لأن سعر بعض الأدوية 26 ألف جنيه.. وواحدة من كل 57 سيدة تستكمل علاجها يكتفى عدد كبير من مرضى السرطان بانتظار الموت، والتمنى أن يكون المرض الشرس، رحيماً بهم، وأن تنتهى حياتهم فى أسرع وقت وبأقل ألم، بدلاً من الوقوع فى فخ انتظار الشفاء الذى لا يأتى إلا بتكلفة عالية جداً، تدفع المريض لعدم اكتشاف فارق بين إنهاء الحياة والاستمرار فيها. هذه الحقيقة المرعبة، كشفها خبراء فى مؤتمر نظمه قسم علاج الأورام فى كلية الطب بجامعة عين شمس، فى ديسمبر الماضى، حيث أكدوا أن سيدة واحدة من 57 مريضة مصابة بسرطان الثدى، انتظمت فى تناول علاج «هيرسبتين»، بسبب ارتفاع سعر الدواء، بينما فضلت الباقيات تحمل مضاعفات المرض التى تصل لحد الوفاة. وطبقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، يصاب 166 مصرياً من كل 100 ألف، بالسرطان، حيث يصل معدل انتشار الأورام فى مصر، إلى 5 أضعاف المعدل العالمى نتيجة تأخر التشخيص والعلاج وعدم الانتظام فيه. ليس أمام الغالبية العظمى من مرضى السرطان بأنواعه، إلا انتظار الموت، لأن سعر عبوة دواء العلاج، يصل ل26 ألف جنيه، وسط سيطرة من الشركات الأجنبية على هذا النوع من العقاقير الطبية، فيما تدعم الدولة بقصد أو بدون وعى وجود هذه الشركات التى تبلغ حجم مبيعات الواحدة منها فى السوق المصرية نحو المليار ونصف المليار جنيه. تسيطر نحو 9 شركات أجنبية كبرى على إنتاج أدوية الأورام المستخدمة فى مصر وهى (نوفارتس – روش- باير – استر – ميرك سورونو – ايبو – اماجن – ابوت –جلاكسو) وترتيبها حسب الأهمية وحجم الإنتاج المستخدم، وتستورد عدة شركات مصرية هذه الأدوية أهمها الشركة المصرية لتجارة الأدوية، الحكومية، وشركات مالتى فارما، والمتحدة للأدوية، وايمك التى اشترتها شركة الحكمة الأردنية، نهاية العام الماضى، رغم أنها الشركة المصرية الوحيدة التى كانت تنتج أدوية علاج السرطان فى مصنعها بمدينة بدر. وتسببت هذه الأوضاع فى ظهور دعوات للتصدى لتحكم هذه الشركات فى صحة مرضى السرطان المصريين، بإجبارها على خفض أسعار الأدوية حيث تقدم الصيدلى، هانى سامح، مسئول ملف الدواء، بالمركز المصرى للحق فى الدواء، بإنذار على يد محضر، برقم 17259، لرئيس الوزراء ووزير الصحة يطالبهما بتنفيذ القانون وإلغاء أسعار أدوية السرطان وإعادة تسعيرها وفقا للقانون ومواجهة مافيا الدواء ورجالها بوزارة الصحة. وأوضح سامح، أن سعر دواء «تارسيفا» 26 ألف جنيه، و«جليفاك» 11 ألفاً و«هيرسبتين» 10 آلاف، أما أقل سعر فهو «زوميتا» ويصل ل1464 جنيهاً، وهو دليل على وجود مافيا خبيثة تتاجر بآلام المرضى وتنتهك حقهم فى العلاج والحصول على الدواء بتواطؤ من لجنة تسعير الدواء بوزارة الصحة، والتى اتهمها بالرضوخ لشركات الدواء العالمية على حساب المرضى المصريين. وقال سامح، إنه فى حال عجز الدولة عن إعادة تسعير أدوية السرطان بما يلائم دخل المريض المصرى اللجوء للتجربة الهندية، حيث خاضت الهند حرباً مقدسة لصالح مواطنيها وسمحت للشركات الوطنية بإنتاج هذه الأدوية وسعرتها بقيم منخفضة، ما دفع مافيا الشركات إلى رفع عدة دعاوى انتهت بانتصار الحكومة الهندية والمرضى، حيث رفضت المحكمة العليا الهندية، منذ عامين، دعوى رفعتها شركة نوفارتس السويسرية لصناعة الأدوية بشأن حماية براءة اختراع عقارها «جليفيك» المضاد للسرطان، فى خطوة عززت فرص شركات الأدوية الهندية على حساب المنافسين الأجانب. وأضاف سامح إن القانون المصرى يقبل بتدخل الدولة فى حالات الترخيص الإجبارى لإنتاج الأدوية فى المادة رقم 23 من قانون حماية حقوق الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، والتى تنص على: «يمنح مكتب براءات الاختراع الترخيص الإجبارى ويطلب من وزير الصحة فى أى حالة من حالات عجز كمية الأدوية المحمية بالبراءة عن سد احتياجات البلاد، أو انخفاض جودتها، أو الارتفاع غير العادى فى أسعارها أو إذا تعلق الاختراع بأدوية الحالات الحرجة أو الأمراض المستعصية» وحالة أدوية السرطان ينطبق عليها شرط الارتفاع غير العادى فى أسعارها. ويصعب على مصر إنتاج أدوية السرطان، بسبب ارتفاع تكلفة إنشائها، وحسب الدكتور على عوف، رئيس غرفة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، إن تقنية مصانع إنتاج هذا النوع من الأدوية التى لا تقع تحت حماية الملكية الفكرية، «التى من حق أى دولة إنتاجها دون الحصول على موافقة الشركة المالكة لحق اختراع الدواء»، مكلفة للغاية وتصل إلى عدة مليارات من الجنيهات. وأضاف عوف إن السبيل الوحيد هو تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار بشراكة مصرية لإنتاج هذه الأدوية، مع دعم الدولة لهذه الشراكة، مشيراً إلى أن شركة سبيلا الهندية، فتحت منذ 5 سنوات، فرعاً لها فى مصر لإنتاج أدوية بديلة لعلاج السرطان، لكنها تعرضت لهجمة شرسة من قبل الشركات العالمية المسيطرة على السوق، وتم غلق فرع الشركة التى لم تجد دعماً من الدولة، رغم توفيرها لأدوية رخيصة، مشيراً إلى أن شركة فارميد هيلث الهندية تقدمت بطلب لوزارة الصحة لتسجيل عدد من أدوية السرطان منذ شهرين تمهيداً لتصنيعها فى مصر. وطالب عوف بضرورة دعم الدولة للشركات الآسيوية التى تريد إنتاج أدوية بديلة فى مصر، أسعارها مناسبة لدخل المريض المصرى، لافتاً إلى أن معهد الأورام نفسه يدعم الأدوية المرتفعة السعر ويسوق لها، وهو أمر ليس غريباً خاصة أن المستشفيات الجامعية كانت تضع شروطاً تعجيزية لاعتماد الأدوية التى كان تنتجها شركة «ايمك» المصرية، قبل بيعها إلى شركة أردنية. ويرى الدكتور محمد حسن خليل، خبير النظم الصحية، منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة، أن فكرة تصنيع دواء فى شركة مصرية يحتاج إلى معدات وأجهزة من الصعب توافرها لأن مصر تفتقد القدرة التكنولوجية، كما أنه من الصعب تطبيق الترخيص الإجبارى لأدوية جديدة، ولكن توجد طريقة أخرى للحصول على الدواء الجديد بأسعار أرخص مما تحدده الشركة الأم، وهى طريقة «الاستيراد الموازى» أو الاستنفاد الدولى لحقوق الملكية الفكرية وهو يسقط حق صاحب البراءة فى منع الغير من استيراد المنتجات المشمولة بالحماية عن طريق البراءة بمجرد طرح تلك المنتجات للتداول فى سوق أى دولة بنفسه أو عن طريق أحد تابعيه أو بموافقته، أى من خلال استيراد أدوية علاج السرطان من بلدان كالهند التى تنتج أدوية بأسعار رخيصة تلائم المريض المصرى.