وسمح السد العالي بتزويد مصر بصرف ثابت يسمح بالتوسع الزراعي وحمايتها من الفيضانات العالية، وفي نفس الوقت مدّها بطاقة كهربائية تكون الركيزة الأساسية للتنمية الزراعية والصناعية. ويعد السد العالي من المشروعات الاقتصادية الكبيرة ذات العائد المادي المرتفع مقارنة بالمشروعات العالمية المماثلة له، إذ وصل عائده خلال عشر سنوات منذ بدء إنشائه إلى ما لا يقل عن عشرين ضعفاً مما أنفق عليه، لأنه ساعد كثيراً في التحكم بتدفق المياه والتخفيف من آثار فيضان النيل.