وزير المالية: نفذنا أكثر من 15 مستهدفا في برنامج الإصلاح.. ويتبقى إبرام صفقة تخارج ضرورية    مسئول أمريكي للجزيرة: تنفيذ حماس إعدامات ميدانية بحق أفراد من عائلة دغمش انتهاك لخطة ترامب    رئيس الوزراء: مصر أدت واجبها بمنتهى القوة والشفافية والشرف والحكمة والنزاهة في القضية الفلسطينية منذ أول يوم    مدرب العراق يفتح النار على نظام الملحق الآسيوي    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    رسمياً تغيير اسم جامعة جنوب الوادي إلى جامعة قنا    وزيرة التضامن: مصر قدمت نحو 600 ألف طن من المساعدات لقطاع غزة    ميسرة بكور: أوروبا تسعى لاستقلال أمني عن واشنطن في ظل التباعد عبر الأطلسي    قطر وتركيا تناقشان آفاق التعاون المالي على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي    دي يونج: الأرقام المتداولة عن راتبي مبالغ فيها    بعد تهشم سيارتها.. تصالح بين سائق هالة صدقي ومدير شركة في قسم الشيخ زايد    الذكاء الاصطناعي والبرمجة في صدارة مناقشات تعليم بورسعيد    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    تحت رعاية محافظ بني سويف: بلال حبش يُكرّم لاعبي ولاعبات بني سويف الدوليين ولاعبات السلة "صُمّ"    بعد تحطيم رقم بانكس.. حارس إنجلترا يطمح لإنجاز جديد أمام لاتفيا    وزراء دفاع الناتو يبحثون تعزيز القدرات العسكرية وتنفيذ الأهداف الجديدة للحلف    وزير الري يؤكد حرص مصر على دعم أواصر التعاون مع الصومال في مجال الموارد المائية وبناء القدرات    عاجل- رئيس الوزراء يتفقد المتحف المصري الكبير لمتابعة الاستعدادات النهائية    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن عن البوستر الجديد لدورته ال46    بعد غلق باب الترشح.. 187 مرشحًا في سباق انتخابات مجلس النواب 2025 بسوهاج    مكتبة مصر العامة بدمنهور تحصد المركز الثالث في مسابقة مكتبة العام المتنقلة 2025    الشرع: سوريا ستحاول إعادة ضبط علاقاتها مع روسيا    سلوك عدواني مرفوض.. «خطورة التنمر وآثاره» في ندوة توعوية ل«الأوقاف» بجامعة مطروح    التعليم توجه المديريات بخطوات جديدة لسد العجز في المدارس للعام الدراسي الحالي    السجن المؤبد والمشدد في جريمة قتل بطوخ.. جنايات بنها تُصدر أحكامها على 12 متهما    ضبط 160 باكو بسكويت مدرسى منتهى الصلاحية قبل بيعها بسوق بلبيس    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    رسوم إنستاباي على التحويلات.. اعرف التفاصيل الكاملة    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    وزير الثقافة: قافلة مسرح المواجهة والتجوال ستصل غزة حال توفر الظروف المناسبة    «القوس بيعشق السفر».. 5 أبراج تحب المغامرات    هدى المفتى تقدم البطولة النسائية أمام محمد إمام في فيلم شمس الزناتى    بعد تعيينه شيخاً للمقارئ أحمد نعينع: أحمد الله على ما استعملنى فيه    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    وزير الصحة يبحث إنشاء مراكز تدريب للجراحة الروبوتية فى مصر    اليوم العالمى لغسل اليدين.. خطوات بسيطة لتحضير صابون سائل من مكونات طبيعية    "الإسكوا" تمنح "جهار" جائزة النجمات الذهبية الثلاث تقديراً لإنجازها العالمى    أول تعليق من وزير الشئون النيابية على فوز مصر بعضوية مجلس حقوق الإنسان    منها «مد مدة تقديم طلبات التصالح بمخالفات البناء».. الحكومة توافق على 13 قرارًا اليوم    هيقولوا مخي اتلحس.. باسم يوسف: خايف من الحلقة الجاية من برنامج "كلمة أخيرة"    السجن المشدد ل 7 متهمين بحيازة المواد المخدرة في المنيا    «النواب» يناقش غدًا اعتراض الرئيس على «الإجراءات الجنائية».. ومصادر: عرض استقالة 4 أعضاء    إنجاز طبي جديد بمستشفى أجا المركزي: نجاح جراحة دقيقة لإنقاذ مريض بنزيف حاد بالمخ    عاجل- مجلس الوزراء يشيد باتفاق شرم الشيخ للسلام ويؤكد دعم مصر لمسار التسوية في الشرق الأوسط    محافظ أسوان يدشن وحدة الكلى الجديدة بمستشفى كوم أمبو المركزي    التحقيق مع عنصرين جنائيين حاولا غسل 50 مليون جنيه حصيلة تجارة مخدرات    أسرة سوزي الأردنية تساندها قبل بدء ثاني جلسات محاكمتها في بث فيديوهات خادشة    ضبط 105519 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    وزير الخارجية يلتقي وفد نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي    مصر تتعاون مع شركة إماراتية لتنفيذ دراسات مشروع الربط الكهربائي مع أوروبا    حماس تطلق حملة مطاردة ل"الخونة" في غزة    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء في سوهاج    متى يكون سجود السهو فى الصلاة قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح    الإفتاء: السير المخالف في الطرق العامة محرم شرعًا ويُحمّل صاحبه المسؤولية القانونية    «اللي معاه دليل يطلعه».. المندوه يرد على اتهامات «الرشاوي» في الزمالك (خاص)    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    رغم منع دخول أعلام فلسطين.. إيطاليا تهزم إسرائيل وتنهي فرصها في التأهل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عز الدين ميرغني يكتب : الرواية المصرية الحديثة والقفز فوق حاجز الزمن رواية محمد الناصر ( السرابيل ) أنموذجاً
نشر في الفجر يوم 02 - 12 - 2015


الرواية المصرية الحديثة والقفز فوق حاجز الزمن
رواية محمد الناصر ( السرابيل ) أنموذجاً
بدأت الرواية في مصر وفي كل الدول العربية , وخاصة في وسط الشباب تتجه نحو التجريب والتجديد . وهي ثورة بدأت في أوربا منذ زمن بعيد وظهرت أكثر في الرواية الفرنسية منذ 0 مارسيل بروست ) في البحث عن الزمن الضائع , وهي ثورة على القيود البلزاكية المتشددة في كتابة الرواية المتقيدة بالزمن الأفقي , وتقنية ( الحبكة والصراع والحل ) . وهذه التقنية , هي التي تجعل الزمن الأفقي يتحكم فيها . وليست هي التي تتحكم في الزمن كما تفعل الرواية الحديثة . وهذا التحكم في الزمن , يجعل شخوص الرواية حرة تتجول في الزمان والمكان كما تشاء . في الماضي والحاضر وتستشرف المستقبل . ورغم مرور قرن على بداية الرواية العربية , فما زالت في مجملها وحتى وقت قريب , رواية محاكاة تستهدف القبض على الواقع والتماهي معه دون الدخول في فجواته . فقد دارت الرواية العربية زمناً طويلاً وهي تدور في وصف ممل , وغنائية زائدة , وميلو درامية جادة . وقد بدأت الرواية العربية الجديدة تثور على القيود الروائية التقليدية , ورواية محمد الناصر ( السرابيل ) , أنموذجاً للثورة على الزمن التقليدي الأفقي في كتابة الرواية . واستخدام تقنية السينما أو ما يسمى بالقفز فوق حاجز الزمن .
لقد صنعت رواية ( السرابيل ) , زمنها الخاص , وذلك بتوظيف خامة التاريخ , دون الأخذ بتفصيلاته وحقائقه المعروفة والموثقة . وتلك مهمة المؤرخ وليست مهمة الكاتب الروائي . لقد استفادت هذه الرواية من الحقبة الإستعمارية الفرنسية والإنجليزية , ثم الفترة الملوكية , ( حكم الملوك والباشوات لمصر ) . ولقد استفاد الكاتب محمد الناصر بذكاء الرواية من نقد السلطة الغاشمة والمستبدة في الزمن الاستعماري البغيض . وهي سلطة استفادت من جهل العامة واستغلالهم , وانقيادهم السهل لها . ومن الاعتقادات الدينية والإيمان المطلق بالأسطورة والتي عششت في العقول زمناً طويلاً . أطلق الكاتب , على الفضاء المكاني والذي تدور فيه أحداث الرواية اسم ( التالحة ) , وهو الذي يمثل الزمن الحاضر والذي تعيش فيه شخصيات الرواية . أما توظيفه للزمن الماضي فقد كان حراً , في زمكانيته , ( كان الزمن حراً وطليقاً ) . وهذه الحرية أطلقت خيال الكاتب واسعاً في طرح فلسفته ورؤيته للحاضر الذي يعيش فيه والذي حاول أن ينتقده ممثلاً في كل سلطة مستبدة فيه . ( فالتالحة ) , تمثل المكان الرمز والذي يكون ضحية أي سلطة مستبدة وغاشمة . لقد أثبت الروائي محمد الناصر , بأن الكاتب الذي يريد أن يوظف التاريخ , ويقوم بترميز أحداثه أن يبتعد عن المكان الجغرافي المعروف حتى لا يكون مقيداً بماضيه أو حاضره . لقد صنع زمن الرواية الخاص , والذي أتاح لنصه أن يكون له تاريخاً متخيلاً داخل الزمن التاريخي الواقعي والحقيقي ( تاريخ الاستعمار) . والأهمية والأسبقية هنا هي للكتابة والتي وظف فيها الكاتب عناصر السرد والتخييل في خدمة الرسالة التي يريد توصيلها . ومثل هذه النصوص هي التي تفتح الأفق الدلالي للقارئ والمتلقي للنص . فالشخصية داخل الرواية في زمنها الحاضر , تمثل امتداداً للماضي بكل سلبياته وظلمه وظلماته . فكل شخوص الرواية الرئيسة لها امتداداها في الزمن الماضي ( السخل , سبلة , المشخلعة , براح , الرشوف , العنود ... ) . وحتى ( البقرة ) , هي متناسلة من بقرة في الزمن الماضي . فالمكان كله يعتبر ممتداً في التاريخ بأشيائه وأحيائه . فحاضر المكان , ليس منفصماً من ماضيه . أما العمدة فهو لا يسميه , وقد كان موفقاً في ذلك لأنه يمثل نموذج السلطة الممتدة في كل الأزمنة .
لقد ارتبط كل حدث آني في قرية ( التالحة ) , بحدث ماضوي , وله تأثيراته المستمرة . وهو حادث ( السيل الذي اجتاح القرية ) , والذي دمرها كلها . ( أحداث ما بعد السيل ) . لقد كان الراوي حراً وهو يحكي ويسرد , ما قبل السيل وما بعده . في سياحة زمنية مشوقة وممتعة بتحفيز المتابعة للمتلقي . { يحدثهم عن السيل الذي يأتي ويفور , والخلق تظل في البلد , تكبس على نفس الأرض فتبلع منهم كلما زهقت , نفراً , أو بهيمة , أو طيراً , لما زورت وانسد نفسها , من كثرة ما دفن فيها , جاء السيل للبلد شربة ماء كبيرة , لكنها كانت بطعم الجاز , تكرعت الأرض ولما عاد خشمها للانغلاق , كانت قد بلعت عيلاً وحرمة , ماتا في المستشفى الأميري بعد السيل بأيام , مخنوقين من الدخان , وبهائم كان الجوع سيقتلها لو لم يقتلها السيل كانت سنة غبرة خيرها فليل ... } . والسيل له رمزيته ودلالاته المفتوحة التأويل . لقد أتاح الكاتب للراوي العليم السائح في الزمن أن يكون الشخصية الثانية له ( شخصية الكاتب الثانية ) والتي تعبر عنه لغة وأفكاراً . The author second self , بعيداً عن المباشرة والتقريرية . لقد كانت شخوص الرواية رغم بساطتها , ذات بعد إنساني عميق , ولها دورها في المسار الواقعي اليومي . لقد تركها الراوي تتداعى ببساطة حياتها اليومية , وبلغتها العفوية غير المصنوعة . واستخدم الكاتب تقنية ( الترميز العيني ) , وهو استنطاق الأشياء , لكي تعبر بحرية عن ما يريده الكاتب , فقد كان في آخر كل فصل كان يدع الأشياء , تنطق وتعبر فيقول : { دخان الجوزة } : [ أنا الدخان أعشق كركرة ماء الجوزة , أخرجني من صدرك , لأنتشر بلا خوف أمام عينيك فيصبح الجبل طيفاً , والقطار خيطاً أفقياً , مستقراً تحت الجبل وتذوب خضرة الزرع , بلوني , أما الصحراء التي أخفاها الجبل فيغيب عن نافوخك لونها ] دون الوقوع في فخ الواقعية السحرية أو كتابة الأسطورة , والتي كانت ستفسد المسار الواقعي للأحداث . في الماضي والحاضر .
وهذا ( السيل ) , الذي يمثل محطة تاريخية مهمة في قرية ( التالحة ) , التاريخ القبل والبعد , فقد عرّي حدثه الكثير من الصفات الغير إنسانية وأظهر الصفات الحسنة أيضاً ( صراع الخير والشر ) , داخل المكان الواحد وهذا التاريخ الممتدة آثاره في الحاضر , هو الذي يجعل قراءة الواقع فيه متاحة ومفتوحة الدلالة . فبالرغم من تدمير السيل للعمران في المكان , فقد بقى إنسانه كما كان , أصيلاً بتاريخه وثقافته , كأنما أراد أن يقول الكاتب , بأن التاريخ أقوى من كل ما يقصده . وأن الإنسان هو الذي يصنع تاريخه الخالد وليست السلطة .
لقد اعتمدت الرواية في معمارها على عدة أعمدة قوية وثابتة منها , معرفة الكاتب الراوي بثقافة المكان , وأشكال الحياة اليومية الغنية فيه , وبلغة العامة فيه , ( لغة التحاور والخطاب العفوي ) , والذي يناسب الفضاء الثقافي للمكان . لجأ الكاتب في روايته إلي ما يسمى بتقنية السرد المتناوب بين الراوي والشخصيات التي يروي عنها , فهو يعطيها الحق في التعبير عن نفسها وفي التحاور مع غيرها . وبهذا كان الراوي يمثل شخصية بطلة داخل النص الروائي . والذي جعل الرواية نصاً محملاً بثقافة المكان الذي تدور فيه الأحداث , والذي ينطبق عليه قول الكاتبة الإنجليزية ( فيرجينيا وولف ) , { يلزم أن تلعب الثقافة دوراً بالغاً ومهماً في أعمال الكاتب } . فالراوي عندما يتداعي حراً , فهو يعرف أسماء القرى , وكل الأحداث التاريخية القريبة والبعيدة في النوبة وصعيد مصر , يعرف أدوات الزراعة , وأسماء النجوم , والأنواء , وتقسيمات الفصول , وأدوات الطهي والديكور المنزلي الشعبي , وأسماء الأطعمة والأشربة , والعادات والأساطير والحكايات الشعبية , وهذا ما يؤكد ما جاء في كتاب الدكتور جابر عصفور ( زمن الرواية ) , والذي حدّد فيه دور الرواية في الزمن الحاضر , والذي يرى ( بان لها مسئولية في النهضة العربية , ويرى بأنها الأداة الرئيسة في محاولة تغيير الواقع العربي , وهي التي تجسد أيضاً عقلانية الاستنارة , وتمثل التسامح في مواجهة التعصب , ) . وقد تمثل كل هذا في رواية ( السرابيل ) , وكأنها تفرد للدور الثقافي والتاريخي , مهمة تغيير الواقع العربي المتخلف . وكأنها قرأت المستقبل وهي تتنبأ بالربيع العربي والتحولات الفكرية والثقافية التي أدت إليه .
لقد كانت الرواية رغم القفز من حاجز الزمن , متماسكة في بنيتها , وفي منطق الواقع الذي تحكي أحداثه , وفي مقدرتها على تحفيز المتابعة حتى النهاية . فالراوي كان يقبض على حبل السرد بحيث لم يفلت منه أبداً , وقد جعل من المعلومة التاريخية سهلة ومستساغة للقارئ العادي , وتدخل وجدانه الشعبي بسهولة , دون أن تتحول إلي رواية تاريخية جافة . وقد كان حصيفاً فلم يعطى البطولة لأي شخصية , وإنما البطولة المطلقة كانت للأحداث , [ بطولة الحدث وليست بطولة الشخصية ] .
لقد أفلح الكاتب في الاستخدام الجيد للمفردة اليومية ( لغة التعامل اليومي ) , في جمل محملة بالبلاغة الشعبية المصرية المعروفة , وقد تكون لدارس اللغات العربية العامية ذخيرة كبيرة ومقدرة , فالرواية قد خصصت اللغة والشكل والرؤية إلي العالم . ببصم أسلوبية ميزة وخاصة , ولغة غير معقدة , وقد اكتشف الطاقة الكامنة في اللغة العامية والمصرية واللغة العربية الفصحى .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.